استنفار الحكومة الفرنسية لقمع ديودونيه
تستعد السلطات الفرنسية لمنع الممثل الفرنسي الساخر ديودونيه مبالامبالا من الظهور على المسرح، «بأي وسيلة كانت» حسب قول وزير الداخلية. الممثل الفرنسي الساخر ديودونيه مبالامبالا، هو أولاً وأخيراً كوميدي بات تحت أضواء السياسة بسبب «المواضيع التي تتناولها أعماله». وحتى يمكن تلمس سبب هذا الهرج والمرج الذي يحيط بمسرحياته علينا أن نعود إلى مساره الفني والسياسي.
بدأ ديودونيه كأحد الناشطين في محاربة العنصرية تجاه الفرنسيين والمهاجرين من أصول أفريقية وعن حقوق الأفارقة، كونه نصف أفريقي. وقد خاض من أجل ذلك الانتخابات ضد »الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرف،
ثم انتقل للدفاع عن القضية الفلسطينية. وفي سياق الدفاع عن الفلسطينيين بدأ بالتنديد بدور مؤيدي إسرئيل في فرنسا وفي مقدمتهم اليهود.
ومع الوقت باتت تؤيد ديودونيه أكثرية ملونة في فرنسا بسبب تنديده بالعنصرية الفرنسية. وبسبب دفاعه عن الفلسطينيين بات شباب الضواحي يؤيده إلى جانب عدد كبير من المهاجرين والفرنسيين مسلمين وذوي الأصول العربية .
ولأنه يندد بدور اليهود ويسلط الأضواء على قوتهم في الإعلام وعالم المال حصل على دعم الجبهة الوطنية أي اليمين المتطرف الذي كان يحاربه في بداية مساره، وبات صديق لـ «جان ماري لوبين» الزعيم السابق للحزب ووالد رئيسة الحزب الحالية «مارين لوبن».
وعبر ١٥ سنة طور ديودونيه مسيرته «الفنية السياسية» تحت شعار محاربة «النظام العالمي» الواقع تحت سيطرة ما يسميه «القوى الصهيونية والأمريكية». وفي موازاة ذلك ظل ينفي أنه معادٍ للسامية، وبالمقابل يقول إنه مناهض للصهيونية، وإن موقفه من إسرائيل هو موقف سياسي.
رغم هذا فقد كانت اسكتشاته تتضمن نقداً لاذعاً لما يعتبره مزايا يحصل عليها اليهود في المجتمع وكان يستعملها منطلقاً لجذب المشاهدين إلى حلقة الضحك.
وبسبب مواضيع مسرحياته التي تلقى رواجاً كبيراً رفعت عليه سبع دعاوى هدفها إقفال مسرحه أو منعه من الصعود على خشبات المسرح في فرنسا بحجة «أن ينكر المحرقة أو يستهدف أشخاص في نقده الكوميدي بسبب ديانتها اليهودية» . إلا أن المحاكم الإدارية كانت دائماً ترد هذه الدعاوى متمسكة بحرية التعبير الذي يضمنها الدستور، وإن كانت تحكم عليه بدفع بعض الغرامات.
أما لماذا تغير الأمر اليوم فذلك يعود إلى آخر استطلاعات الرأي التي تقول إن «اليمين المتطرف سيأتي في طليعة الأحزاب في الانتخابات المقبلة».
وديودونيه بات مقرباً جداً من هذا الحزب وهو يتمتع بشعبية كبيرة في فرنسا ويتواصل باستمرار مع عشرات الآلاف من مؤيديه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وينشر على يوتيوب بشكل متواصل اسكتشات ويبلغ عدد مرات مشاهدة بعض مقاطعه مليونين أو أكثر، بينما الحزب الاشتراكي في وضع لا يحسد عليه ويتوقع المراقبون له تراجعاً إلى المرتبة الثالثة وراء حزب المعارضة اليمين الوسطي.
لهذا اندفع «مانويل فالس» وزير الداخلية ليؤجج حملة ضد ديودونيه الذي ينطلق بجولة داحخل فرنسا يبدأها الأربعاء في التاسع من الشهر الأول في هذه السنة. وبدأ حملته بالتنديد بـإشارة اليد الشهيرة «كوينيل» المثيرة للجدل، والتي يرى فيها البعض أنها سلام نازي موجه لليهود. فيما يقول ديودونيه إنها إشارة «ثورة موجهة ضد النظام» بشكل عام. وفي اواقع فهذه الإشارة هي سلام نازي بالمقلوب فعوض عن رفع الزراع الأيمن (مثل السلام الهتلري) يتم إنزال الزراع ووضع يد الزراع الأيسر عليها للإشارة إلى القانون الذي يمنع رفع السلام الهتلري.
لاقت هذه الإشارة صدى كبيراً لدى الشباب خصوصاً في الضواحي وحتي لاعب الكرة الفرنسي نيكولا انيلكا استخدمها للاحتفال بهدف له.
في الواقع إن ديودونيه يتبع في ذلك ما حصل في الولايات المتحدة مع «أمة الإسلام الأميركية» التي تندد بما تسميه «احتكار اليهود لفكرة للمعاناة والألم». وقد ركب اليمين الفرنسي هذه الموجة لأنها تجذب عدداً كبيراً من القوميين وأصحاب نظرية سيطرة رأس المال اليهودي.
كما أن متابعي ديودونيه من «شباب الضواحي» من أصول مهاجرة عربية أو من المهاجرين الجدد، لا يرون التناقض في تأييد اليمين المتطرف العنصري الموجه ضد المهاجرين العرب لديودونيه فقط يرون مسألة إلقاء اللوم على «اليهود» في كل ما يصيبهم من عطالة عن العمل ومن فشل في الحياة، من جهة ويزيد من حدتها الخلط بين الجالية اليهودية وسياسة إسرائيل في فلسطين.
وبالطبع فإن كل هذه الحملة وما سيرافقها من تطبيل إعلامي ستعود لتنقلب على رأس الفرنسيين من أصول عربية والمسلمين إذ أنه سيتم الخلط بين مواقف ديودونيه وبين مؤيديه ويكون المستفيد الوحيد هو الجبهة الوطنية المتطرفة التي تؤيد أيضاً هذا الفكاهي ولكن تدعو في نفس الوقت إلى … طرد المهاجرين العرب.