غريب أمر هؤلاء اللبنانيين، كيف يحافظون على ولائهم لقادتهم وأحزابهم وجماعاتهم المذهبية، أينما ولّت وجهها، فترى كل فريق متمسك بولائه لحزبه أو تياره السياسي، بشكل غبي يؤكد نجاح مقولة ادمان الاستحمار وانعدام النباهة من الوعي الجمعي.
نعم، في لبنان كل حزب بما لديهم فرحون؛ سواء كان القائد مع الصدام وتدمير البلد أو كان مع الحوار والتسويات، لا مشكلة في الولاء للزعيم حتى لو كان سارقاً أوفاسداً أومجرماً، أو كل هؤلاء. “إذا كان الجميع فاسداً فلا بأس بأن يكون لنا حصة كما لغيرنا”، هكذا نطق أحد جهابذة السياسة في لبنان بكل وقاحة منذ سنوات طويلة في معرض تبريره لتقاسم مغانم أموال الدولة.
ليس لبنان وطناً نهائياً، وليس كل أبنائه شعب واحد. بل رزمة من الهويّات القاتلة التي لا يجمعها سوى النفاق والتكاذب في صالونات السياسة والمناسبات الاجتماعية، ويوحّدها إحراق الإطارات وإقفال الطرقات وتحطيم الممتلكات العامة في الشارع في أيام الغضب الطائفي والعشائري والعصبوي.
لا فضل لـ 8 على 14 من آذار إلاّ بمدى الاخلاص للجهة الاقليمية الداعمة والممولة والحاضنة باسم الدين والعقيدة. فلا مال نظيف لحزب الله ومن يدور في فلكه الا إذا كان معطراً برائحة الزعفران الفارسي، ولا مال طاهر لتيار المستقبل وزمرته إلاّ إذا كان عابقاً بالعود والعنبرالخليجي.
حزب الله مستعد أن يدمّر لبنان ويشعل الفتن المذهبية من جنوبه الى شماله ومن عاصمته الى بقاعه من أجل تحقيق مكاسب ميدانية لمصلحة حلف الممانعة في سوريا، تارة بحجة دينية؛ الدفاع عن مقام السيدة زينب. وتارة أخرى بحجة عشائرية حماية قرى شيعية على الحدود، وفي الأخير بحجة استراتيجية؛ الدفاع عن خطوط دفاع المقاومة الأخيرة.
تيار المستقبل أيضاً مستعد لتدميرلبنان بحروب، وافقار اللبنانيين، تارة بتوزيع الاتهامات السياسية بقتل مرشده الروحي رفيق الحريري، وتارة باللجوء الى التحريض المذهبي، والأنكى من ذلك أن السير في المحكمة الدولية لمعرفة من قتل الحريري تكبّد اللبنانيين أموالاً باهظة كل سنة، وكأن الشعب لا يكفيه ما فعلت به حكومات “الرئيس الشهيد” بسياساتها النيوليرالية الظالمة. علماً ان نتيجة التحقيق الدولي والمحاكمات لن تكون محل ثقة العديد من اللبنانيين ولن تكون محكمة دولية بهذا الشكل تسرّب معلوماتها للكيان الصهيوني سوى آداة لاشعالً حرب مذهبية شبيهة طويلة بحرب داحس والغبراء.
كلا المشروعين فشل في تدبير شؤون الناس وتخفيف معاناتهم الاقتصادية والمعيشية. وكلا الطرفين ساهم في اضعاف الدولة لحساب أجهزة أمنية فئوية، وتعزيز واضح لمنطق الأمن الذاتي على حساب أمن المواطن واستقراره.
كلا المشروعين دمّر لبنان وسرق ما في خزائنه من أموال هي من حق الشعب. وكلا المشروعين يقود البلد الى جحيم لعبة الأمم القاتلة؛ لا احترام لإعلان بعبدا، ولا قيمة لنصائح العقلاء. كل حزب بما لديهم فرحون يعملون ما تريد دولهم في الخارج ولا يأبهون لحاجة بلدهم الذي يحضنهم في الداخل منذ مئات السنين.
وفي لمحة البصر وبعد سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، بدأ الحديث عن حلحلة لملف تشكيل الحكومة كانعكاس واضح للحلحلة في الملف النووي بين ايران والغرب وفي الملف الكيميائي السوري بين روسيا وأميركا. فجأة بدأ الحديث عن اتفاق حول شكل الحكومة وعدد أعضائها الذي يأتي في كل مرة بعدد مغارات علي بابا كي لا يبقى للمواطن أي فتات بعدما يتم توزيع المغانم على ممثلي كافة طوائف الشعب من دون الشعب.
المفارقة المزعجة أن الشعوب اللبنانية تصفّق لجماعاتها وأحزابها وقادتها سواء في السلم أو في الحرب، سواءً في الفتن ولهيبها الحارق أو في التسويات وأثمانها الباهظة.
كما تكونوا يولىّ عليكم لكن من هو الجدير بأن يولىّ على لبنان، هنا السؤال الأصعب.