اكتشاف النفط في لبنان نعمة أم نقمة؟
جاد عويدات- (خاص)
لقد أصبح في حكم المؤكد بأن في لبنان ثروة نفطية هائلة، والسؤال المطروح هو كيف تتعامل الدولة اللبنانية ككل مع هذا الملف؟ هل هناك من ضغوط تمنعه من حقوقه الطبيعية؟ وما هي العوائق الأساسية التي تعرقل الانطلاق في مشاريع استثمار النفط؟
بحسب دراسات وزارة الطاقة والمياه، فإن كميات كبيرة من النفط تقع في المنطقة البحرية المطلة على جبال لبنان وبيروت، واكتشاف آبار بترولية يرفع من مخزون الشمال البترولي إلى نحو 440 مليون برميل و15 تريليون قدم مكعب غاز. وبحسب بيانات مسح جيولوجي لشركة “سبيكتروم جيو” البريطانية، فإن احتياط لبنان من الغاز يضم 25 ألف مليار قدم مكعب في أعماق مياهه الإقليمية في الساحل الجنوبي، تمتد مساحتها على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع.
إن أول ما يتبادر إلى ذهن المواطن اللبناني أو إلى أي مراقب عند الحديث عن ملف النفط، هو هذا الكم من الغموض واللامبالاة الحكومية في الإسراع في تنفيذ مشاريع استخراج النفط والاستفادة منه. وبالتالي فإن الاقتصاد اللبناني المتهالك هو الخاسر الأكبر، لأن استثمار النفط سيعطي أملا وثقة في مستقبل البلد وسيمكنه من تسديد ديونه وتحوليه إلى مصافي الدول المصدرة للبترول والغاز، ناهيك عن آلاف فرص العمل للشباب – الساعي للهجرة أمام السفارات- التي سيخلقها هذا القطاع وبالتالي الاستقلالية السياسية والاقتصادية للبنان.
من الواضح أن العرقلة تدخل في الإطارين المحلي والدولي في آن معا، بحسب فؤاد مخزومي رئيس حزب الحوار الوطني : “المشاكل التي تواجه لبنان في استخراج نفطه وغازه كثيرة، أولها المصالح الشخصية والسياسية للمسؤولين في لبنان والتي تتغلب على المصلحة العليا للبلاد. كما أن عدم ترسيم الحدود المائية مع قبرص وسوريا وإسرائيل، وكذلك الحدود البرية مع سوريا، يجعل الحقول النفطية الواقعة هناك أماكن متنازعاً عليها، إضافة إلى عدم تحديد المناطق الاقتصادية البحرية المتداخلة مع نظيرتها في قبرص، مما يعقّد عملية تحديد نسبة كل دولة. هذا الكلام في كفة وعدم وجود أسطول بحري متطور في لبنان في كفة أخرى، إضافة إلى قِدم مصفاتي النفط في طرابلس والزهراني، وعدم وجود خزانات كافية لتخزين الكميات المنوي استخراجها”.
ملفا الغاز والنفط في لبنان من الملفات الحاضرة في الساحة اللبنانية حديثاً لكن ما يلفت الانتباه بأنه ملف خلافي وشائك يثير ويعمِّق الخلافات بين السياسيين وكل ذلك يثير الاستغراب لدى الكثير من اللبنانيين. فهل العجز الحكومي مُبَرر؟ منذ استقالة حكومة ميقاتي وتحولها إلى حكومة تصريف الأعمال، لم تعقد أي جلسة لمجلس الوزراء. في هذا الصدد ألا يمكن وصف الجدل حول دستوريتها بالعقيم. يمكن ربط هذا العجز أو هذه اللامبالاة الحكومية بالشلل القائم حاليا في البلد وفي مؤسساته عبر برلمان معطّل وحكومة تصريف أعمال يقتصر دورها على التصريحات الإعلامية وبانتظار تأليف الحكومة العتيدة برئاسة تمام سلام التي طال انتظارها.
في إطار هذه الظروف هل من رابط بين تأليف الحكومة وملف النفط؟ هل هناك فعلا من إهمال في إدارة الملف؟ يُخشى من أن الاستعدادات والتحضيرات تُطبخ على نار هادئة وفي إطار ما تعودنا عليه في لبنان من محاصصة ومحسوبيات بين أركان الطبقة الحاكمة.
مؤخراً اصدر وزير الطاقة والمياه جبران باسيل سلسلة قرارات أعلن بموجبها تأجيل مناقصة التنقيب عن النفط للمرة الثانية إلى العاشر من كانون الثاني/يناير في العام المقبل. كما وجه باسيل، عبر البريد، عريضة إلى عدد من الوزراء للتوقيع عليها، للطلب من الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لبحث موضوع النفط والموافقة على رقع التنقيب المقترحة وعقود الاستكشاف والإنتاج. ومن دون التصديق على تلك الوثائق لا يمكن المضي في جهود لبنان لاستغلال احتياطياته البحرية. لكن باسيل يبقى متفائلا وهو الذي يوصف من قبل خصومه بأن تحركاته “حفلة جنون” و”شعبوية”، حيث قال إن هذه المسألة لن تؤدي إلى إبطاء خطط التنقيب في الوقت الراهن.
قراءة ما بين السطور تقطع الشك باليقين بأن الأزمة السورية والصراع الروسي الأميركي مع حلفائهما حول الهيمنة على قطاع الطاقة في الشرق الأوسط تعتبر أحد أهم العوامل التي تعرقل ملف النفط في لبنان بالإضافة إلى العامل الإسرائيلي الساعي إلى استثمار الموارد النفطية البحرية ومنع لبنان من الشيء نفسه. هكذا يقرأ فؤاد مخزومي ارتباط ملف النفط بالصراعات الدولية والإقليمية : “لا شك بأن “قطاع الطاقة يشكل جزءاً من الصراع الجيو-ستراتيجي الأوسع، إذ يرغب كل من روسيا وإيران بدعم من الصين والهند، في أن يكون لهما تأثير قوي في هذا القطاع، وترغب روسيا في الحفاظ على هيمنتها على إمدادات الغاز إلى أوروبا. فيما ترعى إيران مشروع خط أنابيب غاز من شأنه أن يربط لبنان وسوريا معها مروراً بالعراق، ولديها مشروع خط أنابيب آخر سيمر عبر باكستان إلى الصين. من ناحية أخرى، تريد أميركا وأوروبا الغربية مع إسرائيل، توجيه موارد الطاقة هذه إلى الأيدي الغربية. وهي في الوقت عينه لن تسمح بأن يقع النفط اللبناني تحت النفوذ الإيراني – الروسي. ويضيف بأن الغموض وعدم الصدقية يشوبان ملف النفط، لأن السياسيين يريدون ذلك. “الأمر يتصل بإعطاء أولوية لهذا الملف والتحلي بنوع من الوطنية، وإنهاء الخلافات السياسية والإفادة من هذه الثروة القيمة والحيوية جداً للاقتصاد اللبناني، للمساهمة في حل الأزمات الاقتصادية والمعيشية” هكذا يختم مخزومي.
الكثير من التساؤلات تضاف إلى الأسئلة التي تتربص بلبنان. هل يكون قادرا على السير قدما في معالجة ملف النفط وحده انطلاقا من المصلحة الوطنية العليا؟