دبلوماسية المقالات
نجاة شرف الدين
على الرغم من عنصر المفاجأة الذي شكله نشر مقال الرئيس الإيراني حسن روحاني في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية تحت عنوان ” حان وقت العمل معا ” مقاربة إيران الجديدة نحو العالم ، والذي وصفه الكثيرون بأنه يعكس تحولا في المشهد الإيراني في إتجاه إزالة الجليد في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية كما مع دول غربية أخرى ، إلا أن جملة من الانتقادات تبعت دعوة الرئيس الإيراني الى إغتنام الفرصة التي سنحت بانتخابه للإنخراط مع إيران في حوار بناء ، داعين الى الحذر من هذه الدعوة وإنتظار الخطوات العملية وليس فقط الكلام كما أشار وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في حديث تلفزيوني لقناة CBS الأميركية .
بالطبع تعليق كيسنجر الذي لم يشجع على لقاء بين روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، لم يكن وحيدا بل ترافق أيضا مع العديد من المواقف لنواب ومسؤولين من الحزب الجمهوري يعارضون أي لقاء يجمع روحاني وأوباما .
روحاني الذي يصنف بالمعتدل ، والذي إستبق زيارته الى نيويورك بسلسلة خطوات منها توجيه تغريدة تهنئة الى اليهود بحلول السنة الجديدة وتحرير عدد من السجناء السياسيين إضافة الى مقالته في صحيفة أميركية تسعى الى مخاطبة الشعب الأميركي بقوله ” أن هناك تغييرا في طريقة التعاطي الإيرانية وأضاف ” انه يجب على الدول ان تسعى الى “نتائج مربحة للجميع” بدل استخدام “القوة الغاشمة” في مكافحة الارهاب والتطرف والجرائم الالكترونية والتحديات الاخرى. واضاف: “انتهى عصر العداوات الدموية. حري بزعماء العالم ان يحولوا التهديدات الى فرص”.
مقالة الرئيس الإيراني الدبلوماسية ، كان سبقها مقالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تحت عنوان ” نداء من أجل سوريا ” ، وقد أثارت عاصفة من ردود الأفعال على كافة المستويات السياسية والإعلامية ، فمنهم من رأى في كلامه محاولة لإعطاء الدروس لأميركا ومنهم من سخر من ” رجل المخابرات السابق يقول لنا ما هو في مصلحتنا الوطنية ” وحتى الديمقراطيين إعتبر وا عباراته فيها الكثير من التهديد والوعيد ، إلا أن العديد من المراقبين رأوا في توجهه الى صحيفة أميركية ولو عبر شركة إعلانية هي ” كيتشوم ” لتسويق أفكاره ، تظهر مدى إعتداده بنفسه وبموقفه من الأحداث في سوريا ومن توجيه ضربة عسكرية أميركية محتملة على سوريا بقوله ” سوريا لا تشهد معركة من أجل الديمقراطية ولكنها تشهد نزاعا مسلحا بين الحكومة والمعارضة في بلد متعدد الديانات .. نحن لا نحمي الحكومة السورية ولكننا نحمي القانون الدولي ” . كما وجه رسالة الى الشعب والمسؤولين الأميركيين عندما أشار الى ” أن سلاح الغاز السام الذي تم إستخدامه ، هناك ما يثير الشك بأنه إستخدم من قبل المعارضة والتقارير تشير الى أن المسلحين يستعدون لهجوم آخر وهذه المرة ضد إسرائيل وهذا ما لا يمكن تجاهله ” . وبعدما إنتقد ” الإستثنائية الأميركية ” التي قال إنه يختلف مع أوباما بشأنها ، حذر الأميركيين من أن «الملايين من سكان العالم أصبحوا يرون أن الولايات المتحدة ليست نموذجاً للديموقراطية بل رمزاً للقوة الغاشمة التي تجمع حولها حلفاء وفق مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا».
هذه المقالة التي إعتبرها السيناتور الأميركي جون ماكين إهانة لأميركا ، سارع بالرد عليها في عقر دار الرئيس الروسي ، وهو موقع صحيفة البرافدا عبر مقال يقرأ من عنوانه الإستفزازي وهو ” الروس يستحقون أفضل من بوتين ” ، الذي إنتقد فيه بشدة الرئيس الروسي ، وأكد فيه خطأ ما يروج عنه بأنه «يحمل وجهات نظر معادية لروسيا»، وقال إنه «يؤمن بعظمة الشعب الروسي وطموحه نحو العيش في مجتمع العدالة» لكنه رأى أن «روسيا تستحق قيادة أفضل من الحالية»، وزاد إن هدفه من نشر المقال هو «كشف التزوير الذي يستخدمه قادة روسيا للحفاظ على سلطتهم وتبرير الفساد».
هذه اللهجة دفعت بالكرملين الى الرد عبر الناطق باسم الديوان الرئاسي ديمتري بيسكوف
بقوله أن الكرملين «لن يدخل في جدل مع سناتور أميركي معروف بأنه ليس من المعجبين بالرئيس بوتين. لا أعتقد أن وجهة نظر شخصية ما وراء المحيط ستلعب دورا ما في التحكم بإرادة الشعب الروسي”.
حرب المقالات الإعلامية الدبلوماسية التي خيضت على جبهة واشنطن موسكو طهران ، يبدو أنها مهدت الأجواء لنقاشات سياسية تبدأ بسوريا ولا تنتهي بالملف النووي الإيراني ، على وقع أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فهل تستطيع المقالات أن تغير ما بأنفس الرأي العام والإدارة الإميركية تجاه بوتين وروحاني ويكون وقع دبلوماسية المقالات أقوى من التهديدات العسكرية أم ستشكل ترفا صحافيا مر من هنا وأعاد لمصطلح الحرب الباردة سخونته …