كيف تجري رياح «الإعلام القطري الجديد»؟
باريس – بسآم الطيارة
لا إقفال لموقع «المدن» ولا «جديد» في أفق الصحافة اللندنية، ولكن أيضاً لا أسرار يخبئها الغموض الذي يدور حول «ما يبغي» عزمي بشارة من الصرح الإعلامي الذي تدور الألسن حوله. هذا الغموض سببه الأول والأخير هو أن رياح السياسة القطرية باتت تتوجه بغير ما يشتيهه كل من ركب سفن المغامرة الإعلامية القطرية. هذا هو السبب الذي رمى بستار الأسرار على المشروع الإعلامي القطري الذي «بدأ قبل انقلاب القصر».
مصدر مقرب من هذه المغامرة يقول «بكل صراحة» لا إقفال لموقع «المدن» رغم الإحباط الذي لاقاه لدى الدوحة ضعف الإداء والصيغة البدائية للموقع. ويتابع المصدر أن الموقع الذي أسسه الزميل ساطع نورالدين لعب دوراً بجلب عدد لا بأس به من الزملاء الصحافيين وشكّل محطة لهم قبل انتقال هؤلاء إلى الإعلام الورقي الجديد المنتظر. وحيث أن عدداً لا بأس به من الزملاء الذين التحقوا بـ«المدن» جاؤا من آفاق صحفية تعتبر «مخاصمة لتوجهات قطر عند إطلاق الموقع» خصوصاً من «السفير» و«الأخبار» فقد اعتبر القيمون في الدوحة أن الموقع أدى دوراً يعوض المبالغ التي خصصت له. إذا يقول المصدر لا إقفال لـ«المدن» ولكن لا تكثيف للدعم المالي للمشروع الرقمي بانتظار «التحسينات التي وعد بها ساطع نور الدين» خصوصاً الابتعاد عن الخطأ المميت أي «الحيرة» بين موقع إخباري رقمي كأنه وجه لصحيفة ورقية ولكن يجدد باستمرار وموقع رأي «تضيع الآراء في خضم أخباره».
أما «جديد» الصحيفة؟
يقول المصدر «لا صحيفة جديدة» كل ما في الأمر هو «انطلاقة جديدة للقدس العربي اللندنية». ويتابع بأن العمل الآن في الدوحة هو لإعادة إطلاق «القدس بحلة جديدة» وبناء تصميم جديد لها تم تكلفة مهندس التصميم «إميل منعم» (الأخبار سابقاً) القيام به، وإعادة هيكلة الأقسام وهو ما تكفل به الزميل «حسام كنفاني» (الأخبار سابقاً أيضاً… ولفترة بسيطة في فترة إطلاق «برس نت») ليساعد رئيس التحرير المصري «وائل قنديل» (الشروق المصرية سابقاً). ويفيد المصدر بأن البنية التحريرية ستكون في بيروت والبنية الإدارية ستكون في الدوحة مع قسم تحريري لتغطية أخبار الخليج وإيران . أما لندن فسيكون فيها مكتب للمراسلين «بسبب الامتياز الانكليزي للصحيفة ولمنافسة الزميلتين السعوديتين» (الحياة والشرق الأوسط) مع كل ما يمكن أن تحصل عليه صحيفة من امتيازات تفتح للعاملين فيها الأبواب بصفتها «صحيفة أوروبية انكليزية» كما سيدير مكتب لندن عمل المراسلين عبر العالم (قسم كبير منهم كان مراسلاً للأخبار وبعضهم للسفير اللبنانيتين)، بينما سينقل العمل التحريري إلى بيروت. أما العاملون في القدس حالياً فإن قسماً منهم سيبقى وسيعرض على قسم آخر الاختيار بين بيروت و… ترك العمل ولعدد بسيط جداً قد يفتح أمامه خيار الدوحة. وتحدث المصدر عن إمكانية فتح مكتب في باريس قد تسلم إدارته لـ«مروان بشارة» شقيق عزمي بشارة والذي من الثابت أن يضم الزميل «صبحي حديدي» (الشؤون الثقافية بشكل خاص) ومن الممكن أن يشمل الزميل «بشير البكر» (الأخبار سابقاً).
تتفق الأوساط الصحفية في بيروت وفي أوروبا على أن «انطلاقة جديدة للقدس العربي» هي مفيدة جداً لبث بعض التنوع في جسم الصحافة العربية في الخارج بعد أن قادت «النجومية التلفزيونية» للزميل عبد الباري عطوان إلى التغطية على الصحيفة اللندنية عوض عن إعطائها قيمة إضافية، ما قاد لـ«تكلس» في مقاربتها للأحداث لولا بعض المقالات المتميزة خصوصاً الثقافية … واسمها الطنان الرنان في اللاوعي القومي العربي: القدس … والعربي. وتتفق أيضاً هذه الأوساط على أن «التكويعة القطرية الأولى» في المرحلة الثانية من «الربيع العربي» جعلت صوت الصحيفة اللندينة، التي كانت مدعومة من قطر، غير مسموع إذ ضاعت القدس العربي «بين تأييد للثورات والحديث عن المؤامرات» بينما بدت سياسة الدوحة ملتصقة بالصحيفتين المنافستين اللندنيتين في سياسة تحاكي السياسة السعودية. حصل مع «القدس العربي» تماماً ما حصل مع «قناة الجزيرة» فقد أدى خلط أوراق الربيع العربي إلى جعل صوت هذه الشق الصحافي غير مسموع.
وقد حاولت الديبلوماسية القطرية أن «تعكس الاتجاه» وأن تتجاوز المملكة الوهابية في عدد من المسارات خصوصاً في مصر وسوريا، لا بل تحدث البعض عن محاولات للتدخل في الشأن السعودي مباشرة. من هنا «نبتت» فكرة «إعادة تدوير القدس العربي بإدارة مباشرة» تحمل صفات «الأصيل بدل الوكيل». هكذا خرج عبد الباري عطوان وفي جيبه شيكاً كبيراً وبدأ العمل على تشكيل فريق العمل الجديد.
كان هذا «قبل الانقلاب».
لا يخفى على أحد أن إن وصول الأمير تميم إلى كرسي الحكم قد أدخل تغيرات جذرية على مقاربة الملفات العربية إن شكلاً أو مضموناً. ومن المعروف أيضاً أن هذه الملفات تشكل قاعدة الصحافة العربية وهدفها الأول. فالصحافة اللندنية، رغم قربها من الفنون والفنانين على أشكالها، همها الأول هو الملفات العربية وليس «ليدي غاغا» وصرعاتها. ومعدوم البصيرة من لا يرى أن وصول الأمير تميم قد أثر بشكل مباشر على سياستها المعلنة وممارسات ديبلوماسيتها وهو ما تسميه بعض الوسائل الإعلامية الغربية «حكمة الأمير الشاب تميم» .
أسئلة كثيرة تنبثق من هذا التغيير هو كيف سيكون التأثير على «الإعلام القطري»؟ الأمير تميم معروف بصلابة مواقفه إلى جانب ابتعاده عن استجلاب الأضواء على الإمارة الغازية كما كان يفعل رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم. مواقف الأمير تميم وشخصيته توائم «أقطاب قطريين» باتوا في نهاية العهد السابق يتخوفون من انعكاسات سياسة «مناطحة الكبار» التي كانت تستفز مجالس إدارة العديد من التكتلات التجارية والصناعية التي تستثمر بها الدوحة.
الانقلاب جاء لطمأنة شريحة واسعة من القطريين. فكيف سيكون التعامل مع «المناطحة الإعلامية» التي استعد لها عزمي بشارة في عهد المناطحات؟