كلود أسكولوفيتش: المسلمون والإسلاموفوبيا
ألان غريش
«خلف تلك الكلمات المعسولة ووالمواقف الطفولية كان الخطاب صادماً. صادماً بكلّ ما يحمل من ازدراء وكره، ولكنه كره موجه ضد فرنسا» (…) «خلف صرخة الكراهية هذه ضد فرنسا التي تُقدّم على أنها منافقة وعنصرية وقمعية (…)،يوجد مسار رجل يقرّ بتماثله مع الذين ينتقدهم». تحت العنوان اللاذع «حبّ السلفية وسيلة لكره فرنسا أكثر» (لوفيغارو ١٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٣) من تستهدف نتاشا بولوني؟ هل تتحدث عن أحد ممثلي «الإسلام اليساري»؟ عن «أحمق مفيد» يُنتقد دائماً لمواءمته للإسلام؟ كلا، إنها تتوجه لكلود أسكولوفيتش وكتابه الأخير «هؤلاء المكروهون المسلمون الذين لا تريدهم فرنسا».
منذ أسابيع، وكتاب الصحافي يثير ضجةً واسعةً ويستحوذ على تغطية إعلامية استثنائية. والسبب المكانة التي يحتلها كلود أسكولوفيتش: فهو أحد الصحافيين المحظيين، شغل مناصب عالية في «جورنال دو ديمانش» و«لو بوان»، بالإضافة إلى إذاعة «أوروبا 1»، باختصار هو ليس بمنشق.
وبغض النظر عن نبرة بولوني الحادة، إلا أن الكتاب حظي بترحيب حار على الرغم من النقد الموجّه له. لذلك استُقبل أسكولوفيتش في البرنامج الصباحي على «فرانس أنتير» («مسلمون لا ترغب بهم فرنسا؟») مع باتريك كوهين، واحد من الناطقين باسم رهاب الإسلام اليساري الفخور بنفسه، وقد تصرّف معه بتهذيب قد لا يبديه تجاه كتّاب مثل اسمهان شودي وملكة الأطرش وبيار تيفانيان الذين نشروا كتاب «فتيات محجبات يتكلمن» (لا فابريك، 2008)، الذي مثل كتاب أسكولوفيتش منح حقّ الكلام لغير المرئيين، أي إلى المسلمين في فرنسا.
فهؤلاء لا نسمعهم على «فرانس أنتر». فقد تباهى باتريك كوهين في حوار مع فريدريك تادي بـ«عدم اعطاء حق الكلام لأصحاب العقول المريضة»: في وقتهم كانت السلطات السوفياتية تحتجز المنشقين وغيرهم من «العقول المريضة» في مصحّات نفسية. يسأل دانيال شنيدرمان عبر موقعه الإلكتروني «Arrêt sur images» («هل حبّ الإسلام مقبول؟» 20 أيلول 2013)، ويقول: «هل يبشرنا طائر السنونو أسكو بخريف محبّ للإسلام؟ من الواضح أن ظاهرة أسكو تحمل كافة مقومات الجاذبية. أولاً من خلال شخصية الصحافي: محرر في «أرتي أل»، منشقّ عن ملاذ رهاب الإسلام (لو بوان) ينقل البندقية من كتف إلى أخرى. هذا أمر نادر لا يتكرر كلّ يوم. وعلى الرغم من أنه لم ينشقّ عنها بكثير من الضجة، ولكنه على خلاف مع فرانز أوليفييه جيسبير، ظلّ في اطار الاحترام والأخوة الضروريين».
سبق أن تجادل دانيال شنيدرمان مع أسكولوفيتش، كما أذكر في «أسكولوفيتش و«المحطمين» (18 تشرين الأول 2008) حيث هاجمت أنا أيضاً أسكولوفيتش بسبب تصريحات وجدتها (ولا أزال أجدها) شائنةً. إلا أنه سيكون من البسيط جداً أن نعتبر هذا الكتاب مجرد عمل انتهازي يهدف إلى إثارة ضجة إعلامية. بل يجب أن نقرأ هذا البحث في البداية لنعرف ما الذي يقوله، والأهم لنعرف ما الذي يظهره. يمكّننا أسكولوفيتش من اكتشاف هؤلاء المسلمين الذين لا تحبّهم فرنسا. يجعلهم مرئيين ومسموعين لجمهور يفضّل ألا يفكر إلا بالصور النمطية التي تروّج لها وسائل الإعلام المسيطرة. فوسائل الإعلام تلك تفضّل أن تلقي الضوء على أشخاص مثل الإمام حسن شلغومي. ويروي أسكولوفيتش كيف تحوّل هذا الأخير إلى رمز ونموذج للإسلام الفرنسي، صفاته الأربع هي: أن يكون تحت حماية السلطة السياسية (الساركوزية ثمّ الاشتراكية)، أن يوجّه الانتقادات في وسائل الإعلام لأصولية مسلمين آخرين، أن يؤكّد أن مشكلة الإسلام في فرنسا ليست ناتجةً إلا من تأثيرات أجنبية، أن يعلن الصداقة لليهود. ومن يهتم إن كان شلغومي لا يمثّل إلا نفسه، على العكس، عزلته تؤكد أن المسلمين الآخرين الذين لا يشبهونه هم خطيرون وأعداء للجمهورية. أمّا أسكولوفيتش، فيرسم صورةً لرجال (بشكل خاص الرجال) يصلّون خمس مرّات في اليوم ويلتزمون حرفياً تعاليم ديانتهم الأكثر صرامةً. باختصار، هو يتحدث عن أولئك الذين لا نراهم.
ومن بين هؤلاء، يعرّفنا إلى نبيل أنصاري، اختصاصي في العلاقات الخارجية ومناصر للبيئة ينتمي إلى اليسار، ولكن يرفض قانون السماح بزواج المثليين، وإلى أحمد كهمور، مسلم سلفي توفي جدّه من أجل فرنسا يقول إنه يعرف ما الذي يعنيه الدفاع عن فرنسا، بالإضافة إلى فاتح قيموش، مدوّن وباحث، هو مؤسس موقع «الكنز» يقول إن الناس غالباً ما يظنّونه يهودياً ينتمي إلى حركة حباد بسبب قبعته.
ويعرفنا أيضاً إلى ياسين أياري، وهو فرنسي من أصل تونسي صوّت لحزب بيئي صغير في تونس اقترح عليه حزب النهضة أن يتولّى منصب وزير الزراعة. يعتبر الوهابية فرعاً دينياً للرأسمالية، وكتب مقالاً طويلاً تحدث فيه عن تجربة بلاده الأم الممزقة بين ثقافتين «جامعة الزيتونة في مواجهة السوربون».
لا يمكن حصر أي من تلك الشخصيات في إطار واحد أو قالب واحد في أحكامنا المسبقة. ومن هنا يحفّزنا خطاب أسكولوفيتش، فيدفعنا نحو سؤال طرحته أمام محفل يهودي دعيت لأتحدث أمامه عن الإسلام: من منكم تعامل أو تناقش أو عمل أو ناضل إلى جانب مسلم مؤمن وممارس؟ لم يتمكن أي من هؤلاء الأشخاص الإجابة بـ«نعم» عن هذا السؤال على الرغم أنهم أشخاص منفتحون على الآخرين وودودون.
تبدو خلاصة الكتاب صحيحةً: «ما بنته فرنسا خلال 25 سنة في اليسار كما في اليمين، بسبب الفضائح والقوانين وعدم المسؤولية وأكاذيب الحنين، هو فكرة غيرية للإسلام تتعذر على المنطق وعلى الجمهورية. عند إعلان هوية في خطر قومية كانت أو جمهورية، يصبح كلّ شيء مشروعاً قانونياً – لحمايتها (…) لربع عقد من الزمن، كبر المسلمون من دون أن يتمكنوا من أن يكونوا موجودين فعلاً، فذابت فرديتهم في حربنا المقدسة. ما هم إلا مفاهيم وصور نمطية معادية أو موضع شكّ، يسعون في داخلهم كي يصبحوا صانعي قرار الجمهورية. فحين لا نرى الناس، نضعهم في إطار مستحيل.
لقد حظرنا الحجاب في المدارس وأثرنا ضجةً حول الأطعمة الحلال، حظرنا الحجاب في دور الحضانة وغداً قد نحظره في الشركات أيضاً، ومع كلّ حظر يزداد الغضب، وكلّ احتقار يولّد أكاذيب وسيظلّ المسلمون يكبرون على قناعة بأن بلدهم لا يحبّهم وغير المسلمين يستمرون في الهرب ممّا سنصبح…». بالطبع، يمكن أن نطرح الكثير من التساؤلات عن رؤية أسكولوفيتش السياسية وعن ارتباطاته الأخرى، مثل علاقته مع مانويل فالس الذي يعفيه من كلّ رهاب للمسلمين وعلاقته بإسرائيل. ويطرح يوسف بوسوما وحورية بوتلجة، عضوا حزب «أهالي الجمهورية بفرنسا» أسئلةً مشروعةً في «حبّ الإسلام الغريب عند كلود أسكولوفيتش» (2 تشرين الأول 2013) حول ذلك. نلاحظ أيضاً أنه حتى لو أن الكاتب تخلّى عن بعض أحكامه المسبقة، إلا أنه بقي «مركزاً» على طارق رمضان الذي يستمر في رسم صورة سلبية له على الرغم أن العديد من الشخصيات التي يحاورها والتي يثني عليها تعترف بتأثير رمضان على مسارها الشخصي. فهل يحضّر هذا الكتاب لربيع محبّ للإسلام؟ بلا أدنى شكّ الاعتداءات التي تعرضت لها فتيات في أرجنتوي أو ترابيس بسبب ارتدائهن الحجاب أثارت نوعاً من يقظة الضمير.
حتى إن كارولين فوريست التي لطالما ساهمت في نشر رهاب الإسلام في فرنسا أقرّت بذلك («لو نوفال أوبسيرفاتور» 12 أيلول 2012): «أعتقد اليوم أن الخطر الأكبر لم يعد في صعود المذهبية الدينية – ولا حتى الأسلمة بسبب الوضع الذي أدى إلى تقليص تأثير الأخوان المسلمين وكان لذلك أثره هنا أيضاً – ولكن صعود عنصرية مناهضة للإسلام في محاولة للعودة إلى عهد الكنيسة القديم، إلى فرنسا الأبدية، حيث الطبيعة هي أن يكون الإنسان كاثوليكياً متغاير الجنس». عنصرية مناهضة للإسلام؟ هذه خطوة إلى الأمام، بقليل من الجهد قد تصل الأخت كارولين إلى رفض رهاب الإسلام من أساسه ومن يدري قد ينتهي الأمر بباتريك كوهين متأثراً بهذه النعمة.