مصر: أنتم أحرار بالتصويت شرط التصويت بـ… نعم
سنتأكد خلال الأيام المقبلة كما يعلمه الجميع أنّ التصويت في مصر على “نعم” سيفوز وأنّ الدستور المصري الجديد سينتصر. ومما لا شك فيه أن نتائج التصويت ستكون على نحو ٩٨ في المئة من الأصوات حسب النتائج الأولى التي بدأت تتسرب، وهي نسبة تذكرنا بالنتائج التي كانت تعلن خلال حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك (في عام ٢٠٠٥ «اكتفى» الرئيس المخلوع بنتيجة تصويت «متواضعة» فيما يخص تعديل الدستور أي نسبة 83 في لمئة). ويبدو أن التلفزيونات الحكومية ومنها “نيل تي في” استعادت الشعار القديم الذي كان متداولا خلال حقبة حكم مبارك للحديث عن هذا الإقتراع ووصفه بأنه”من مراسم الديمقراطية”.
“مراسم”، كلمة تحمل في حدّ ذاتها معان تدل على التبجيل الديني، هذا لاشك فيه ولكنه بعيد عن الديمقراطية، أو ربما يمكننا الشك في ذلك إلاّ إذا اعتبرنا أنّ حقبة رئيس حسني مبارك كانت تتصف بالديمقراطية. والمشاركة ستكون ضعيفة حوالي ٣٥ في المئة على الرغم من الهجمة الإعلامية الضخمة.
إذن، سيتم تبني الدستور، ويجدر الإشارة إلى أنّ نص الدستور لا يوجد فيه تغيير كبير مقارنة مع النص المصحح خلال الإقتراع السابق في عهدة الرئيس المخلوع محمد مرسي (طالع مقال نتالي برنارد موجيرون في جريدة أوريان ٢١، بتاريخ ديسمبر ٢٠١٣، تحت عنوان:
La constitution égyptienne est-elle révolutionnaire ?)
ربما توجد بعض التحسينات في فقرة أو أخرى غير أنها ليست بالحاسمة. ويخص نص الدستور كسابقه دور الجيش ويجعله فوق كل السلطات السياسية، بحيث حاز أركان الجيش على حق اختيار وزير الدفاع لمدة ثماني سنوات.
وفي استمرارية مع النظام القديم في مصر ورئاسة الإخوان المسلمين والسلطة العسكرية الحلية (يمكنكم الإطلاع على مقال بيتر هارلينق وياسر الشيمي في أوريان 21 نشر بتاريخ 14ك٢/ يناير تحت عنوان: L’Egypte en quête d’elle-même)
لكن في نهاية المطاف، يبدو أنّ نص الدستور ليس مهما كثيرا. فلنأخذ مثلا سياسة التعذيب المحظورة، والتي تحظرها النصوص السابقة هذا لم يمنع ممارستها وحتى أنه تم تكثيف ممارستها على نطاق واسع لقمع الإخوان المسلمين. نصوص الدستور تضمن كذلك حرية التعبير لكن وسائل الإعلام الحكومية والخاصة أيضا لا تترك تقريبا مجالا للأصوات المعارضة. نصوص الدستور تناشد احترام حق كلّ شخص موقوف وحقه بإلتماس محام لكن الشباب الثوريون الذين تم سجنهم خلال شهري نوفمبر وديسمبر لم يتمكنوا من الحصول على هذا الحق. كما أنّ السلطات تعثر دائما على قضاة متواطئين للحكم على المعارضين بأحكام غليظة.
وكانت حملة الإقتراع وكذلك يومي التصويت شاهداً على الحالة الاستثنائية التي يعيشها البلد. كما كانت القاهرة مثلها مثل جميع المدن الكبيرة مفعمة بملصقات التي خطط عليها عبارة “نعم” بينما تم توقيف الناشطين الذين كانوا يقومون بتوزيع لاصقات تحمل عبارة “لا”، (طالع مقال ليومن رايث ووتش ظهر بتاريخ ١٣ ك٢/يناير من هذا العام يحمل عنوان: Egypt : Activists Arrested for ‘No’ Campaign)
وهذا ما جعل من تشكيلة عبد المنعم عبد الفتوح (وهو مرشح للرئاسيات كان حصل على٢٠ في المئة من الأصوات خلال رئاسيات 2012) الخروج من الحملة.
وخلال يومي الإقتراع الفائت، تمكن الصحافيون من معاينة بأنفسهم الحملة الإعلانية الكبيرة للتصويت بـ”نعم” تتواصل حتى داخل مكاتب الإقتراع، كما وصفته مراسلة جريدة الفيغارو الفرنسية دلفين مينويه(في مقال ظهر يوم ١٥ ك٢/ يناير تحت عنوان: Egypte : le vote qui conforte les partisans).
وإليك مقطع من مقالها:
“ظهرت إمرأة ممتلئة تحمل نظارت إيف سان لوران تقليد وتمشي على حذاء براق خاص بحفلات الزواج وهي تقول وصدرها منتفخ: “من يصوت بلا على الدستور هو إرهابي”، ثم وضعت بكل فخر وكبرياء ورقة التصويت داخل الصندوق. ولدعم هذا الإقتراع الذي قام بتنظيمه رئيس أركان الجيش صباح هذا الثلاثاء من أجل دستور جديد كانت أمينة عدلي قصاب من بين الأوائل التي توافدت على مكتب الاقتراع متواجد داخل ثانوية عباس العقاد بالقاهرة. في الخارج، يتواجد عسكريون ببدلاتهم يقومون بالحراسة، شديدين الانتباه، في حين تحلق فوق رؤوس الجميع طائرة الهيليكوبتر. (…) في هذا الحي الشعبي للقاهرة، تحاشد جمع صغير من الناس على الرصيف الذي يؤدي إلى مكتب الاقتراع القريب والحماس ظاهر عليهم، ويقول عبد العزيز بكل عزيمة، وهو شاب في الثلاثين، تظهر على بدلته “بينز” للجنرال السيسي: “لا شيء يمنعني عن التصويت حتى الموت نفسه”، وررد وراءه وفي الوقت نفسه عشرون شخصاً كانوا ينتظرون دورهم للإدلاء بأصواتهم: “نعم، نعم، نعم” “. فهلا بموضوعية أماكن الاقتراع…
حاليا الهيستيريا والشوفينية هي المسيطرة على “الحرب ضد الإرهاب” التي يحبذها الرئيس الأمريكي السابق جورج وليام بوش ويبدو أنه وجد جنرالاته في مصر. وكان الإعتداء الذي وقع في المنصورة يوم ٢٤ ك١/ ديسمبر الماضي ذريعة لتجريم الإخوان المسلمين، المتهمين بكونهم تنظيما إرهابيا، كما أنّ أعضاءه يمكن أن يتعرضوا إلى إدانات ثقيلة بل حتى إلى عقوبة الإعدام. وبما أن الإعتداء اعترفت به الجماعة الجهادية “أنصار بيت المقدس” (وهي جماعة انتقدها الإخوان سابقاً)، قامت مصالح الأمن بنشر تصريح كاذب من المنظمة قائلة أنّ الجماعة قامت بهذا الإعتداء “كرد لأعمال العنف ضد الإخوان المسلمين”، وهي طريقة كأخرى لإدانة الإخوان. ولا داعي للقول أن وسائل الإعلام المصرية عاودت بث هذه الأكاذيب دون أن تتزعزع، (طالع مقال نشر بتاريخ ١٤ ك٢/ يناير بعنوان: The Ramifications of Designating the Muslim Brotherhood as Terrorist Group)
ويكون التصويت على الدستور قد وضع حدا نهائياً للعديد من الإقتراعات (الدستورية والتشريعية والرئاسية) التي أجريت منذ سنة 2011 والتي سمحت لأول مرة في تاريخ البلاد بالتعبير عن تنوع وتعدد المجتمع المصري. هل سيكتفي المصريون بمسخرة اقتراعات ١٤ ١٥ من شهر كانون الثاني/ يناير؟ نشك في ذلك.