معمر عطوي
رغم خسارتها لحليفها التاريخي الليبرالي في هذا الاستحقاق، حظيت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل (59 عاماً)، بفوز شخصي في الانتخابات التشريعية الاتحادية التي أجريت يوم أمس الأحد (22- أيلول/ سبتمبر 2013) في ولايات ألمانيا الست عشر، كرستها لأن تبقى مستشارة لولاية ثالثة على رأس دولة قوية اقتصادياً قد يصح وصفها بالرايخ الرابع.
لقد حملت الانتخابات الاتحادية هذه المرة مفاجآت أبرزها حصول حزبها (الاتحاد المسيحي الديموقراطي CDU) على مستوى لم يحققه منذ الوحدة الألمانية عام 1990، (42 في المئة من أصوات المقترعين الألمان، الذين تجاوزت نسبتهم الـ 71 في المئة من اصل عدد سكان المانيا الـ 84 مليون)وذلك بارتفاع نسبته تسع نقاط عن النتيجة التي حققها في الانتخابات الأخيرة عام 2009.
بذلك أصبح لقب «ملكة» على عرش الرايخ الرابع ملائماً للسيدة المحافظة التي حققت ما لم تحققه اي إمرأة سياسية في الغرب، بما يؤكد وصف مجلة “فوربس” لها بالـ “المرأة الاقوى في العالم” للمرة السابعة خلال ثماني سنوات من الحكم.
ميركل التي بدأت نشاطها السياسي مبكراً مع شبيبة الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية، حيث ولدت ونشأت في بيت محافظ وفي ظل والد هو قس بروتستانتي، يُطلق عليها “المستشارة الحديدية” لدفاعها المستميت عن سياسات التقشف. وتلقب أيضاً بـ MUTTI (الأم) في تعبير يوحي للألمان بالآمان في ظل حكمها.
المفاجأة الثانية التي تُدرج في غير صالح الاتحاد المسيحي، هي خسارته لحليفه التاريخي الحزب الديموقراطي الحر FDP، الذي لم يحقق النسبة المطلوبة لدخول البرلمان (5 في المئة) لأول مرة منذ عقود، فحصل فقط على على 4,8 في المئة.
لكن الواضح أن المستشارة التي حققت فوزاً شخصياً لن يستطيع حزبها الحكم بمفرده في ظل النسبة التي حصل عليها رغم ارتفاعها، فهو يحتاج الى حليف في الائتلاف الحكومي لن يكون سوى الحزب الاشتراكي الديموقراطي SPDالذي حصل على نسبة 26 في المئة بزيادة نحو 3 في المئة عن نتيجة انتخابات 2009، لكنه بقي في الحضيض مقارنة مع حجمه في الماضي. فبتحالفها مع الاشتراكيين يصبح مرشح الـ SPD، لمنصب المستشارية، بيير شتاينبروك وزيراً للخارجية، بما يعيد تجربة التحالف بينهما في الستينات بقيادة المستشارة غيورغ كيسنجر، ومن ثم في بقيادة ميركل نفسها (2005-2009)؛ التحالف الذي لم ينجح في ادارة شؤون الاختلاف بين الحزبين المتنافسين تاريخياً.
أما المفاجأة الثالثة فكانت بظهور حزب جديد معارض لليورو باسم «البديل من أجل ألمانيا»، يطالب بالخروج من منطقة اليورو. هذا الحزب وان لم يستطع دخول البرلمان لحصوله على 4,8 في المئة من الأصوات، لكن هذه النتيجة جد مهمة له نظراً إلى حداثة عهده، حيث لم يمض شهور على تأسيسيه.
المفاجآت الاخرى هي تراجع بقية الأحزاب أيضاً في هذه الانتخابات، حيث سجل حزب الخضر تراجعاً واضحاً بحصوله على 8 في المئة (-2,7) وحزب اليسار بأكثر من ثلاث نقاط حيث حصد 8,5 في المئة، فيما بقي حزب القراصنة الذي كان يتمتع بعضوية نحو تسعة مقاعد في البرلمان، دون نسبة الـ 5 في المئة.
ويبدو أن “المرأة الحديدية” التي لا تهتم بأناقتها كما تصفها بعض وسائل الاعلام، قد حصلت على أصوات 62 مليون ناخب ، يعزو المراقبون ذلك الى نجاحها في إنقاذ أول اقتصاد أوروبي.
هي المرأة الأولى التي تحظى بهذا المنصب لولايات ثلاث، بينما لم يتمكن سوى المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول، من الفوز بثلاث ولايات في المستشارية منذ نهاية الحرب العالمية عام 1945. لعل أحد أهم أسباب هذا النجاح، الكاريزما التي تتمتع بها ميركل ونجاحها في ادارة السياسة الاقتصادية المحلية والأوروبية، والتي ساهمت في خفض معدل البطالة في ألمانيا من 10 في المئة الى 7 في المئة، وتمكنت من التخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو بدعمها للدول التي وقعت في أزمات اقتصادية خانقة، بما تمثله بلدها من قوة اقتصادية عالمية مؤثرة.