- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

عائشة عجينة “حالة مستعصية” تبوح بهواجسها

Livresبيروت ــ معمر عطوي

تبدو الكاتبة عائشة عجينة في روايتها الجديدة حالة مستعصية بالفعل، إذ أن القاريء يحتار في تصنيف أي نوع أدبي يمكن وضع كتابها “أنا حالة مستعصية” بيد ان “منشورات الجمل”، التي صدر الكتاب عنها الكتاب، حسمت الجدل بتسميتها بالرواية.

لا تمتلك الرواية أي حبكة أو عقدة أو سياق درامي متكامل، بل هي عبارة عن حديث الذات، والبوح بما هو كامن وهاجس. عبارة عن صورة واقعية ومتخيلة، ما هو منطوق وما هو خارج سياق النطق اجتماعياً.

وقد تكون نوعاً من “المونودراما الشعرية، أو سرد الكوابيس”، على حد وصف صديقي الروائي فوزي ذبيان.

لكن بعيداً عن مناخات التصنيف والحيرة في معرفة النوع، هي رواية ذاتية بامتياز، تحاول الكاتبة من خلالها أن تقول ما تفكر فيه وما تهجس وما تحلم به أو تتوقعه.

هي حالة مستعصية بالفعل، تلقي الى الخارج كل ما في جوانيّتها من جيد وسيء، من جمال وبشاعة، وفرح وحزن، سلام وعنف، الى حد الغرابة أحياناً، لجهة استخدام مصطلحات قد ثير القرف لدى البعض.

تقول في الصفحة 25: “من الآن… سأسمّي الأشياء بأسمائها، لا عيب سيحكمني؛ يد، طيز… كلها سواسية. سأرسمه عارياً من كل أعضائه، سأُرهق مخيلتي. لكن أية صورة سأشوّهها؟! سأضعه ضمن دائرة، سأنفخ فيها حتى تدور…”.

 

تجلس البطلة على المسرح وحدها في عمل مونودرامي بامتياز، فقط مع شخصياتها المُتخيلة وخصوصاً طفلها الذي لم تلده، والذي يبدو كائناً فانتازياً تجعل منه موضوع قصة. ففي حين تقول في الصفحة 64: “استيقظ طفلي، ذلك الجميل، لا يلهيني غيره…”، وبينما تعطي هذا الطفل الافتراضي الكثير من الاهتمام في سياق سرديتها الذاتية، تقول في الصفحة 65: “لو كان لي رحم لكنت قضيت أياماً أملأه بأجنّة من كل وطر، لن يرى أياً منهم الضوء لن يختبروا المخاض. لن أخرجهم من مهبلٍ فاحت رائحته، وصلت إلى مدن غريبة، إلى أنوف ما عادت هنا”. وأمام هذه الصورة المُنفّرة صورة تتبعها مباشرة “إبقوا عصافير لتسبح في مياه الحياة”. صورة جميلة عن أطفال متخيّلين لا يطيرون في سماء الحياة بل يسبحون، وهنا جمالية الاستعارة والبعد الفانتازي في التعبير.

عجينة، التي تواصل التحضير للدكتوراة في الجامعة اللبنانية- قسم العلوم الاجتماعية، جعلت من سرديتها كوّة على المجتمع الذي ترفض بعضه وتقبل بعضه الآخر، تمارس بعض عاداته وتسخر من أخرى. هي رواية الذات في الحقل الاجتماعي، ومخاطبة الأنا في الكل، أو استعراض المنظومة العلائقية للعقل الجمعي من منظار الأنا. لذلك هي المركز وهي البطل الذي يحتل مساحة المشهد ويتحكم بنوعية السينوغرافيا، والحوارات وخلق الأشخاص والمساحة الواسعة للبوح.

مع ذلك تعود لتقول “أعبد الدائرة، بحاجة أنا لمركز أدور حوله، أقدّم نذوراً لم أنطق بها سأدور وأدور حتى أسقط… يسقط جسدي وأنتهي”. لكن في الواقع أن القاريء هو من يسقط أخيراً في حيرة تفسير هذه التناقضات في شخصية واحدة، ومفارقات غريبة لهواجس عديدة بعضها واقعي وبعضها خيالي.

هي بحاجة الى دائرة، لكنها هي الدائرة هذه الحالة المستعصية التي تقول في صفحة 60: سأبتكر أدواري … سأعيد كل آلهة الزمن الى مسرحي، أعصر فاكهة الأيام في كوب”.