زيارة هولاند لإسرائيل وفلسطين: «توازن» بين محتلٍ وقابع تحت الاحتلال
ألان غريش
يستعد فرنسوا هولاند للقيام في القدس بتمرين جديد للعبة التوازنات. هذا هو عنوان مقالة كتبها «بنجمان بارت» و«دافيد ريفو دالون» في صحيفة «لوموند» عشية سفر الرئيس الفرنسي إلى إسرائيل وفلسطين (ما بين ١٧ و١٩). من الصعب أن نجد جملة تختصر السياسة الفرنسية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن وجب القول إن فرنسا تتبع سياسة توازن بين قوة محتلة وشعب واقع تحت الاحتلال، وهذا ما لا يقال في المقالة المذكورة. هذا هو مختصر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني رغم كل المحاولات التي تسعى لإقناعنا بأننا نتابع مفاوضات عادلة بين «شريكين متعادلين» (اقرأ «مسار سلم ضروري لـ…إسرائيل»).
وهكذا كتب الصحافيان «خلال هذه الرحلة سيمكن لهولاند، المهووس بالتوازن السياسي، رفع شراع التوازن … وقد نبهت مصادر الإليزيه إلى أنه /لن تكون الزيارة مناسبة لقلب رأس على عقب سياستنا. إن الرسالة الت ي تحملها الزيارة هي ديمومة مواقفنا. فلا تنتظروا مفاجآت/ هكذا شرح أحد المقربين من هولاند، وشدد على أنه من العبث محاولة التحزر /هل هولاند هو مع إسرائيل أو مع الفلسطينيين/». هل يمكن تصور ولو لحظة واحدة رئيس جمهورية فرنسا يؤكد بأن موقف فرنسا هو متوازن بين حكومة جنوب أفريقيا والمؤتمر الوطني الأفريقي إبان عهد نظام الاباتريد؟ (رغم أن اليمين الفرنسي ساند نظام لفصل العنصري في مرحلة ما).
اقرأ «عندما تنبطح باريس…» في شهرية «لوموند ديبلوماتيك» لهذا الشهر (ت٢/نوفمبر ٢٠١٣). ويبدو أن مسألة التوازن دقيقة لدرجة أنها طالت تركيب الوفد المرافق للرئيس فإى جانب ستة وزراء يوجد عدد متعادل من الشخصيات المؤيدة لكلا الطرفين. ويسر أحد الوزراء بأن «المسألة دقيقة جداً علينا أن نزن الأمور بدقة متناهية. فكل من كلا الطرفين يعتبر أن فرنسا صديقته، هذا هو سبب دقة المسألة وليس لأن مواقفنا ملتبسة».
جميل هذا الكلام. ولكن من حقنا أن نسأل لماذا؟
إن فرنسا تتبنى حل الدولتين ولكنها في نفس الوقت تقبل بمسألة الاستيطان (الاستعمار) وهي إن نددت به فتفعل ذلك بصوت خافت جداً، من دون أن تتوقف عن التعاون مع إسرائيل وكأن الاحتلال (الاستعمار) لم يكن موجوداً. ناهيك عن أنها أعادت إحدى ديبلوماسييها إلى باريس لأنها ساعدن فلسطينيين تم تدمير منازلهم (انقر هنا).
ونقل الصحافيان قول أحد مساعدي هولاند «عندما يلتقي الرئيس مع نتانياهو سوف يعيد تأكيد موقف فرنسا المعترض على الاستيطان وسوف يشدد على ضرورة التفاوض بجدية».
ولكن أليس هذا ما تنادي به باريس منذ سنوات من دون جدوى؟ ولكذا هذه المرة ستتغير النتائج، طالما أن باريس ترفض اتخاذ اجراءات جدية لمعاقبة الاستيطان وخرق اسرائيل الدائم للقانون الدولي؟
وتابع مساعد الرئيس حسب ما كتب الصحافيان «خلال لقاءه مع عباس سيوكد له بأن باريس متمسكة بمعطيات حل الصراع المتفق عليها بشكل عام ضمن الاتحاد الأوروبي – أي دولتان لشعبين على أساس حدود ١٩٦٧ مع تبادل للأراضي وحل عادل لمسألة اللاجئين – مع التشديد على ضرورة متابعة المفاوضات التي بدأت في تموز/يوليو الماضي. أي بمعنى أخر متابعة التفاوض رغم الاستيطان.
وأنهى الصحافيان المقالة بالتذكير بأن جون كيري خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة «حذر الدولة العبرية من انتفاضة جديدة وعزلة لها علي الساحة الدولية».
ولكن هذه النبرة البعيدة جداً عن التقاليد الديبلوماسية لم تبهر هولاند، ويفسر أحد المقربين منه «إن منطقنا مخالف لمنطق كيري، فهذه زيارة دولة وقد تكون الزيارة الوحيدة خلال العهدو لذا لن نخرب المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، نريد أن نؤثر بشكل إيجابي على المسار».
إنها لمفارقة مثلما يحصل في الملف الإيراني: فرنسا تجد نفسها على يمين الولايات المتحدة
إذا أردنا الحديث عن «الإيجابية»؟ فإن عذاب الفلسطينيين مستمر وسط لامبالاة عامة. عدد كبير من فلسطينيي سوريا هرب من القتال، وهي هجرة تذكر بهجرة فلسطيني الكويت الذين طردوا من الإمارة النفطية عام ١٩٩١، إلى جانب إلى جانب مأساة ملايين المشردين. يدوم حصار غزة وسط لامبالاة أيضاً – فقط صحيفة الفيغارو نقلت هذه الوقائع- لا طاقة ولا كهرباء ويعيش السكان في الظلمة بسبب توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل (اقرأ غزة في الظلام). الستيطان مستمر في الضفة الغربية من دون هوادة، حتى أن إعلان الحكومة الإسرائيلية إلغاء مشروع بناء آلاف الوحدات السكنية، لا يغير من الوضع شيئاً فالعديد من المشاريع على قدم وساق. في الضفة والقدس الشرقية ٥٥٠ ألف مستوطن: من يعتقد جاداً بأن الحكومة الإسرائيلية يمكنها أن تخرج ثلث هؤلاء وتعيدهم إلى الداخل الإسرائيلي. مع ذك فإن باريس والاتحاد الأوروبي مارسا ضغوطاً على منظمة التحرير للعودة إلى طاولة المفاوضات… من دون المطالبة بوقف الاستيطان.
إن «إفلاس الاتحاد الأوروبي في فلسطين» التي أشار إليها الموضوع المنشور في «لوموند ديبلوماتيك» تم التطرق إليه في كتابين حديثين لخصهما «ألكسي فاراند» في موقع «OrientXXI».
في زمن سابق كان لفرنسا وللاتحاد الأوروبي دوراً. كانا يستطيعان التأثير على مجريات الأمور. هما الذان فرضا منظمة التحرير كممثل شرعي للفلسطينيين. وفرضا الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين (اقرأ «البندقية بعد ثلاثين سنة…»). ولكن منذ اتفاقات أوسلو بات الاتحاد الأوروبي مجروراً ومربوطاً وراء مواقف الولايات المتحدة. والأنكى من ذلك أن الاتحاد الأوروبي جعل من إسرائيل شبه عضو في الاتحاد وقدم له تسهيلات جمة (راجع «الاتحاد الأوروبي يستسلم أمام إسرائيل».
إذا المفاوضات مستمرة بين طرفين غير متعادلي القوة، بين قوة محتلة وطرف تحت الاحتلال. من يعتقد ولو لوهلة بسيطة بأن الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في التاريخ، ستقبل بالقيام بتنازلات من دون ضغوط دولية ملموسة ومن دون عقوبات. إنه شرف لفرنسا أن تشير لذلك وأن تتصرف بهذا الاتجاه.
Alain Gresh