المشهد اللبناني تحت مجهر …القتال في طرابلس
تجددت الاشتباكات بين ميليشيات لبنانية مؤيدة ومعارضة للرئيس السوري بشار الأسد أمس الثلاثاء في مدينة طرابلس بشمال لبنان واعتقل الجيش 21 مقاتلا بموجب تفويض مدته ستة أشهر لإنهاء إراقة الدماء في المدينة.
وأودى الصراع بين منطقة باب التبانة التي تسكنها أغلبية سنية ومنطقة جبل محسن المتاخمة التي تسكنها الأقلية العلوية في طرابلس بحياة أكثر من 100 شخص هذا العام. لكن سكانا ومقاتلين وسياسيين محليين أبلغوا رويترز يوم الثلاثاء أن من المستبعد انتهاء الصراع قريبا رغم جهود الجيش.
ويشتعل الصراع ويخبو بين المنطقتين منذ الثمانينات لكن الحرب الأهلية في سوريا المستمرة منذ عامين ونصف بين الأسد الذي ينتمي للأقلية العلوية وبين المعارضة التي أغلبها من السنة نكأت جراحا قديمة على الجانبين في طرابلس وزادت وتيرة وشدة القتال.
وقال مقاتل من منطقة باب التبانة “يستخدمون (العلويون) قذائف مورتر كبيرة الآن.” وعرض صورا له على هاتفه المحمول وهو يحمل بندقية وتظهر خلفه شعارات إسلامية سنية.
ورفض المقاتل البالغ من العمر 19 عاما الكشف عن اسمه وكان يحتمي من المطر في مسجد التقوي وهو أحد مركزين إسلاميين للسنة تعرضا للتفجير في أغسطس آب وهو ما أدى إلى مقتل 42 شخصا وزاد المقاتلين السنة غضبا.
ونظم أقارب ضحايا الهجوم بسيارة ملغومة احتجاجا في مطلع الأسبوع في ميدان في طرابلس داعين إلى اعتقال زعماء سياسيين علويين بارزين وقطع امدادات الكهرباء والمياه عن جبل محسن.
وبدأت الاشتباكات الأحدث بعد هجمات متكررة على أهداف علوية الأسبوع الماضي أصيب فيها عدة أشخاص. وقتل عشرة أشخاص في مطلع الأسبوع. ولم يقدم الجيش تفاصيل عن 21 مقاتلا من الميليشيات اعتقلهم جنوده.
ولم يتسن لمندوب وكالة رويترز الحديث مع مقاتلين وسكان في جبل محسن لأن نيران القناصة من الجانبن قطعت الطرق المؤدية إليها.
وأدى القتال إلى تفاقم محنة السكان المحليين. وتعاني طرابلس التي تبعد 70 كيلومترا شمالي العاصمة بيروت وكانت مركزا صناعيا في السابق من الفقر والبطالة حاليا
من جهته طالب الرئيس سعد الحريري، اليوم، بالعمل على جعل طرابلس مدينة منزوعة السلاح، وإنهاء كل الحالات “الشاذة” التي تعاني منها.
ورأى الحريري، في بيان، أن كافة الأطراف في لبنان “يتحملون مسؤولية التصدي للمخاطر التي تواجه لبنان، ومعالجتها بمختلف الوسائل التي تجنب اللبنانيين المزيد من الخسائر، ووقف المسلسل الدموي الذي يستهدف الأبرياء، لا سيما في طرابلس”، معتبراً أن “أولياء النظام السوري في لبنان لا يريدون لها أن ترتاح أو أن تضع حداً لحال الاحتقان والفوضى التي تستشري فيها مع كل جولة قتالية”.
وشدد على أن طرابلس “لن تيأس عن تكرار المطالبة بالدولة ومؤسساتها الشرعية، كإطار وحيد لبت الخلافات وإرساء قواعد العدالة والأمن وتوفير مقومات الحياة المشتركة للجميع”، مؤكداً أن “القوى الحية في المدينة ستقف بالمرصاد في وجه محاولات التهرب من العدالة والتغطية على الجرائم وعمليات التفجير التي استهدفتها، وهي لن تسمح بأي مقايضة في هذا الشأن وستتمسك بحقوق أهل الضحايا ومحاكمة المسؤولين عن التفجيرات الإرهابية وسائر الجرائم التي تعرضت لها المدينة”.
ولفت الانتباه إلى أن “طرابلس هي لأهلها أولاً وأخيراً من كل الطوائف والاتجاهات، وليست صندوق بريد للصراعات غير المحسوبة أو ساحة للتصفيات السياسية والتطلعات الإقليمية، وهي لن تكون تحت أي ظرف من الظروف وكراً من أوكار النظام السوري وأوليائه في لبنان”.
من جهة أخرى، اعتبر الحريري أن “كل ما تشهده الساحة السورية من مظاهر القتل والإجرام هو من صناعة وتدبير النظام، الذي نجح في فتح أبواب سوريا امام الفلتان والفوضى، وشرع الحدود من كل الاتجاهات لقوى التطرف والإرهاب، وأصدر امر العمليات الحقيقي بدخول تنظيم القاعدة”، مضيفاً أن “النظام يشعر بنشوة تقسيم الثورة السورية والإفساح في المجال لعودة جبهة النصرة أو داعش إلى بلدة معلولا، التي تقع الآن تحت وطأة مجموعات مسلحة لا تقيم وزناً لمفاهيم الثورة وقيمها وأهدافها”.
وشدد على أن “الأنباء التي جرى الإعلان عنها من الفاتيكان، وما تتناقله وسائل الإعلام عن الأوضاع في معلولا، هي أنباء يجب أن يندى لها جبين كل سوري يكافح في سبيل الحرية والكرامة الإنسانية”، مؤكداً أن “الاعتداء على المواطنين واحتجاز الرهبان والراهبات، هي أفعال مشينة ومرفوضة، ويجب أن تكون محل استنكار كل السوريين الشرفاء، وكل من يعنيهم الانتقال بسوريا نحو نظام مدني ديموقراطي يحمي حقوق الجميع بحرية المعتقد والتعبير”.
وطالب “القيادات والشخصيات السورية في الداخل والخارج العمل على إطلاق الراهبات وتأمين سلامتهن، ورفع الصوت ضد ما تتعرض له معلولا، التي تقوم المجموعات المسلحة المتواجدة فيها الآن بتقديم أغلى هدية (للرئيس السوري بشار) الأسد، وتوجه في الوقت ذاته طعنة قوية إلى الثورة وشهدائها وأهدافها النبيلة”.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قد أكد وضع كل الأجهزة الأمنية تحت تصرف الجيش لفرض الأمن في طرابلس.
وأوضح ميقاتي، خلال مؤتمر صحافي عقده قبل انعقاد اجتماع وزراء طرابلس في دارته في المدينة، أن فرض الأمن “لا يكون مع فريق ضد آخر”.
وشدد على أن “كل من يتطاول على القوى الأمنية لا يمكن لأحد أن يغطيه”.
وأشار إلى أن “القرار في يد الجيش والتوقيت له للقيام بكل الإجراءات الضرورية اللازمة”، مؤكداً أن للجيش “كل الغطاء السياسي، ومن دون استثناء”. وأضاف أنه “لا يوجد غطاء على أي مخل بالأمن ولا يجب أن نرى بعين واحدة”.
وقال: “لست بوارد الاعتكاف وأتعامل دائماً بإيجابية، ويجب أن نقوم بمسؤوليتنا كاملة، ولو كان الاعتكاف يفيد طرابلس لكنت أول من اعتكف”.
وأضاف: “حتماً لن تتحول طرابلس إلى وكر من أوكار النظام السوري، طرابلس لأهلها، وهناك حالة معينة موجودة تقوم بخروقات أمنية ونحاول وضع حد لها”، موضحاً أن “الأمن هو مطلب أهل طرابلس”.
في المقابل اعتبر تكتل “التغيير والإصلاح”، اليوم، أن الحكومة تقاعست عن القيام بأقل واجباتها تجاه الاستقرار الأمني في طرابلس، وبعد 18 جولة من المعارك، مشيراً إلى أنه بعدما تحولت طرابلس إلى مدينة “خارجة عن الدولة”، يأتي هذا القرار بوضع القوى الأمنية تحت إمرة الجيش لفرض الأمن هناك.
وأعرب النائب ألان عون، في مؤتمر صحافي عقب انتهاء اجتماع التكتل الأسبوع، عن أمل التكتل في أن “لا يكون هذا القرار منقوصاً ومتأخراً، لأنه لا يجوز أن تذهب دماء الأبرياء سداً”.
وتعليقاً على أحداث معلولا، أشار إلى أن التكتل تلقى “اتصالات كنسية وضعته في أجواء ما حصل من خطف”، مذكراً بأن “ما يحصل نموذج مما حذر منه التكتل”. وتساءل “إذا راهبة بكل ما تحمل من سلام ومحبة وفكر لم يقدر على تحملها، فكيف سيحمل فكر مختلف عنه سياسياً؟”.
وأضاف: “هذا برسم كل من يشكك بأن ما يحصل يشكل خطراً ليس فقط على وجودنا، بل على مستقبلنا، وكل ما نؤمن به”، داعياً إلى إطلاق سراح الراهبات المختطفات، و”استنهاض كل الإمكانيات والعلاقات الدولية للإفراج عنهن”.
وكانت قيادة الجيش أفادت في بيان صادر عن مديرية التوجيه، بأنه “بنتيجة التدابير الأمنية التي اتخذتها وحدات الجيش في مدينة طرابلس، تم توقيف 21 شخصاً في منطقتي باب التبانة وجبل محسن لارتكابهم جرائم مختلفة منها المشاركة في إطلاق النار”.
وأوضحت أن مديرية المخابرات أحالت “ثمانية منهم إلى النيابة العامة العسكرية وهم (د.ض)، (ح.ي)، (م.و)، (م.ش)، (م.ي)، (ع.ز)، (ع.ل) و(ف.ج). وأضافت “تستمر التحقيقات مع الموقوفين الآخرين، بينما تتابع وحدات الجيش إجراءاتها الأمنية في المدينة لفرض الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته”.