لا فشل لـ«جنيف٢» وإلى اللقاء في «جنيف٣»
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
ما أن حزمت البعثات التي شاركت في مؤتمر (السلام) «جنيف ٢» حول سوريا حقائبها، حتى خرجت التعليقات في مجمل وسائل الإعلام وقد تلونت بألوان التشاؤم بشكل عام وإن طرزها مؤيدو هذا الطرف أو ذاك ببعض التلميحات التي توحي بانتصار طرف على آخر.
رغم هذا فإن مجرد انعقاد مؤتمر بحضور طرفي النزاع: المعارضة والنظام، هو بحد ذاته بارقة أمل وإن لم يؤدي بسرعة إلى النتيجة المرجوة أي وقف القتال وإنقاذ أرواح السوريين الذين يدفعون ثمن هذه الثورة التي تحولت إلى حرب أهلية.
إن ملامح الفشل التي تحدث عنها الإعلام ليست بسبب مضمون المباحثات إذ أن جمع المعارضة والنظام حول طاولة واحدة في غرفة واحدة دون ان يقلب الطاولة أي من المفاوضين هو بحد ذاته انتصار لشعار «لا حل سوى سياسي» وانتصار لمبدأ الوساطة والتفاوض.
لنترك جانباً العرابين الروسي والأميركي رغم أن مجرد عقد الاجتماع يعتبر نجاحاً لسياسة «توافق الكبار يردع الصغار»، ولا ننسى المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي الذي رغم كل العقبات استطاع «جر» الفريقين إلى «غرفة الاختلاء». لنأخذ الفريقين السوريين ولنرى ميزان الإيجابيات والسلبيات التي سجلها كل من الفريقين (حتى لا نقول أرباح وخسائر) ومدى إمكانية تحويلها إلى مداميك بناء الحل النهائي. ذلك أن كل حل هو نتيجة تضافر عوامل إيجابية وسلبية معاً أو ما يسمى بـ«محصلة القوى».
بالنسبة لفريق النظام، أي الحكومة السورية، فهو سجل نقطتين إيجابيتين: خروجه من العزلة وتأكيد الجميع على ديمومة النظام كهكلية لدولة سورية. النقاط السلبية كانت جلوسه على طاولة تفاوض مع من يتهمهم بأنهم «أدوات الخارج» والتفاوض معهم في غرفة واحدة والاستماع إليهم واعترافه بأنهم «سوريون معارضون» و… أخذ موعد للقاء ثان مقبل.
نرى هنا أن ما وصفناه بالسلبيات لممثلي الحكومة السورية هي في الواقع إيجابيات في أي حل نهائي سليم.
بالنسبة للمعارضة فإن الأمور أكثر تعقيداً.
الإيجابيات كثيرة أولاً يمكن قطف بعضها من سلة سلبيات فريق النظام معكوسة فهي باتت معارضة معترف بها من قبل النظام (تفاوض في غرفة واحدة ولقاء مرتقب مقبل). ولكن يضاف لها إيجابيات أخرى مثل القدرة على «الحسم السياسي» في قرار المشاركة عوض عن الانعزال عن مسار يريده المجتمع الدولي عن حسن نية أو لهدف في نفس بعض قواه. وهي حضرت اجتماع الافتتاح محاطة بـ«أصدقائها وخصومها» في مواجهة وفد النظام، ودخولها هذه المرة «الحلبة الدولية» كان بحضور ممثلي الحكومة السورية التي ما زال لها مقعد في الأمم المتحدة ومعترف بها وتتفاوض معها المنظمات الدولية… وفي هذا مربح كبير للمعارضة ودحض للترويج لنظرية المؤامرة، وهو اعتراف من الحكومة السورية بدور لها في «الشؤون السورية» وهذا كاف لإسكات معارضي المشاركة.
أما السلبيات في كفة المعارضة فهي عديدة ولكن كلها يمكن أن تتحول إلى إيجابيات في بناء سوريا الغد في حال تم أخذ أسبابها ومسبباتها بعين العلاج والمداواة: ١- أولا سلبي جداً كان وصولها «ناقصة» بعد تردد وعزوف قسم كبير من أركانها. ٢- وسلبي أيضاً كان وضوح عدم إمساكها بالمقدرات العسكرية على الأرض السورية وضعف إمكانياتها أمام إمكانيات القاعدة بكافة مشتقاتها. ٣- سلبي أيضاً عدم تمثيل كافة مكونات الشعب السوري خصوصاً الشق الكردي من المكون السوري. ٤- ولكن النقطة السلبية الأكثر تأثيرآً والتي تركت أثاراً على «تقييم نتائج جينف ٢» هي وضع مسألة «تنازل الأسد عن السلطة» كشرط لأساسي للتفاوض، ورغم أنه من مقومات التفاوض رفع سقف المطالب وصولاً إلى حد أدنى إلا أنه بمجرد أن هذا الشرط لم يحصل عد ذك فشلاً لها. وهو ما دفع مؤيدي النظام للصراخ عالياً بالانتصار، ورمى المراقبين ووسائل الإعلام في واد إعلان فشل جنيف ٢.
كل هذ السلبيات يمكن أن تتحول إلى إيجابيات: ١- يجب العمل بانتظار تاريخ جنيف ٣ (١٠ شباط/فبراير) على جمع أكبر عدد ممكم من مكونات الائتلاف ضمن وفد المعارضة. إيا كانت الشروط المتبادلة يجب محاولة تذليلها وصولاً إلى توسيع شريحة المشاركين. ٢- العمل العسكري على الأرض يجب أن يكون «بعيداً عن الوصولية العسكرية وواضح الأهداف» ليظهر جلياً أن محاربة الإرهاب ليس فقط محصوراً في جيش النظام. وفي حال «اختلاط الجبهات» يجب على الجيش السوري الحر أن «يختار أهون الشرين» وهذه قرارت صعبة جداً ولكنها تدخل التاريخ الذي يكتب للوطن السوري (وقد واجه ماو تسي تونغ وقوات تشان كاي تشك هذه المعضلة في معاركهما مع الجيش الياباني المحتل: في العديد من المعارك وجهت القوتان الصينيتان نيارنهما للجيش الغريب). وقرارت مثل هذه لا تزيد فقط من صلابة الدعم الغربي ولكنها تقرب المعارضة من الدب الروسي الخائف (حسب قوله) من الحركات الجهادية وتعري مقولات النظام. ٣- المكون الكردي يعلن يومياً أنه لا يريد الانفصال وهو يشكل القوى السورية المعارضة الوحيدة التي تمسك بمناطق كبيرة يمكن أن تشكل موطئ انطلاقة وتنظيم للمعارضة من هنا وجب العمل على ضم هذا المكون دون الوقوع في مطبات «رفض سمك ما زال في البحر» ووضع شروط قومية … قبل الوصول إلى الحكم. ٤- إن الشروط المسبقة في حال كانت تنسف هدف التفاوض التي جآء المفاوض الآخر لأجله تضر أكثر مما تنفع. يجب بناء مسار عام سياسي والعمل على إدخال ترتيبات داخل هذا المسار تسمح بالوصول إلى «أقرب نقطة من أهداف المعارضة» لا يمكن لأي مفاوض جدي أن يعتقد أنه جاء يفاوض للحصول على «كل ما يريد». يجب التنبه إلى قوة الشعار الذي يروج له النظام والقائل «الشعب السوري وحده يقرر من يحكم سوريا». قد يكون في ذلك الكثير من الديماغوجية ولكن حسب العلم التواصلي فإن هذه المقولات تجد صدى في صدور الشعب خصوصاً بعد ثلاث سنين من الموت والدمار، بسبب كل ما ذاقه المواطنون ورغم ذلك.