نقطة على السطر
بسّام الطيارة
«… في عدد من مستوطنات الضفة الغربية الأخرى التي تعتزم إسرائيل الاحتفاظ بها في أي اتفاق سلام في المستقبل…» هي جملة تمر مرور الكرام في كل مرة تعلن إسرائيل عن بناء وحدات سكنية في فلسطين. جملة يبتلعها المفاوض الفلسطيني وكأن لا أهمية لها، رغم أنها تعطي مؤشراً لما يريده الإسرائيليون … قبل بدء المفاوضات.
قبل بدء المفاوضات تحدد إسرائيل حدودها بشكل أحادي، والمفاوضون …يبتلعون. تحدد ما تريده على الأرض فيما هي تصرخ وتولول مطالبة المفاوض الفلسطيني بعدم وضع «شروط مسبقة». وهذا الأخير يبتلع الأمر بسهولة ويدخل غرف التفاوض.
يضحك الجميع على المفاوض الفلسطيني: في أي صالون، ضمن أي شلة أصدقاء، في وسط أي حلقة ما أن تشير إلى مسألة المفاوضات الفلسطينية حتى تعلو ابتسامة خجولة على ثُغر الحضور الأجانب وتتيه عيون الحضور العرب في فراغ. بالطبع فالمفاوضات تدوم منذ أوسلو ١٩٩٣ أي منذ ٢١ عاماً حين كان عدد المستوطنات لا يتجاوز الـ ١٠٠ ألف وبات اليوم يزيد عن ٦٠٠ ألف !
والمفاوض الفلسطيني يختال بجدية شديدة حين يتوجه إلى فندق فخم لـ«يتابع» التفاوض…
مشكلة المفاوض الفلسطيني هو غياب ديموقراطية السلطة وبالتالي غياب أي انعكاس لفشل التفاوض على «مستقبل» الفريق المفاوض.
في نظام ديموقراطي في حال لم يتم «إشباع رغبات» أكثرية المواطنين …يخرج الفريق المفاوض مع الفريق السياسي الذي انتدبه، ليحل فريق آخر محله. في فلسطين يبدو وكأن إطالة المفاوضات تعمل على إطالة مهمة الفاشلين في التفاوض. وإلا كيف تفسر أن لا أحد يحاسب المفاوضين على سماعهم (منذ ٢١ عاماً) جملة «… التي تعتزم إسرائيل الاحتفاظ بها في أي اتفاق سلام في المستقبل…» دون أن ينتفضوا ويقلبوا الطاولة على رأس المفاوض الإسرائيلي والوسيط «غير النزيه» الأميركي.
كيف يمكن تفسير أن لا ينتفض المفاوض الفلسطيني عندما «يقرأ في الصحف» عن القبض على عدد من الشبان وذلك قبل أيام من الإفراج عن ٢٤ أسيراً قضوا سنين في سجون الاحتلال كثمن لتكملة التفاوض (أي تكملة بناء مستوطنات جديدة). ألا يفهم أن ذلك هو «تجديد لستوك الأسرى»؟ أسرى سيتم تبادلهم بعد عشر سنوات … في تكملة لمفاوضات لا نهاية لها يرافقها قضم متواصل للأراضي وبناء لمستوطنات في تلك الأراضي التي ستحتفظ بها إسرائيل في أي اتفاق سلام في مستقبل.
إسرائيل تسجن فلسطينيين شباناً لسنوات وسنوات وتفرج عنهم كهلة بعد أن تسجن آخرين في عملية تجديد متواصلة للأسرى لتفاوض على الإفراج عنهم على دفعات مقابل إطالة أمد المفاوضات لتكسب الأرض. والمفاوض الفلسطيني يفاوض لإخراج الأسرى بينما إسرائيل تبني على هذه الأرض وهو يتابع التفاوض.
هيا بنا نحسب عدد الذين يزجون في السجن بين تاريخ «الوعد بالإفراج عن عدد من الأسرى» وبين تاريخ الإفراج: سنجد أن «ستوك» إسرائيل من الأسرى ما زال ثابتا لا يتغير ولا تناقص في أعداد الأسرى.
ولكن نجد أيضاً «الديبلوماسيين الفلسطينيين» الذين «يشرحون» لنا ولمحدثيهم أن «السلطة تأخذ وتطالب». ولكن هذه السلطة وديبلوماسييها لا ينتبهون إلى أنهم يأخذون ما تريد إسرائيل إعطاءهم بشكل «لعبة لهو» فيما تحتفظ بعدد ثابت من الأسرى وتبني على الأرض كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة… فيما هم يشرحون ويحللون… ويتفاوضون… ويحكمون من دون رقيب.