ماذا ينتظر حزب الله بعد الفوضى السورية؟
وسيم نصر
يخطئ من يظن أن الحزب مجرد أداة في يد النظام السوري، أوحتى من يظن أن الحزب ينفذ أجندة سورية. حزب الله قبل كل شيء يبقى حزباً لبنانياً وممثلاً للطائفة الشيعية في بلاد الأرز. سبق وقلت في مقالة سابقة “سوريا وإيران وتداعيات الساحة اللبنانية” إن أكبر المستفيدين من الإنسحاب السوري من لبنان عام ٢٠٠٥ كان حزب الله. لأنه بإختصار شديد ومن دون الغوص في نفس التفسير، تحرر الحزب من قبضة الأسد، ليجتاح مجلس النواب من دون إحترام الكوتا القديمة التي كانت تجبره على ترك بعض المناطق لحركة أمل. بل أكثر من ذلك تحالف مع العماد عون وتياره الوطني الحر، مما سمح لعون بإنتشال مناطق من الحركة وأكبر مثال على ذلك نواب التيار في منطقة جزين الجنوبية الذين حلوا مكان نواب حركة أمل المسيحيين. إذاً وبإختصار أصبح حزب الله في الحكم وفي الحكومة، الأمر الذي لم يحصل أبداً في عهد الوصاية السورية.
ما لا يعرفه أو يعيه الكثيرون هو أن حزب الله تصادم مع السوريين في عدة مراحل من تاريخه، ذلك منذ نشأته في البقاع اللبناني، إلى مرحلة الحرب اللبنانية، إلى الطائف والتغيير في رأس الهرم، إلى تصادم ما بعد أوسلو… فكل قارئ ومدقق في خفايا وخبايا الأمور يرى أن هذه العلاقة بعيدة كل البعد عن ما يتخيله البعض من لُحمة ومصير مشترك ما بين دمشق والضاحية الجنوبية التي دخلها السوري غازياً بقوة قوامها ٨٠٠٠ جندي عام ١٩٨٧ للجم قوة الحزب المتصاعدة على حساب حليفه الأول نبيه بري.
علاقة الحزب بسوريا كانت دوماً مطبوعة بشخصية رئيس الحزب وببراغماتية موزونة ومنوطة بوضع المنطقة ككل.
فعلى سبيل المثال، الشيخ صبحي الطفيلي أُبعد عن قيادة الحزب مع أنه كان المنتصر على حركة أمل عام ١٩٨٩ وموقّع إتفاق الهدنة مع نبيه بري عام ١٩٩٠، قبيل إتفاق الطائف وبدء السلام المفروض مع الوصاية السورية. إذاً ضحى حزب الله بقائده المنتصر على حلفاء سوريا من أجل إستمراريته متأقلماً بذلك مع المعادلة الجديدة. ذلك بسبب تمثيل الطفيلي لما كان الحزب عند نشأته ولكل الأخطاء التي يقوم بها أي حزب جديد، خصوصاً إن كان مولوداً من رحم الحرب الأهلية اللبنانية؛ وهي مرحلة أرادت قيادة الحزب الجديدة إبعادها عن الذاكرة الجماعية اللبنانية. كل محاولات الطفيلي للعودة إلى الواجهة السياسية باءت بالفشل إبتداءً من رفضه المشاركة في الإنتخابات إلى ثورة الجياع البقاعية التي قُمعت بقوة السلاح؛ مما جر إلى إقصائه من الحزب بالرغم من كونه من المؤسسين.
أحداث ثكنة فتح الله عند عودة الجيش السوري إلى بيروت عام ١٩٨٧ لم ينساها مؤيدو الحزب، فالجيش السوري لم يتردد في قتل ٢٧ من عناصر الحزب وفي فرض إرادة دمشق بقوة السلاح. في أيلول ١٩٩٣ لم يتردد الجيش اللبناني بإطلاق النار على المتظاهرين وكانت الحصيلة ١٤ قتيلاً و٤٠ جريحاً بين مؤيدي الحزب المناهض لإتفاقيات أوسلو، وكان وزير الدفاع محسن دلول شيعياً والوصاية السورية في أوجها.
هذه الصدامات كانت الترجمة الفعلية لصراع النفوذ السوري الإيراني على الساحة اللبنانية، مما فرض المعادلة التي سادت حتى خروج الجيش الإسرائيلي ووصول بشار الأسد إلى الحكم عام ٢٠٠٠ وبعده معدلةً حتى خروج الجيش السوري عام ٢٠٠٥.
يجب عدم الوقوع في خطأ الظن أن قيادة حزب الله ستضحي بكل ما بُني حتى اليوم من أجل بشار الأسد. ممكن التضحية بعدد من القيادات مع تغيُر المعادلة السياسية في المنطقة، لكن التضحية بالحزب ككل أمر بعيد عن الواقع وعن تاريخ الحزب الذي عرف كيف يتكيف مع تغيرات المنطقة منذ نشأته وأثبت عن حنكة ودهاء سياسي غاب عن كثيرين غيره.
إذاً خطاب السيد حسن نصرالله الأخير، وإن كان يُعبر عن دعم مُطلق للنظام السوري، يجب النظر إليه من نافذة القيادة الحالية للحزب ولكن من دون أن ننسى أن حزب الله مبني على عقيدة وليس على أشخاص مهما علا شأنهم وكبُرت هالتهم. مرة أُخرى إن نظرنا إلى تاريخ الحزب نرى أن غياب قيادييه أوقتلهم من قبل الإسرائيليين لم يؤثر بتاتاً على فعاليته العسكرية أوالسياسية، فإنه وعلى عكس معظم الأحزاب اللبنانية الأُخرى لا يموت إن مات القائد. أكبر مثال على ذلك هو عدم تأثر الحزب بمقتل عباس الموسوي أو بموت الشيخ راغب حرب أو حتى عماد مغنية قائده العسكري السابق الذي قتل بعبوة ناسفة في دمشق.
إنما ككل الأحزاب، حزب الله ليس كتلة متجانسة ومن لون واحد. يوجد داخل الحزب تيارات مختلفة، منها من يريد دعم النظام السوري بالفعل، منها من لا يريد تجاوز الدعم الكلامي، منها من يريد الإبتعاد عن الأسد بإنتظار ما سيحصل ومنها من يُحضر لما بعد الأسد.
قوة الحزب في لبنان وسيطرته على الحكومة تنأى به عن الإفراط في ذلك عبر الدخول فعلياً في الصراع داخل سوريا. من ناحية أُخرى هذه القوة نفسها هي التي تمنع سوريا من إشعال الساحة اللبنانية. لأنه ليس من مصلحة الحزب أن ينفجر الوضع اللبناني وهو سيد الموقف بلا منازع؛ وليس من مصلحة سوريا تفجير الوضع اللبناني ومعاداة حزب الله وحكومة نجيب ميقاتي التي ما زالت تراعي النظام السوري في المحافل الدولية. علماً أن كل خرق أمني في لبنان ككل وفي الجنوب خصوصاً يُظهر أن الحزب لا يُمسك الأرض جيداً، هوالذي يريد الظهور كضامن للتوازن في لبنان.
ما قاله وليد جنبلاط في آخر تصريح له يرسم مخرجاً مشرفاً لكل من يريد فك إرتباطه بالنظام وبالممارسات التي تحصل بحق الشعب السوري. فصل السياسي اللبناني المحنك بين “الجيش السوري البطل الذي قاتلنا معه” وبين “ممارسات الشبيحة الإجرامية”، داعياً بنفس المناسبة حزب الله إلى عدم “الإلتصاق” بالنظام السوري الذي أثبت أن “إرادة القمع لديه أقوى من إرادة الإصلاح”.
ها هو المخرج المُشرف للجميع، فقد فصل جنبلاط ما بين الجيش والشبيحة، وما بين النظام والجيش. حتى أن البيك الدرزي حاول التقليل من مسؤولية الضباط الدروز الذين شاركوا بفعالية في قمع المناطق السنية المجاورة لمناطقهم، كدرعا، الصنمين، نوى… تيقناً منه لمرحلة ما بعد الأسد.
المؤكد هو أن زوال النظام السوري لا يعني زوال حزب الله، من المؤكد أن الحزب سيتأثر بذلك لكنه من المؤكد أيضاً أنه سيتكيف مع أية معادلة جديدة. دعم السيد حسن نصرالله الكلامي للنظام لا يعني أن الحزب سيرسل مقاتليه لقمع المتظاهرين، بل هذا الدعم الكلامي كان بهذه الحدة من أجل موازنة غياب الدعم الفعلي إذ أن حزب الله أذكى من أن يغرق نفسه في مستنقع حربٍ أهلية تُنذر بأنها ستكون طويلة ودامية.
أقول طويلة ودامية ومن الممكن أن أكون مخطئا، لكن إن أخذنا بعين الإعتبار خروج الأميركيين من العراق وإمكانية نشوء تحالف يبدأ بطهران مروراً ببغداد وإنتهاءً بدمشق، يمكننا أن نتخيل أن الفوضى في سوريا ستحول دون قيام هكذا تحالف. من هذا المنطلق نفهم لم التدخل الخارجي يبقى محدوداً بحيث لا يسقط النظام ولا تربح المعارضة، مما يُغرق سوريا يوماً بعد يوم بمستنقع الحقد الطائفي والحرب الأهلية.
النظام من حيث لا يدري يؤمن لأعدائه الأرضية المثلى لتدخلاتهم، وهم بدورهم يساندون المعارضة بدعم لا يُقدم ولا يُؤخر. ذلك وسوريا تغرق كلبنان قبلها في ما لن يرحمها ولن يرحم شعبها، مرة أخرى يبرهن قادة العرب عن غباء وقصر نظر وعدم قدرة على تشكيل رؤية متكاملة تسمح لهم بالدفاع عن مصالح شعوبهم، بل تشرع أبواب بلادهم لكل التدخلات والإنتهاكات.
الرجوع إلى الوراء غير ممكن ودعوات المعارضة السورية إلى عدم تحول الحراك الشعبي إلى مقاومة مسلحة للنظام تخطتها الأحداث. سالت الكثير من الدماء في شوارع سوريا والجرح الذي حُفر بين السوريين أنفسهم يلزمه مئات السنين ليلتحم ويشفي… مما سيُبقي بوابات الشام مشرعة للقاصي والداني مئات السنين… كما بوابات بلاد الرافدين وكما بوابات الخليج وبيروت والقاهرة ، فكلما حاولت الشعوب الخروج من زنازينها ترى نفسها تدخل زنازين أخرى أكثر قسوةً وأكثر ظلاماً.
إن عدنا إلى الوضع اللبناني نرى أن لبنان، ربما لأول مرة في تاريخه يرى جميع جيرانه مشغولين بمشاكلهم الداخلية. فكل من كان له وزنه في لبنان في المراحل السابقة إبتداءً من سوريا الأسد إلى إسرائيل، حتى مصر عبد الناصر أو مبارك وليبيا القذافي إلى عراق صدام ومملكة آل سعود؛ كلهم إما رحلوا، إما سجنوا، إما مشغولون بمشاكل بلادهم. إنها الفرصة المثلى كي يتكاتف اللبنانيون بما أُتيح لهم من حرية ومن قوة للمرة الأولى في تاريخهم… ذلك قبل فوات الأوان وعودة الظلم والطغيان.
عدد نواب الحزب عام ٢٠٠٠ ليس نفس العدد عام ٢٠٠٥ و نفوذه كبُر مع خروج الجيش السوري إذ أصبح الفريق الأقوى على الساحة اللبنانية و ذلك ليس بحاجة إلى تفسير فهو واضح للعيان و القول أن سقاط نظام الأسد سيؤدي إلى سقوط الحزب، يلغي تمثيل الحزب للجزء الأكبر من شيعة لبنان و يضعه في خانة هو بعيد عنها بل هي وضعية تخدم أخصامه داخلياً و خارجياً.
تاريخ نشر التعليق: 2011/12/14وقع الكاتب في مغالطات هي:
تاريخ نشر التعليق: 2011/12/13-ان عدد نواب حزب الله بقي عام 2005 كماهو قبلها.خسر ائبا في جزين في حين خسر بري اثنين لصالح عون.
-ان سقوط نظام الاسد يعني سقوط حزب الله والمقاومة والا لماذا يتعب الغرب نفسه هل حبا بالديموقراطية المفقودة في بلاد عربية كثيرة ام لضرب تيار المقاومة؟
-اذا كان هناك تيارات داخل حزب الله فليس في موضوع سوريا لان هناك اجماع داخل الحزب ان المطلوب من اسقاط سوريا هو رأس القاومة.
-سبق لحزب الله ان كان له مشاكل مع السوريين ومع امل ومع الاحزاب العلملنية لكنها انتهت منذ زمن ولا يوجد ظروف لتكرارها.
-هل نسي الكاتب ان اول هتاف للمتظاهرين في سوريا لم يكن ضد النظام بل ضد حزب الله وهذا يوضح للحزب ما عليه ان يفعل.
اُكتب تعليقك (Your comment):