ديمقراطية للبيع
صعلوكيات
روبير بشعلاني
لقد ثبت اليوم أن ما يجري في سوريا ثورة لا حرباً على العرب. وأن ما جرى في السودان انتقال ديمقراطي من ثمار الطبيعة. وأن تدمير العراق إسقاط للطاغية.
وأن ما يجري في لبنان مجرد عبور الى الدولة ضد طرف لبناني “غير لبناني” لم يقتنع بأهمية العبور الى الدولة الحديثة التي تحمل معانيها العميقة قوى طائفية مرتبطة بالسعودية أم الشرائع العصرية. وهو عبور يستمر منذ آلاف السنين. لكنه اشتد مع مجيء الفرنسي والانكليزي الى لبنان في القرنين الثامن والتاسع عشر.
وأن ما جرى ويجري في مصر ربيع من أجل دستور جديد “يشبع كل جيعان” على حد أغنية الشيخ إمام رحمة الله على روحه. وأن سيناريو الإرهاب الذي بدأ يطل برأسه في مصر مؤخراً ليس من النوع ذاته الذي يضرب ليبيا والعراق حسب الخبراء الذين تسنى لهم معاينته عن قرب. فالإرهاب المصري مصري البذرة بينما الإرهاب الليبي ليبي والسوري سوري.
وأن ما جرى في ليبيا ثورة شعب ضد الطاغية. وان تدخل الناتو كان إنسانياً صرفاً ولا علاقة له بما يجري حاليا في أفريقيا. ساعد الشعب وانصرف إلى أعماله كالمعتاد. ثم أخذ الشعب الليبي الأمر بيديه الإثنتين وشرع في بناء ديمقراطية لا تستطيع إزاءها وإزاء سرعة تطبيقها الخلاّق إلا أن تقول سبحان الله.
وأن ما جرى في تونس ليس لتدمير نسيجها الاجتماعي وتفكيك دولتها ثم محيطها الجزائري والمغربي.
وأن ميشال سليمان وسطي ورئيس جمهورية لبنان لكنه نسي قليلا فقال عاش الجيش وعاش جلالة الملك وعاشت المملكة العربية السعودية.
وامارة نجد اطفائي يحاول بكل انسانية ان يواجه الامبريالية الروسية ( بالاذن من كيلة) ما استطاع .
وأن ما يجري من “ثورة” في كل بلد عربي ليس على علاقة ب”ثورة” ما يجري في البلد الآخر.
وان “القاعدة” نبتت من جديد بسبب النظام السوري المستبد الذي اطلق مائة الف سجين قاعدي في ليلة واحدة بهدف اقناع كيري أن الثورة إرهاب واقتنع كيري.
وأن حرب الجبل في لبنان القرن التاسع عشر بين طوائف ذلك الزمن كانت من خلق وتأليف وإخراج النظام البعثي المستبد في سوريا. الطوائف من إختصاص النظام السوري على فكرة.
لقد ثبت أن الطائفية سلاح يستعمله الحكام والدول الكبرى لكي يختلقون الذرائع التي تفرق وحدتنا المقدسة منذ ما قبل الجاهلية الى اليوم. فنحن شعب وامة ناجزتين لكن “منين بجيبولنا هالطائفية يا اخي ؟” كنا مثل الأخوة حتى جاؤونا بهذه الطائفية اللعينة.
لقد ثبت أن الخطر على العالم مصدره الدول الصاعدة التي تحاول ان تستقل عن الغرب الرأسمالي فلولاها لكان العالم اليوم بألف خير وعافية ينعم بالديمقراطية والحرية الأميركية . لكن لعن الله الشيطان.
لقد ثبت أن “الربيع العربي” لم يكن ابداً مشروعاً أميركيا يسلم التركي المنطقة عبر فلوس قطر وحكم الإخوان المسلمون. لا لا كان الربيع انتفاضة حرية ستأخذ عشرات العقود حتى تزهر وتعقد وتثمر.
لقد ثبت أن انتقال الربيع الى القيادة السعودية بواسطة بيدق القاعدة وأخواتها لم يكن إلا صدفة. لا علاقة لفشل الإخوان في الإمساك بالوضع. فالثورة كانت مضاءة والسعودية كانت تمر من هنا بالصدفة فوقعت على الضوء فدخلت.
لقد ثبت أن الفراغ الاستراتيجي العربي لم يشحذ أطماع الغرب بكل أفرعهه كما الجيران لتعبئته. لقد ثبت أن هزيمة جمال عبد الناصر ومشروعه لبناء دولة عربية موحدة مستقلة، نجحت على الأقل في توحيد القبائل العربية السمحاء بمواجهة الهيمنة الإستعمارية الحديثة والقديمة، لم يكونا في أساس التفكك العربي وانحلال اجتماعه ووجوده.
لقد ثبت بما لم يعد يقبل الشك أن مشكلتنا الرئيسة اليوم تنحصر في شكل الدولة لا في إيجادها أولا. فالعين تعشق الشكل قبل المحتوى احياناً. لقد ثبت أن الشعارات التي تستثمر في صراعات على السلطة- وأياً كانت- هي شعارات لا تقودنا الى الحروب الأهلية وتشظي وتفتت نسيجنا الإجتماعي.فلبنان والعراق واليمن وليبيا وسوريا ليست امثلة كافية بعدُ إطلاقاً.
لقد ثبت أن منظومة الهيمنة الرأسمالية الغربية لا تقوم على التجزئة والدكان والمخفر والناطور القرابي. الهيمنة مفهوم نظري تاريخي فقط. لقد ثبت أن الهيمنة، بعد أن تهيمن، لا يمكن التشكيك فيها ولا بنتائجها بل العمل على أساس نتائجها بصفتها معطى أبدياً وطبيعياً ولو دخلنا بمائة حائط وألف خيبة وفشل وسقوط. فبعد أن تبني مصنعا لإنتاج المعادن يمكنك بالإرادة الطيبة والعفو عن العلم تحويله لإنتاج الزجاج بنفس الآلات والتجهيزات.
لقد ثبت ان الديمقراطية شكل للحكم يمكن استعارته من الدول الرأسمالية المهيمنة على العالم لتطبيقه على عمران القبائل والطوائف بدون مشكلة. إنظروا حولكم النجاح الباهر لمثقفيكم البلهاء السعيدين. بعضهم بدأ يعبر عن فشله والبعض الآخر ينتظر.
لقد ثبت لدى البعض أن النقابة، وهي مقولة من البناء الفوقي، يمكنها ان تحلّ مكان الإجتماع البشري والطائفة، وهي مقولة إجتماعية مادية. كما ثبت لدى البعض الآخر ان الوعي دواء التغيير الإجتماعي. يكفي تعليم الناس لكي يدمروا اجتماعهم القرابي ويصيروا مواطنين. كأن حكام القرابات وزعاماتها ليسوا متعلمين.ولقد ثبت لدى البعض الثالث أن التغيير يتم بإقناع الطوائف بخطورة نظامهم الإجتماعي وعمره مئات السنين وضرره على العقلانية.
لقد ثبت أن أواليات الهيمنة ومرتكزاتها ليسست مشكلة العرب اليوم بل مشكلتهم هي في فتح حروب أهلية عربية-عربية تقودها السعودية او قطر من أجل الديمقراطية آخر طقة. فمن يملك المال يشتري ما يريد. أوليست الديمقراطية للبيع حالياً؟