الكتائب الجهادية وإسرائيل الرابح الأكبر من وقف الضربة
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
عند كل حراك في إطار العلاقات الدولية يوجد رابح وبالتالي خاسر أي يمكن جرد المكاسب والخسائر لكل فريق. ولكن إلى جانب ذلك فإن التغيرات في مسار الحراك تكشف أيضاً أهداف المراحل السابقة، وتشير إلى حقيقتها بعيداً عن التطبيل الإعلامي، خصوصاً عندما تكون هذه التغيرات «دراماتيكية بالمطلق» أي إما حراك يذهب في اتجاه حرب أو في الاتجاه المعاكس أي وقف الانحدار نحو الحرب.
هذا ما حصل مع «النافذة» التي فتحتها روسيا في الملف السوري: توقفت عملية «ضرب سوريا» وفتح باب «التفاوض».
نظرة بسيطة إلى الوراء أي إلى بدء التحضيرات لضرب سوريا نجد أن الحديث عن التدخل لمعاقبة النظام السوري بدأت مع استعمال السلاح الكيميائي أي إلى ٢١ آب/اغسطس.
نظرة أكثر عمقاً إلى الوراء أي إلى بدء الثورة السورية، نجد أن «الحديث» لم يكن ضرب سوريا ولا التدخل في الصراع على الأرض بل كان «فقط» تسليح المعارضة.
يمكن لأي «مراقب» أن يستنتج بكل بساطة أن «سحب السلاح الكيميائي أهم بكثير من أرواح الـ ١١٠ آلاف قتيل سوري». مدّ المعارضة بالسلاح وتوريد السلاح للنظام كان يؤجج الاقتتال ويزيد عدد القتلى ويطيل عمر الصراع ويزيد من خراب سوريا…
أما الكيميائي فهو يدخل في صلب موازين القوي العالمية.
فكما هو معروف فإن الكيميائي هو «سلاح الردع الوحيد للدول الفقيرة» التي لا تملك لا إمكانيات تقنية ولا موارد مالية ولا فرص تاريخية للوصول إلى السلاح النووي أي سلاح الردع الشامل.
السلاح الكيميائى السوري كما يروج له هو سلاح حماية سوريا في صراعها مع إسرائيل وحماية النظام في صراعه مع معارضيه. اثبت تعداد الضحايا السوريين أن ما يحصل بين النظام والمعارضة ليس هو باب قصيد التدخل الغربي في الصراع في سوريا… وهكذا ما أن فتحت روسيا نافذة سحب الكيميائي السوري من سوريا… حتى كفت قرقعة السلاح وتوقف باراك حسين أوباما عن التهديد والوعيد وأجل الكونغرس اجتماعاته وخفت صوت فرنوسا هولاند ووزير خارجيته فابيوس.
سحب الكيميائي من سوريا يفيد القوى الكبرى بشكل مباشر بما فيها روسيا. فالـ«كبار» يملكون سلاح ردع لا يريدون أن «يواجهه» الصغار» بتهديد كميائي. في الحالة السوريا كان التهديد السوري واضح: في حال حصول الضربة فإن الرد الذي لا يستطيع الوصول إلى الأراضي الأميركية أو الفرنسية سيذهب مباشرة إلى إسرائيل وتركيا، أي إلى الحلفاء الإقليميين. هذا هو سبب تردد الغرب في ضرب سوريا.
كما أن سحب الكيميائي يجعل سوريا أكثر ليونة في التعامل مع روسيا وهي تهبط من مرتبة الحليفة في المنطقة إلى مرتبة المحمية الروسية. ودخول سوريا تحت المظلة الروسية قد يحميها من ضربات مقبلة أكان من قبل الغرب أو من قبل إسرائيل، ولكنه مهما كتب مؤيدو نظام الأسد فهو يضعفها على المدى الطويل خصوصاً في إيديولوجية المواجهة مع إسرائيل. إذ في حال وجهت إسرائيل ضربات جديدة لسوريا بحجة ما فإن روسيا لن تتدخل مباشرة، فقط قد تزيد صفقات السلاح لزبونها السوري… من هنا الحديث عن شحنات سلاح متزايدة مقابل الكيميائي وزيادة الديون السورية.
وقف الضربة (لو مؤقتاً) يحرج المعارضة السورية لأن الظروف التي رافقت تعليق الهجوم على سوريا يبرز بشكل واضح أن «الدعم الغربي» لم يكن دعماً للثورة وللحرية وللديموقراطية التي قامت على أساسها الثورة. الدعم الغربي كان بسبب مواقف خاطئة أطلقتها المعارضة في صلب الصراع العربي الإسرائيلي. مواقف وتصريحات متزلفة لإسرائيل ألبت قسماً كبيراً من مؤيدي الثورة ورمتها في أحضان النظام، واستجلبت قوى ظلامية رأت في الساحة السورية مضماراً لكل ما تربو إليه من أهداف إيديولوجية جهادية.
نعم فسوريا باتت «جنة» التكفيريين الجهاديين: فيها مذاهب تناصبها العداء فيها مسيحيون ويحكمها علويون مدعومون من حزب الله عدوها اللدود المدعوم من إيران، وهي أخيراً على احتكاك مباشر مع إسرائيل بلاد اليهود. لهذه الأسباب باتت سوريا أرض الجهاد. ليس فقط لأن قوى إقليمية دعمتها بالمال والسلاح لإسقاط النظام السوري ولكن لأن في بلاد الشام يوجد كل ما يؤجج الدعوة للجهاد ويوقد شهية «القاعدة».
الرابح الأكبر من «النافذة الروسية» التي فتحت على تعليق ضرب سوريا هي الكتائب الجهادية التي لم تشارك لا في التفاوض ولا في قمة الـ ٢٠ ولا في ضغوط لوبيات الكونغرس ولا التقت مع لافروف أو كيري. الكتائب الجهادية تعادي الجميع، وعندما يتفق الجميع تزداد قوة وتزداد شراسة.
خسر النظام سلاحه الكيميائي وشعار الوقوف في وجه إسرائيل ندا للند. وخسرت المعارضة «عذرية» داعميها وكشفت عوراتهم وأهدافهم.
ولكن الخاسر الأكبر هو الشعب السوري الذي يدفع من دمه لعبة الكبار والمتوسطين والصغار على أرضه المضرجة بدما أولاده.