“مجهولة جبران..حب ورسائل خليل جبران وجرترود باري”
جورج جحا (رويترز)
نشر الباحث اللبناني سليم مجاعص في كتاب جديد عددا من رسائل الحب التي بعث بها جبران خليل جبران الى “مجهولة جبران” الامريكية الايرلندية الاصل جرترود باري.
الباحث في كتابه “مجهولة جبران..حب ورسائل خليل جبران وجرترود باري” توصل الى استنتاجات ووقائع. ومن الاستنتاجات ان جبران في رسائله هذه تعمد جعل جرترود تشعر بالذنب تجاهه وانه ايضا لم يعلن رسائلها اليه لنفهم تماما وجهات نظرها في امور عديدة كما انه حجب معظم رسائل حبيباته اليه.
وخليل جبران هو الاسم الذي عرف به جبران خليل جبران بالانكليزية في امريكا. واحتوى الكتاب علي بضع صور لجرترود باري وعلى صور عن الرسائل التي كتبها اليها جبران باللغة الانجليزية. وكذلك حمل الكتاب نصوصا بالعربية لرسائل بعثت بها جرترود باري الى الاديب اللبناني الذي كان مقيما في القاهرة سليم سركيس والتي ترجمها الى العربية ونشرها في مجلة سركيس التي كان يصدرها.
الرسائل التي نشرت في كتاب سليم مجاعص تلقي كما قال هذا الباحث ضوءا على علاقة باري بجبران وتشير الى نوع من الحب يبدو ان سليم سركيس نفسه كان يكنه لها.
ورد الكتاب في نحو 205 صفحات كبيرة القطع بينها نحو 35 صفحة حملت صور الرسائل التي بعث بها جبران بخطه اليها ثم هذه الرسائل مطبوعة طباعة. وصدر الكتاب عن دار كتب للنشر في بيروت.
قال سليم مجاعص في مقدمة الكتاب “إذا نظرنا في خصال ومزايا النسوة اللواتي أحبهن جيران او اللواتي عشقنه وجدنا بينهن الشاعرة جوزفين بيبودي والمفكرة المربية ماري هاسكل والكاتبة شارلوت تلر والمربية المدرسة ميشلين. جميعهن في نطاق الادب بشكل او بآخر وجلهن معروفات في سيره العامة المتوفرة. وهناك الى جانبهن موسيقية واحدة تفترق عنهن بفنها كما تفترق عنهن بقلة ما يعرف عنها وهي موقعة البيانو جرترود باري.
“لقد كتب القليل عن دور جرترود باري في حياة خليل جبران العاطفية رغم ان المرحلة العشقية من علاقتهما امتدت على ما يوازي السنتين ومرحلة الصداقة الشعورية استمرت لاكثر من عقد من السنين.
“والاشارة العلنية الوحيدة الى هذه العلاقة في حياة جبران كانت في نص رسالة من جرترود باري الى سليم سركيس نشرها مترجمة هذا الاخير في مجلة سركيس الصادرة في مصر. كما ان حيثيات هذه العلاقة كانت معروفة لسركيس ولأسعد رستم مجاعص الذي قابل جرترود بطلب من سركيس.”
اضاف يقول ان الاشارة العابرة في مجلة قديمة لم تكن كافية لتنبيه كتّاب سيرة جبران الى هذه العلاقة حتى ظهور ملحق ادرجه (نسيب لجبران خليل جبران واسمه مثل اسم الاخير) خليل جبران وزوجته جين في الطبعة الثانية من كتابهما حول سيرة جبران الصادر سنة 1978 ويتحدثان في ذلك الملحق عن ظروف اطلاعهما على حيثيات تلك العلاقة بعد صدور الطبعة الاولى من كتابهما واتصال قريبة لجرترود باري بهما وعرضها عليهما مجموعة رسائل جبران لباري التي تفوق الخمسين لكنهما اعرضا عن التفصيل او التحليل رغم اعتبارهما ان رسائل جبران الى جرترود باري هي من اكثر رسائله تعبيرا ووضوحا عن عواطفه الحميمة.”
اضاف يقول في مكان اخر ان هذه الفتاة الموسيقية الشابة بقيت بالنسبة الى من تناول سيرة جبران كأنها “ليست سوى محطة جنسية على طريق” حياته. اما وقد “أصبحت رسائل جبران الى باري متوفرة عبر ملف جبران في محفوظات متحف “سميّا” في المكسيك فقد حان الاوان والفرصة لتقديم عرض شامل ومفصل لحيثيات هذه العلاقة وتوضيح صورتها وماهيتها وتاريخها لاول مرة.”
وزاد على ذلك قوله “وهناك امر اضافي لا بد من الاضاءة عليه وهو دور سليم سركيس في هذه العلاقة فقد ألمح الجبرانان الى دوره باختصار شديد لكن عودة الى اعداد مجلة سركيس سمحت لنا بالحصول على عدد لا يستهان به من رسائل جرترود الى سركيس مترجمة بقلمه الى العربية… وهذه الناحية الفريدة لبحثنا هامة جدا لانها تسمح لنا بسماع صوت جرترود لان الوثائق في محفوظات متحف سميا في المكسيك خالية من اي نص بقلم جرترود وتقتصر على صوت جبران في رسائله إليها وصوت سركيس ثم لاحقا صوت ابنه في رسائلهما اليها لكنها خالية من صوت جرترود.
“اما ترجمات رسائلها على صفحات مجلة سركيس وهي توازي الثماني عشرة عدا فانها تسمح لنا بتدبر موقفها بقلمها وليس عبر انعكاساته في اقوال ومواقف الاخرين… ورغم ان هذه الرسائل لا تتناول علاقتها مع جبران الا جانبيا الا انها تفيدنا في تفهم جوانب هامة من نفسية هذه المرأة.”
وقال “لقد كان فقدان صوت المرأة في مراسلات جبران من العوامل المانعة لتدبر تفاصيل علاقاته بكل ابعادها وتشابكاتها (ما عدا بالطبع صوت ماري هاسكل لتوفر رسائلها الى جبران ومدوناتها) وهذا امر من المشاكل التي واجهتنا في عملنا على علاقة جبران بجوزفين بيبودي اذ لم نتمكن من التحقق الا من عدد قليل جدا من رسائلها الى جبران.
“فاذا تدبرنا رسائل جبران الى جرترود ورسائل سركيس اليها ورسائلها الى هذا الاخير كانت بين ايدينا مادة وثائقية هامة تسمح بتحديد ملامح علاقة جبران بباري وظروف نشوء هذه العلاقة ومراحل تطورها وتحولاتها كما تمكننا من النفوذ قليلا الى شخصية هذه المرأة التي عشقها جبران كما يصرح وعشقها سركيس كما نستنتج وأعجب بها شبلي الشميل وغيرهم في مصر كما يخبرنا سركيس.”
وفي فصل حمل عنوان (جرترود باري وجبران) قال سليم مجاعص ان المرجح حسب رسالة لسركيس ان يكون جبران قد قابل باري لاول مرة حوالى سنة 1905. واول رسالة بعث بها جبران اليها كانت سنة 1906.
كان جبران يكتب جوابا عاطفيا كلما تسلم باقة زهور من جرترود وبعد تسلمه باقة بمناسبة عيد ميلاده كتب اليها في يناير كانون الثاني 1908 يقول “انت جرترود حبيبتي مثل الاميرة في الحكاية الفارسية القديمة تأخذين شكل زهرة جميلة وتأتين لملء فراغ هذه الغرفة بالعطور والارواح الموشومة. وهل يكون قبري محظوظا مثل غرفتي.”
وقال ان جرترود كانت تسعى الى “سعف جبران عاطفيا” لكن جبران “وهو ابدا الكتوم حول دواخل نفسه يرفض ان يفتح قلبه لحبيبته متذرعا بحمايتها من الحزن! وهذا موقف غريب الغرض منه ليس فقط رفض المصارحة بل تحويل السبب الى اداة لاثارة شعور بالذنب لدى الحبيبة بتعظيم صورة الاسى.. وقد يكون هذه الكلام رغم جماله الادبي قبيحا من الناحية المعنوية” فهو يقول ايضا في رسالة عام 1907 “لا جرترود حبيبتي لا ترغبي في رؤية نفسي عارية: سوف يحزنك المشهد وسوف يجعلك تبكين بمرارة وسوف يجعل الحياة اقل جمالا في عينيك.”
ويتساءل الكاتب عن “مبررات هذا الجدار الذي يقيمه جبران بين مكنونات ذاته وبين حبيبته هل هو جدار مصطنع الغرض من تعظيم صورة الاسى الذي ييعانيه” ام هو ردة فعل على خيبات سابقة في الحب؟