مخزومي: عرقلة ملف النفط في لبنان محلية ودولية
أجرى المقابلة – جاد عويدات (خاص برس -نت)
يستحوذ ملف النفط أهمية اقتصادية كبرى بالنسبة للبنان، ومع ذلك فإن ما زال موضوع تجاذب وخاضع لحسابات الانقسام السياسي التي تعصف ببلاد الأرز. في جولة على بعض أقطاب السياسة اللبنانية تفتح «برس نت» هذا الملف وتنقل أصداءه إلى العلن. ونبدأ مع فؤاد مخزومي رئيس حزب الحوار الوطني وأحد العاملين في الشأن العام خصوصاً في بيروت.
«برس نت»: أين أصبح الملف النفطي وما أهميته بالنسبة للبنان؟
فؤاد مخزوني: لا يزال هذا الملف في حال من المراوحة ريثما يتوصل السياسيون إلى حل خلافاتهم ومن ثم النظر في أمره، والخوف أن تكون المصالح الفئوية والنظرة الضيقة إلى هذا الملف الحيوي، وراء هذه الخلافات، وألا نتوصل إلى نتيجة إيجابية تخدم الاقتصاد اللبناني إلا بعد فوات الأوان، إضافة إلى أن لبنان محكوم عليه أن يرزح تحت وطأة الدين العام لتمرير بعض المخططات المرسومة له، ومن بعدها يعطى لنا الضوء الأخضر لاستخراج النفط وسدّ قسم من الدين العام تلقائياً وازدهار اقتصاده. فالنفط مورد أساسي للدولة اللبنانية في حال استخراجه، كونها تعتمد على القطاع الخدماتي فقط ولا يوجد لدينا أي مورد آخر.
هل بالإمكان إعطاء أرقام وإحصائيات عن كميات الغاز والبترول المقدرة في لبنان؟
أكدت العملية التنقيبية وجود النفط بكميات كبيرة في لبنان، وقد سمعنا مؤخراً الوزير جبران باسيل يعلن عن اكتشاف مناطق جديدة غنية بالنفط تقع في المنطقة البحرية المطلة على جبال لبنان وبيروت. وبحسب دراسات وزارة الطاقة، فإن اكتشاف آبار بترولية رفع من مخزون الشمال البترولي إلى نحو 440 مليون برميل و15 تريليون قدم مكعب غاز. وبحسب بيانات مسح جيولوجي لشركة “سبيكتروم جيو” البريطانية، فإن احتياط لبنان من الغاز يضم 25 ألف مليار قدم مكعب في أعماق مياهه الإقليمية في الساحل الجنوبي، تمتد مساحتها على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع.
كيف تقيّمون إدارة الملف من قبل الدولة اللبنانية وتحديداً وزارة الطاقة؟
من الواضح أن خطراً كبيراً يحدق بلبنان من جانب إسرائيل التي جندت كل قواها الخارجية للانقضاض على ما تعتبره حقاً لها من النفط والغاز. فقد باشرت رسم حدود المنطقة الاقتصادية وعمليات التنقيب، بينما المسؤولون في لبنان يقفون مكتوفي وذريعتهم الوحيدة اليوم حكومة تصريف الأعمال التي لا تستطيع إقرار أي مرسوم يتعلق بالنفط دستورياً، إضافة إلى الخلافات المستمرة على أمور لوجيستية خاصة بتلزيم “البلوكات”، بينما الهم الأساسي الذي من المفترض أن يكون في أولوية الاهتمامات هو الاتفاق على سبل استخراج النفط سريعاً وإبعاده عن الخطر الإسرائيلي والحؤول دون ضياع حق لبنان أمام العالم.
ما هي العراقيل التي تحول دون تنفيذ المشاريع والبدء بالمراحل الأولية التي من شأنها الانطلاق نحو استثمارات ضخمة تصب في مصلحة الدولة اللبنانية ومن ثم تفيد الشعب اللبناني؟
المشاكل التي تواجه لبنان في استخراج نفطه وغازه كثيرة، أولها المصالح الشخصية والسياسية للمسؤولين في لبنان والتي تتغلب على المصلحة العليا للبلاد. كما أن عدم ترسيم الحدود المائية مع قبرص وسوريا وإسرائيل، وكذلك الحدود البرية مع سوريا، يجعل الحقول النفطية الواقعة هناك أماكن متنازعاً عليها، إضافة إلى عدم تحديد المناطق الاقتصادية البحرية، خصوصاً أن المنطقة البحرية الاقتصادية في لبنان متداخلة مع نظيرتها في قبرص، مما يعقّد عملية تحديد نسبة كل دولة. هذا الكلام في كفة وعدم وجود أسطول بحري متطور في لبنان في كفة أخرى، إضافة إلى قِدم مصفاتي النفط في طرابلس والزهراني، وعدم وجود خزانات كافية لتخزين الكميات المنوي استخراجها.
هل الموانع والعرقلة تدخل في خانة المحلي أم الدولي؟
العرقلة واضحة من الجانبين المحلي والدولي في آن معا.
ما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه العرقلة والتسويف لموضوع حيوي للبنان شعباً ودولة؟
تظهر في البلد مشكلة كل يوم، يواجهها المسؤولون ببطء شديد وعدم اهتمام، إلا عبر التصريحات المتبادلة المنددة أو الشاجبة من طرفي النزاع 8 و14 آذار، بحيث أن كل طرف يغني من أجل مصالحه دون سواها. ومن سخرية القدر أن الصراع في ملف النفط وتلزيماته يجري حتى داخل الفريق السياسي نفسه، بينما تباشر إسرائيل التحضيرات للإنتاج وتهدد لبنان في بحره وموارده. من هنا، فإن السبب الأول في عرقلة الملف النفطي وتأخيره سياسي بامتياز، قائم على الحسابات الخاصة والمصالح الضيقة. ومن الأسباب التي يتذرع بها الساسة عدم جواز عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء دستورياً.
إلى متى هذا الغموض وعدم الشفافية في هذا الموضوع؟
الغموض وعدم الصدقية يشوبان ملف النفط، لأن السياسيين يريدون ذلك. الأمر يتصل بإعطاء أولوية لهذا الملف والتحلي بنوع من الوطنية، وإنهاء الخلافات السياسية والإفادة من هذه الثروة القيمة والحيوية جداً للاقتصاد اللبناني، للمساهمة في حل الأزمات الاقتصادية والمعيشية.
برأيكم هل هناك عراقيل وضغوط دولية تحول دون تمكين لبنان من الإفادة من هذه الثروات؟
إن قطاع الطاقة يشكل جزءاً من الصراع الجيو-ستراتيجي الأوسع، إذ يرغب كل من روسيا وإيران بدعم من الصين والهند، في أن يكون لهما تأثير قوي في هذا القطاع، وترغب روسيا في الحفاظ على هيمنتها على إمدادات الغاز إلى أوروبا. فيما ترعى إيران مشروع خط أنابيب غاز من شأنه أن يربط لبنان وسوريا معها مروراً بالعراق، ولديها مشروع خط أنابيب آخر سيمر عبر باكستان إلى الصين. من ناحية أخرى، تريد أميركا وأوروبا الغربية مع إسرائيل، توجيه موارد الطاقة هذه إلى الأيدي الغربية. لذا فإن أميركا تتخوف من انتقال النزاع السوري إلى لبنان عبر الحدود، وتخشى دخول تنظيم “القاعدة” بهدف زعزعة استقراره وتنفيذ عمليات ضد المصالح الأميركية، وهي في الوقت عينه لن تسمح بأن يقع النفط اللبناني تحت النفوذ الإيراني – الروسي، ومن هنا يمكن فهم الموقف الأميركي المؤيد لتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وإخراجه من أي صفقة ممكن أن تحصل مع الروس.
هل هناك ربط بين تأليف الحكومة وإدارة ملف النفط أو بين ما يجري في سوريا على المستوى الجيو-سياسي؟
بالطبع إن تأليف حكومة جديدة يؤسس للتقدم على صعيد الملف النفطي، خصوصاً في ظل الخلاف الحاصل على عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تخصّص لإصدار المرسومين المتعلقين بالبلوكات البحرية ودفتر الشروط ونموذج عقد الاستكشاف والإنتاج. أما من ناحية الأزمة السورية، فبالطبع الأمن أساس ويؤثر بشكل كبير في الاقتصاد. وانتقال الصراع السوري إلى الداخل اللبناني يؤثر بشكل كبير على الملف النفطي. كما أنه يبدو واضحاً أن المعركة السورية هي في جزء منها معركة من أجل السيطرة على مستقبل الطاقة. في أي حال، التطورات تتسارع في المنطقة ولاسيما منها في سوريا، وعقد مؤتمر جنيف 2 أو التوصل إلى حلّ سياسي في سوريا، قد يؤدي إلى انقشاع الرؤية أكثر فأكثر في المنطقة خصوصاً بعد الاتفاق الأميركي – الروسي الذي تمثل بلقاء كيري – لافروف، والمفاوضات الإيرانية – الأميركية التي قد تؤشر إلى تغيير في المعادلات في المنطقة ككل.
ما هو الدور الذي تلعبه مؤسسة مخزومي في هذا الملف وحزب الحوار الوطني كحزب وطني في لبنان؟
نحن سواء في مؤسسة مخزومي كناشطين اجتماعيين أم في حزب الحوار الوطني كناشطين سياسيين، لم نتلكأ ولن نوفر فرصة لخدمة بلدنا إلا وسنسعى من أجل أن نكون فاعلين وإيجابيين في شأنها. فكل قدراتنا هي في خدمة لبنان فقط.