الصين: تهرب ضرائبي وسهرات وخمر وجبن
نشرنا قبل أيام القسم الأول من التحقيقات التي قام بها «الإتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» بمشاركة ٣٠ وسيلة إعلامية حول الفساد في العالم. هذا الفساد الذي تذهب ثماره نحو الجنات الضرائبية بشكل «أموال أوف شور» وقد تنشر هذه التحقيقات تحت تسمية «أوف شور ليكس» (offshore-leaks) . وقد بدأت هذه الحملة في الصين حيث تشير التحقيقات إلى وجود طبقة غنية فاسدة استغلت موقعها في الحزب الشيوعي الحاكم للاثراء غير المشروع. نتابع…
في عام 2007، أرسل البنك السويسري إلى شركة “ترست نت” إمرأة مليارديرة هي “زهانغ سين”، مؤسسة المتعهد “سوهو تشاينا”، التي تم التعاقد معها لإعادة رسم كامل مدينة بكين وذاع صيتها مؤخرا باقتناء قصر في منهاتن قدر بـ 26 مليون دولار. ولم تستجب السيدة لاستعلاماتنا بشأن الشركة التي تمتلكها في «الجزر العذراء البريطانية» “كومون إنفاستيسمانت لاتيدي”.
في عام 2005، صدرت مذكرة من شركة ماركتينغ تيمّ وصفت بأنها “داخلية وجدّ سرية”، كانت بشكل «نصيحة» لمساهمي “ترست نت” بتشديد الروابط مع البنك “كريدي سويس” في هونغ كونغ: وقد وجد عمال “كريدي سويس” و”يو بي إس” أنفسهم مدعووين إلى سهرات ملؤها خمر وجبن. في الصين، في بعض الحالات حيث قوانين البنوك أكثر صرامة، وضعت باختيار خطط أكثر ذكاء : “في شنغهاي نقوم هذه الخطة باستهداف مكاتب المحاماة وشركات تحقيق الحسابات” بحيث ترسل دعوات لهم بشكل متواصل لسهرات وحفلات وفي الكثير من الأحيان سفرات سياحية.
وقد أتت حملة الإغراء هذه بثمارها بين عام 2003 و2007، ولكن يلاحظ أيضاً أن عدد الشركات التي شكلتها “تروست نت” للعديد من الزبائن من الصين وهونغ كونغ وتايوان تضاعف عددها ثلاث مرات بحيث ارتفعت من 1500 شركة لتصل إلى 4800 شركة. هل هذا كان تنيجة هذه الحملة المنظمة؟ ومن بين زبائن شركة “ترست نت” الذين قاموا بإنشاء شركاتهم خلال هذه الفترة نذكر نائبين لديهما مقعد في الجمعية الوطنية الشعبية الحالية والبرلمان الصيني. “واي جيانغ هونغ”، وهو برلماني في مقاطعة «أنهووي” ورئيس الشركة العمومية “تونغ لينغ نونفيروس ميتالس”، وكان أحد مدراء مجمع “تونغ غوان روزورس هولدينغ” التي أنشئت في «الجزر العذراء البريطانية» عام 2006. وكانت “ترست نت”الشركة الوسيط للشركة العمومية “تونغ لينغ” وكان مقدار الاستثمار الذي تلى هذه العملية 10 ملايين من الدولارات عام 2007 في مشروع معادن النحاس في الشيلي.
برلماني آخر كان يملك أسهماً “أوفشور» وهو “ما هوا تونغ” مؤسس أكبر شركة صينية للمراسلات الآنية “تانسانت” وتقدر ثروته بعشر مليارات من الدولارات هو في المرتبة الخامسة في لائحة المليارديريه في الصين وشريكه” “زهانغ زي دونغ” المساهم في شركة “تش بي لايميتيد” المسجلة في «الجزر العذراء البريطانية» والغريب أن هذه الشركة لا تظهر في الوثائق الرسمية لـ”تانسانت” بحيث يظل هذا القسم من النشاطات غامض جدا.
الوضعية تغيرت جذريا منذ بدء «هجوم »الأثرياء الصينيين على عالم الأوفشور. البلد أصبح أكثر غنى والأمكنة المتواجدة خارج الصين أصبحت تستعمل بكثرة كممرات عبور لعمليات البيع والشراء والصفقات “الدائريةّ” التي تخرج وتعود إلى الصين ولكن أيضا للاستثمار في الخارج والوصول إلى أسواق وشراء المعادن ومواد أولية أخرى.
ويعتبر البعض أنّ هذا النظام ساهم في تطوير اقتصاد البلاد، ويعلق باحث لدى وزارة التجارة الصينية: “يجب أن نكون عقلاء وقبول الواقع فرؤوس الأموال الصينية تترك البلاد على نطاق واسع. وأنا أرى هذا بالظاهرة الإجابية. صحيح، أنني أفضل بناء شركة في بلدها الأصلي، لكن هذا البلد لا يوفر لها المحيط الملائم لها، من هنا الذهاب للتسجيل في مكان أوفشور هو اختيار استراتيجي تماما”.
في حين أنّ البيروقراطية الإدارية الثقيلة والتدخل الحكومي يعيق النظام التجاري الصيني، يبدو أنّ الهروب إلى مركز أوفشور غالبا ما يسهل الأعمال. ولكن، يضيف الباحث هذا لا يجعلنا نغض النظر عن أمور الكثير من المؤسسات الصينية والعديد من الصينيين الذّين يستعملون شركات أوفشور لغايات غير قانونية.
في سبتمبر 2013، “زانغ شوغو ونغ”، وهو موظف عال في مؤسسة السكك الحديدية الصينية اعترف أمام محكمة جنائية بتهمة تحويل 2.8 مليار دولار على حسابات بنكية أوفشور. وحسب تقرير داخلي نشره البنك المركزي في الصين، قام عدد من المسؤولين في القطاع العام باختلاس وإخراج من الصين أكثر من 120 مليار دولار وسط أعوام 1980.
“بورت كوليس ترست نت” ساعدت أيضاً شركة “كوسكو”،الشركة العملاقة للنقل العام عن طريقتسهيل إنشاء شركة في «الجزر العذراء البريطانية» عام 2000. ومن بين العديد من مدراء كوسكو نذكر الرئيس الحالي للشركة “ما زي هوا”، وكذلك “سونغ جون”، الذي أدين عام 2011 بتهمة اختلاس أموال ومحاباة.
رفي التفاصيل: تمّ إرساله عام 2001 من قبل كوسكو للإشراف على فرع في كينداوو، مقاطعة في شاندونغ، شرق الصين، قام “سونغ جون” بتأسيس شركة غير حقيقية في «الجزر العذراء البريطانية» والتي استغلها حسب أقوال أمام العدالة لإخراج الملايين من الأموال من صناديق كوسكو. وحسب الوكالة الصحفية الرسمية “شين هوا”، قام باختلاس 6 ملايين من الدولارات، كما استلم مليون دولار كرشوة من طرف شريك تايواني، وبفضل مداخيله غير الشرعية هه قام باقتناء 37 شقة في بكين، وتيانجين وكينداوو. وقد تمّ تأجيل محاكمة “سونغ جون” وحتى الآن لم يصدر أي أي قرار بتاريخ المحاكمة.
“هوانغ غوانغ يو” الذي كان خلال فترة أحد الرجال الأكثر ثراء في الصين، ينتمي هو الآخر إلى أولئك الصينيين الذين قاموا بأعمال من خلال «الجزر العذراء البريطانية». وتشير الوثائق التي يحوزها الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أنه هو وزوجته “دو جوان” قاما بتأسيس على الأقل 31 شركة في الجزيرة المذكورة بين سنوات 2001 و2008 في الوقت نفسه الذي قاما بإنشاء في الصين إحدى أكبر شبكة تسويق الأجهزة الالكترونية. وحكم على “هوانغ غوانغ يو” عام 2010 بالسجن 14 سنة نافذة بجريمة تعليم واختلاس وتلاعب في أسعار الأسهم. أما زوجته بعد الإقرار بإدانته بجرائم مماثلة تمّ إطلاق سراحها عام 2010.
وحتى وإن كان “هوانغ غوانغ يو” لا يزال في السجن، كما أنّ العديد من أمواله هي مجمدة، فإنّ امبراطوريته التي أنشأها لا زالت تعمل بفضل شبكة من الشركات أوفشور التي أنشأها. فهو يبقى مالكا لأكثر من 30 في المئة من حصص “غوم”، شبكة توزيع الأجهزة الالكترونية بواسطة شركتين أخريتين متواجدتين في«الجزر العذراء البريطانية»: “تشاينينغ كرون هولدينغ” و”تشاينا قروب”.
وفي الوقت الذي بدأت تظهر مسألة تنامي ثروة أقلية في أوساط الأعمال ولدى مسؤولين حكوميين وعائلتهم، لم يعد بعض الصينيين يتحمل حملات السلطات على ما تسميه الفساد. وظهرت مؤخراً بعض الأنشطة التي تعتمد على مواقع الإنترنيت للتنديد بهذه الحال. منها بعض تجمعات المواطنين كـ”حركة المواطنين الجدد» التي تجمع منظمات من المجتمع المدني، وتنشط من أجل شفافية كبيرة. لكن الحكومة لم تتوان للرد على هذه الحملة بحيث تمّ إيقاف مؤسس الحركة “سو زينوغ” مع عشرين من أعضاء الحركة، وكان من المزمع أن تجرى محاكمة الناشط يوم الأربعاء 22 ك٢/يناير قبل اسبوع
وكانت بكين قد هاجمت وسائل الإعلام الأجنبية التي تهتم بالهوة الموجودة بين الأغنياء والفقراء. وبعد الصخب الذي قامت به عن أموال أوفشور الخاصة بـ”الأمراء الحمر”، حصل لنيويورك تايمز وبلومورنغ نيوز أن حجبت مواقعهم على شبكة الإنترنيت خلال شهر ت١/أكتوبر 2012، كما تمّ تمديد مدة الحصول على الفيزا إلى الصين بالنسبة للصحفيين. وبعد سنوات من الخمول، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وكذلك منظمات دولية العمل من أجل القيام بإصلاحات من شأنها الحد من اللجوء المكثف إلى مراكز أوفشور تهرباً من دفع الضرائب، أما الصين فيبدو عليها أقل اهتماما في نشاطها لإصلاح النظام.
القضية كونها تتعلق بخروقات هامة في التشريع الضريبي وهذا ما يسمح للصينيين استعمال الأوفشور بحرية نسبية، فلا شيء يجبرهم لحدّ الآن على التصريح بأموالهم في الخارج. ويشير روكي لي، وهو محامي في الأعمال في بكين: “المشرع الصيني لم يتوقع بأنّ يقوم الأفراد بتهريب هذه المبالغ الضخمة”.
السلطات في الصين تحاول حاليا استرداد سيطرتها على تدفق رؤوس الأموال الخاصة المتوجهة نحو شركات الأوفشور. وظهر قانون جديد أصبح ساري المفعول منذ الأول من ك٢/يناير هذه اسنة والذي يفرض على الصينيين التصريح بأموالهم المتواجدة في الخارج. وتعتمد الصين حسب تصريحات مسؤوليها على نجاح الحملة العالمية في إصلاحات نظام الأوفشور لإنجاح عملية وقف تدفق أموالها إلى الخارج.
وكدليل على ذلك، تمّ القيام بتحقيق عام 2013 لدى أكثر من 200 شخص يعملون في البنوك ومهنيين آخرين في الأوفشور وكانت نتيجة التحقيق أنّه: “في خلال الخمس السنوات المقبلة، ستصبح الصين من أهم الدول حيث يمكن للجنات الضرائبية اكتساب زبائن جدد”.