الاحتلال إلى زوال
معمر عطوي
رغم اجتياح قوات الاحتلال الاسرائيلي عام 1982 مناطق عديدة من لبنان وصولاً الى العاصمة بيروت، كان هناك من يمتلك الجرأة ليكتب على جدران المدن والقرى عبارة «المقاومة مستمرة والاحتلال إلى زوال»، ولعل عدد هؤلاء كان يفوق بكثير بعض المتخاذلين الذين رأوا في الصهاينة مخلّصاً من الفلسطينيين، فقاموا برشّ الأرز احتفالاً بمجيء «المُخلّص».
المشهد تكرّر كثيراً فيما بعد وأصبح جزءاً من مشاريع التخلص من أنظمة استبدادية قمعية لا ترحم. ولم يعد موضوع طلب المعونة من العدو الاسرائيلي أو الأميركي خيانة وعمالة للأجنبي، بل اصبح مجرد وجهة نظر تبرّر لصاحبها التخلص من الظلم الواقع على بلده وشعبه من سلطة مارست أبشع أنواع الإجرام من أجل استمرار جلوسها على كرسي الحكم.
وفيما أصبح «الربيع العربي» عنواناً لعصر الناتو (حلف شمال الأطلسي) عند المدافعين عن الأنظمة البائدة، نسي هؤلاء أن موضوع الاستعانة بالأجنبي تاريخي، وقد يكون مبيناً على تلاقي مصالح وقواسم مشتركة، وأن معظم شعوب الأرض، بما فيها الألمان واليابان وكوريا الجنوبية، رحّبت بالمستعمر الأميركي الغربي للتخلص من السلطات الحاكمة في بلدانها.
لكن في العقود الأخيرة، حيث باتت المزايدات بين فريقين تتماهى مع حرب باردة بين معسكرين دوليين، تكرّست فكرة الاستعانة بالغربي وأصبحت وجهة نظر، حتى عند اولئك الذين كانوا يحرّمون دينياً اي مصافحة او اعتراف بالعدو. فظهر فقهاء الاحتلال الأميركي في العراق وتبعهم فقهاء الناتو في ليبيا وسوريا واليمن ومصر وتونس ليباركوا اي عملية ضد الأنظمة الحاكمة حتى لو كانت من أميركا نفسها.
في العراق، عام 2003، كانت الخيانة سافرة إلى أقصى حدودها، حين أصبح صدام حسين – بنظر بعض النخب- أخطر من جحافل جيوش مغول العصر الحديث القادمين من أميركا، وتكرر الأمر بعد نحو اقل من عقد في ليبيا وسوريا واليمن بعد نجاح ثورتي تونس ومصر من دون تدخّل غربي.
من دون الدخول في تفاصيل العمليات العسكرية وحدودها وطبيعة العمليات المشتركة، التي كان يديرها حلف الأطلسي وبعض نخب أجهزة الاستخبارات العالمية بما فيها الإسرائيلية، بدت سوءة الاستعانة بالغربي بعد شهور قليلة من بدء الحراكات الشعبية التي لا يمكن انكار مشروعيتها ومظلومية أصحابها.
المفارقة أن الاحتلال لم يعد بحاجة الى وجود بشري كبير على الأرض حتى ينفّذ مصالحه ومخططاته ومشاريعه، بل أصبح يدير شؤون بالوكالة وبعمالة أكثر قذارة من السابق.
فبينما تحتفي ايران وبعض دول «محور الممانعة» بهزيمة الولايات المتحدة من العراق، رغم ان الأخيرة غزت بلاد الرافدين بمباركة هؤلاء الممانعين، تبدو آثار الاحتلال واضحة في استمرار تحكّمها بهذا البلد من خلال رئيس وزراء يقوم بعمالة مزدوجة للإيراني والأميركي. وأكثر من ذلك تؤكد صورة العراق بتقسيماته الطائفية وما نتج عنها من قلاقل وفوضى واستمرار عمليات الارهاب ضد الابرياء، أن الاحتلال لا يزال موجوداً وبشكل اخطر بعد انسجاب قواته من «بلد السلام». ناهيك بعقود استغلال النفط وبيعه واستثمار منابعه.
وفي ليبيا، حظيت الدول الأوروبية خصوصاً فرنسا، بحصة الأسد في الاستثمارات النفطية ومشاريع اعادة بناء ما دمرته حرب القضاء على العقيد معمر القذافي، وتؤكد نسب تراجع انتاج النفظ الكبيرة عما كانت عليه في زمن القذافي، كم خسرت ليبيا نتيجة استعانتها بالناتو من اجل التخلص من الحقبة السابقة.
الأنكى من ذلك، أن ليبيا واليمن والصومال وباكستان وأفغانستان، كلها دول مشرّعة أمام طائرات بلا طيار. طائرات أصبحت عنوان الحرب المقبلة تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
في الوقت نفسه تغير هذه الطائرات على قواعد تنظيم القاعدة في اي بلد عربي او اسلامي تريده، وتخطف أحد قيادات «القاعدة « في ليبيا، وتقتحم معسكراً لتنظيم الشباب الاسلامي في الصومال، من دون أن يظهر أي صعلوق من صعاليق المطالبة بالحرية والديموقراطية ليدافع عن سيادة بلده.
حتى الحركات الاسلامية التي كانت تكن عداءاً اعلامياً لأميركا، أصبحت تتعاون مع استخباراتها لضرب تجمعات «العناصر الجهادية» ومعسكراتهم في أكثر من مكان خصوصاً الأماكن التي اصبح لها فيها نفوذ سياسي وسلطوي.
ضرب هذه العناصر الارهابية والقضاء عليها غير مأسوف عليه في الأساس، كما هم اولئك الحكام الذين ظلموا شعوبهم. لكن أن يتم التغيير بايدي وطنية قومية شريفة شيء، وان يتم تلزيم البلدان العربية الى الاحتلال بالوكالة شي آخر. هنا يصبح الاحتلال بصورته الجديدة المشرعّة من السلطات الحالية ، أكثر خطراً على الأمن القومي للبلد ووحدة أبنائه واراضيه. لأن العدو لا يمكنه التخلي عن شعار» فرّق تسد». وليس هناك من عنوان مناسب لهذا الشعار سوى أن نقول: الاحتلال إلى زوال والمقاومة مستمرة.