بعد انتهاء مؤتمر جنيف2 وعودة الوفدين كل الى بلاده، وفد الجمهورية السورية الى سوريا ووفد الولايات المتحدة الى الولايات المتحدة ، وبقاء قسم من المعارضة السورية في سويسرا مقتنصاً فرصة طلب اللجوء السياسي إليها، ماذا بقي في الصورة الحقيقية:
– الولايات المتحدة جاءت الى جنيف لتضييع الوقت فلا ميزان القوى يسمح لها بالتفاوض المريح ولا الوفد السوري المعارض الذي تمتلكه يتيح اللعب والمناورة. فهي ، التي بالكاد نجحت بتجميع بعض أشخاص “يمثلون” المعارضة، لم تقبل بفتح النقاش إلا حول تسليم السلطة. وبما أن الأميركي ليس معروفاً بميله للمزاح فإنه أراد القول بأن لا نقاش جدياً ممكناً في ظل ميزان القوى الحالي.
– لا معارضة سياسية وازنة في سوريا بل قطعان عسكرية مستوردة من كل الكون. من يمتلك الأرض لا يمتلك السياسة ولا القيادة لأنه ببساطة لا يمتلك قراره السياسي. ومن قيل له انه القيادة السياسية لا يمتلك أي أرض لا سيما وانه يقيم باللإيجار في الفنادق ولا يتجرأ على النزول إلى الأرض حيث نجح في “تحرير 70 بالمائة من الأرض السورية”.
– الأمم المتحدة، مع كل الإحترام والتبجيل، بدت بجميع ممثليها مجتمعاً دولياً يمثل اميركا وطموحاتها لا غير ولا يسعى حتى لوضع القفازات التي تخفي الأظافر تحتها. اللعبة صارت متوحشة ومباشرة. الكل يستعمل صراحة كل اسلحته بدون حياء.
– الروسي دب يعرف الإنتظار. إنه بانتظار اقتناع الاميركي بضرورة اقتسام القرار والنفوذ بالمنطقة في مرحلة أولى. يعرف الروسي قراءة اللوحة الدولية بحركيتها. يلعب الروسي الوقت لمعرفته أن الوقت لا يلعب لمصلحة الرجل الرأسمالي المريض. فكل يوم يمر يزيد من كهولة الإقتصاد الأميركي وتراجعاته البنيوية بمواجهة صعود الدول الجديدة ونموها. يعرف الروسي أن الصراع اليوم هو على مركز الرأسمالية بالكون وهذا المركز ينتقل بتؤدة وبطء لكنه ينتقل قطعاً. فلماذا العجلة والعجلة من الشيطان.
– الأميركي يراوغ ويناور لكي يجد أدوات محلية تأخذ مكانه بعد وصوله الى مرحلة العجز عن التدخل المباشر لارتفاع كلفته الإقتصادية قبل العسكرية. لعب الدور التركي-الإخواني فخسر ويلعب حالياً الدور السعودي-الاسرائيلي وسينهزم حتماً أو لنقل أنه أنهزم. مناورات الأميركي الحالية هي محاولات شراء الوقت للضغط في امكنة أخرى بالعالم بهدف ربط المشاكل العالمية بحزمة واحدة تتيح له الشراء والبيع. ذلك ان الصراع حول الشرق الأوسط ” الجديد” انتهى تقريباً بدون نتيجة أميركية مأمولة.
– الأوروبيون يتململون في حقيبة الأميركي لكن دورهم هش وهامشي لا يسمن ولا يغني. يحاولون ان يربحوا شيئاً من كيس الأميركي المثقوب أصلاً. فربحهم هو الخسارة بعينها. هم خاسرون إذا ربح الأميركي شيئا وخاسرون إذا فشل الأميركي. سياسة جحا بالبيض. فإذا كان الأميركي ما يزال يملك اوراقا دولية يمكنه المقايضة عليها فهي تتضمن الأوروبي نفسه لسوء حظ هذا الأوروبي. فليس هذا الأخير سوى ورقة يلعب الأميركي ب
– التركي، الداخل بمأزق بنيوي سياسي واقتصادي نتيجة فشله في إتمام الدور الذي كان مطلوبا منه، يحاول أن يشتري نفسه بواسطة الإيراني الذي لحسن حظ التركي يحتاجه اليوم لأسباب عديدة أهمها مواجهة الضغط الطائفي السعودي المتحالف مع الاسرائيلي . في مثلث الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة التي تتصارع على الفراغ الاستراتيجي العربي قيام التركي بخطوة تقارب نحو الإيراني لن يرفضها بالطبع هذا الأخير خصوصاً وانها لا تأتي من قوة بل بلحظة ضعف شديد.
في مثل هكذا لوحة سياسية للقوى المؤثرة في جنيف 2 لم يكن من الممكن التوصل لغير ما توصل إليه. فاولايات المتحدة لن تعترف بميزان القوى السوري الداخلي. فامتلاكها لأوراق أخرى في أمكنة أخرى من العالم تتيح لها المزيد من الوقت لمحاولة التعديل من الخارج السوري.
بانتظار ذلك سوف يبقى الوضع السوري ملتهباً. في هذا الإطار يمكن ربما فهم التصريح الأميركي حول إرسال أسلحة إلى الأطراف “المعتدلة” كالنصرة وأخواتها. لا بهدف تغيير ميزان القوى الداخلي فهذا صار من سابع المستحيلات على حد قول المسؤولين الأميركيين أنفسهم، بل بهدف كسب الوقت.
يبقى الدور السوري. السؤال هو هل يستطيع السوري أن ينهي الهجوم عليه في الأشهر المتبقية لجنيف الدولي1 ؟ هل يستطيع أن يحقق معجزة التحرير فينتزع له دوراً مستقلاً في المحاورات القادمة قريباً؟ الإحتمال ليس مستحيلا حسب المعطيات المتوافرة.