الفساد المالي وزعماء الصين الشيوعية ١/٢
بدأت صحيفة «لوموند» بالاتفاق مع (Jounnalism and investigations Consortium) (الإتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين) مجموعة تحقيقات حول الفساد في العالم هذا الفساد الذي تذهب ثماره نحو الجنات الضرائبية بشكل «أموال أوف شور» لذا تحت تسمية «أوف شور ليكس» (offshore-leaks) ويشاركها في ذلك ٣٠ وسيلة إعلامية. وقد بدأت هذه الحملة في الصينحيث تشير التحقيقات إلى وجود طبقة غنية فاسدة استغلت موقعها في الحزب الشيوعي الحاكم للاثراء غير المشروع.
هؤلاء تحت تسمية “الأمراء الحمر”، هم نخبة قليلة وطموحة في الإقتصاد الثاني العالمي. وهم مرتبطون بأواصر الدّم أو الزواج مع السلطة المتمركزة أو مع قدماء أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، وقد بنوا ثروات هائلة وعظيمة مثيرة لسخط السكان. فهم ليس إلاّ ثمرة مراء عظيم: هؤلاء الكوادر الشيوعية تبرز مثلها “الشعبية” بغض النظر عن ما يقوم به أقاربهم عندما يستعملون السلطة ونفوذهم لتوسيع ثراءهم ضاربين عرض الحائط مبدأ الأخلاق بل وحتى القانون. وحسب ما كشفت عنه الوثائق التي تحصل عليها الإتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، فإنّ أكثر من ٢٠ ألف عميل من الصين أو هونغ كونغ لهم علاقة مع شركات أوف شور متواجدة في جنات الضرائب.
كشفت وثائق عن وجود شركة في «الجزر العذراء البريطانية» يمتلك ٥٠ في المئة منها «دينغ جياغوي» (Deng Jiagui) (وهو نسيب الرئيس «شي جين بينغ» (Xi Jinping)). وهو متزوج مع الأخت الكبرى لحاكم الدولة، والسيد “دينغ” رجل فاحش الثراء يعمل في العقارات ومستثمر في المعادن النادرة. غير أنه من المفارقات أنه ومنذ وصوله إلى قمة الحزب الشيوعي عام 2012، قام شي جين بينغ بحملة واسعة ضدّ الفساد، ولكنه في الوقت نفسه قام بإيقاف نشاط حركة مواطنين طالبت بنشر قيمة أموال المسؤولين الحكوميين.
شخصية أخرى لامعة في الحزب الشيوعي هو “وين جياباوو” (Wen Jiabao) الذّي تقلد منصب رئيس الوزراء من عام 2003 حتى شهر مارس/آذار 2013، وكان يحلو له أن يقدم نفسه كمصلح وقد صقل صورة عن نفسه كمسؤول حريص على أبناء بلده. وكشفت وثائق التحقيق أنّ ابنه “وين يونغ سونغ” (Wen Yunsong) أنشأ عام 2006 في «الجزر العذراء البريطانية» بمساعدة مكتب هونغ كونغ التابع لـمصرف “كريدي سويس” شركة أسماها “تراند غولد للاستشارات” (Trend Gold Consultants) حيث كان يديرها منفرداً وهو المساهم … الوحيد في الشركة حتى تم حلها عام 2008.
الوثائق التي يحوزها الإتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين لا تحدد طبيعة نشاط هذه الشركة التي تتعامل في «الأوراق الوسخة» والمستثمر الوحيد في رأس مال الشركة (وين يونغ سونغ) تابع دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية وشارك في تأسيس الشركة قبل أن يصبح قبل عام 2012 رئيس «الشركة الصينية للاتصالات عبر الأقمار الصناعية» (China Satellite Communications Company)، وهي مؤسسة عمومية تعمل لتصبح أول متعامل في الأقمار الصناعية في آسيا.
وحاول الإتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين مرات عديدة للاتصال بـ”ووين يونغ سونغ” وأشخاص آخرين تمّ ذكرهم في هذا التحقيق، إلا أت القليل استجاب لهذه الدعوة، ولم يكن من وين يونغ سونغ منهم. عدد منهم ذكر بقواعد السرية،بينما أجاب مصرف “كريدي سويس” أنه: “لا يريد التعليق فعلى الموضوع”.
الملفات التي قام بتحليلها الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تقوم بتسليط الأنوار على الدور المجهول لحدّ الآن التّي لعبته «الجزر العذراء البريطانية» في فضيحة تورطت فيها ابنة “وين جياباوو” وهي “وين روشون” (Wen Ruchun) المعروفة كذلك باسم “ليلي تشانغ”. وحسب جريدة “نيويورك تايمز” فإنّ بنك “جي بي مورغان تشيز” دفع لـ”فولمارك كونسولتنت” (Fullmark Consultants) وهي شركة تديرها “وين روشون”، حوالي 1.8 مليون دولار مقابل للاستشارة. وقد قامت السلطات الأمريكية بفتح تحقيق حول هذا الموضوع وبخصوص استعمال “أمراء الحمر” من قبل “جي بي مورغان” لتوسيع نفوذها في الصين.
ويبدو أنّ شركة “فولمارك كونسولتنت” تمّ تأسيسها بغية مسح أيّ رابط مباشر بين “وين روشون” و”جي بي مورغان”. وكان زوجها “ليو تشونهانغ” (Liu Chunhang) هو الذي أنشأ الشركة عام 2004 في «الجزر العذراء البريطانية» وكان المدير والمساهم الوحيد حتى عام 2006، وهي السنة التي تقلد فيها منصبا في الوكالة العامة الصينية لمراقبة الأسواق.
كما أن شركة الخدمات أوفشور “تروست نت” (TrustNet)، المتواجدة في سنغافورة أرسلت فاتورة إلى البنك السويسري “يو بي إس ” (UBS) في أكتوبر 2005 لوضع شهادة ائتمان موجهة لشركة “فول مارك كونسولتنت”، وهذا دليل واضح على وجود علاقة مباشرة بين “فول مارك” والبنك السويسري. وكان المصرف قد ردت علينا بنشر بيان يؤكد فيه أنّ سياسته المتمثلة في “معرفة العميل” والإجراءات المتواجدة للتعامل مع زبائنها والمتعلقة بالساحة السياسية تعتبر من “بين الأكثرها صرامة في القطاع المصرفي”.
وحسب مخبر تمّ ذكر اسمه في أحد برقية مرسلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 من قبل السفارة الأمريكية في شانغاي، فإنّ رئيس الوزراء “وين جياباوو” يبدو “مشمئزا من تلك النشاطات التي تقوم بها عائلته”. وتشير هذه البرقيات التي كشفت عنها «ويكيليكس» أنّ أقرباء “وين جياباوو”: “لم يستفيدوا بالضرورة من عمولات بل يقبضون “بد أتعاب استشارات” مبالغ خيالية”.
الوثائق التي بحوزة الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تشير كذلك إلى شركات أنشأها أقارب “دينغ سياوو بينغ” (Deng Xiaoping,) الذّي حكم الصين بعد ماو تسي تونغ بين 1978 و1992 وكذلك رئيس الوزراء السابق “لي بينغ” (Li Peng) (1988-1998) والرئيس السابق “هو جينتاوو” (Hu Jintao) (2003-2013). وبالنسبة لبعض الأخصائيين في الصين فإنّ هذه الثروات المتنامية التي جمعها هؤلاء “الأمراء الحمر” لاسيما في أسهم شركات أوفشور تمثل خطرا حقيقيا على الحزب الشيوعي. وكون السلطة الحالية متورطة جدا في هذه المسائل فهي غير مستعدة لوضع حدّ لكل هذه النشاطات خوفاً من «الفضيحة» التي يمكن أن ترتد على الحكم.
ويقول ستيف ديكينسون (Steve Dickinson) متهكما، وهو محامي أمريكي مقيم في الصين ومختص في أعمال النصب والاحتيال: “ما فائدة إدارة الحزب الشيوعي إذا لم تتمكن من الاستفادة بمليار أو اثنين لعائلة أحد المسؤؤلين؟” ويضيف: “المسألة خطيرة وإذا كان مفهوما أن يتبع الجميع سياسة النعامة وطمر الرؤوس في الرمال ورفض الحديث عن هذه الفضائح فهذا أيضا يشكل فضيحة للحكم”. في نهاية أعوام 1990، من بين الصينيين ذوي النفوذ الذين اختاروا الإقامة خارج الصين “فو ليانغ” (Fu Liang)، ابن “بينغ زين” (Peng Zhen)، أحد الشخصيات الثمانية الخالدة للحزب الشيوعي وأحد أكبر القادة في الجمعية الوطنية الشعبية خلال ثمانينات القرن الماضي.
تكشف وثائق “أوفشور ليكس” التي نشرها الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين عام 2013، أنّ “فو ليانغ” (الذي استثمر في السفن وصناعة اليخوت الفاخرة والنوادي وكذلك ملاعب الغولف) كان يدير على الأقل خمس شركات أوفشور في «الجزر العذراء البريطانية» بين سنوات 1997 و2000. ومن خلال إحداها أي شركة “ساوث بورت ديفلوبمنت لايميتيد” (South Port Development Limited) تمكن من شراء عام 2000 فندق في حزر الفيليبين.
وكانت شركة “ترست نت” هي التي ساعدت “فو ليانغ” في إنشاء هذه الشركات. في عام 2000، كانت “ترست نت” تنتمي إلى أحد المكاتب التي تقوم بجلب زبائن والتوقيع على عقود بعد تنظيم اجتماعات في مجال التسويق في مكاتب شانغاي مشاركة مع شركات حسابات كبرى يشارإليها بـ”الحمس الكبار” (Big Five) في عالم تدقيق الحسابات وهي: “كي بي أم جي”، و”إرنيست أند يونغ” و”برايس ووتر هاوس” و”دلوات أند توش” و”أرثر أندرسون”. (KPMG, Ernst & Young, Pricewaterhouse, Deloitte & Touche, Arthur Andersen.)
وتشير الوثائق التي تحصل عليها الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أنّه عن طريق شركة “ترست نت”، تحول المكتب بعدها إلى شركة يطلق عليها اسم: “برايس ووتر كوبر” (PricewaterhouseCoopers) بحيث ساهمت في إنشاء أكثر من 400 مؤسسة أوفشور لحساب زبائن في الصين وهونغ كونغ والتيوان. وفي هذه الأسواق، ودائما من خلال شركة “ترست نت”، يقوم المصرف السويسري “يو بي إس” بتقديم خدمات في إنشاء الآلاف من وحدات أوفشور.
وكانت مكاتب “يو بي إس” في هونغ كونغ قد مدت يدّ المساعدة لـ”يونغ هوييان” (Yang Huiyan) التي تملك ثروة تقدر بـ 8.3 مليار دولار، في إنشاء شركة عام 2006 في «الجزر العذراء البريطانية». وتعتبر “يونغ هوييان” المرأة الأكثر ثراء في الصين وقد ورثت ثروة ربحتها من عقارات والدها، وقد رفضت الردّ على أسئلتنا.
(يتبع…)