“المعهد الفرنسي” آخر ورقة لتفعيل “دور باريس واطلالتها على العالم”
باريس – بسّام الطيارة
منذ وصول الجنرال شارل ديغول إلى الحكم، مباشرة بعد الحرب وتحرير فرنسا من نير الاحتلال النازي، وهاجس السلطات الفرنسية هو «دور فرنسا وإطلالتها على العالم»، خصوصاً وأن دور الولايات المتحدة بعد الحرب كان يتألق بعد الانتصار، وزاد نفودها مع الدخول في عهد الحرب الباردة.
ويدرك الفرنسيون أن أميركا هي في النهاية الوريثة الحضارية الشرعية لبريطانيا العظمى التي أمضوا قروناً يتنافسون معها حضارياً. خروج فرنسا من الحلف الأطلسي أراده ديغول تحت هذا العنوان، والانفتاح أولاً على موسكو ستالين، وبعد ذلك على صين ماو تسي تونغ، كان من ضمن هذه السياسة الرافضة للهيمنة الأنكلوساكسونية سياسياً وثقافياً واقتصادياً.
إلا أن الأيام دارت وتغيرت الطواقم السياسية الفرنسية. فرانسوا ميتران حافظ على الخط الديغولي، رغم الخصومة السياسية في الداخل، واهتم الرئيس الاشتراكي بـ«دور فرنسا في العالم»، وكان ذلك من تبريرات مشاركته بحرب الخليج الأولى لتحرير الكويت. ودافع عن اللغة الفرنسية، فأسس منظمة الفرنكوفونية لمنافسة الكومنولث الأنكلوساكسوني.
جاك شيراك خطا خطوة نحو الحلف الأطلسي، فقبل بـ«حضور ضباط فرنسيين اجتماعات ضباط الأركان»، قبل أن يبتعد بسبب حرب العراق الثانية عام ٢٠٠٣، إلا أنه وضع أول مدماك لبناء عودة فرنسا إلى الحضن الأطلسي.
نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الذي «وضع يده على الحزب الديغولي»، قبل أن يدخل الإليزيه، اندفع مباشرة في عودة كاملة إلى أحضان الحلف الأطلسي، وكانت الحرب الليبية الأخيرة أفضل مثال على انخراط باريس الكلي في التنظيم الذي تهيمن عليه أميركا، مهما تحدث البعض عن القرارات الجماعية.
بقي أمام الفرنسيين الثقافة (اللغة الفرنسية ونمط الحياة الفرنسية الخاصة)، وبعض التكنولوجيات المتقدمة، أبرزها النووي والقطارات السريعة والطيران الحربي المتمثل في شركة داسو للطيران، مصنعة «ميراج» Mirage سابقاً و«رافال» Rafale حالياً، إلى جانب قوة اقتصادية تستند إلى الدور الفرنسي المحرك في الاتحاد الأوروبي.
أما سياسياً، فقد كانت «العلاقات الفرنسية -العربية» حجر أساسي في الديبلوماسية الفرنسية. الأزمة المالية مرت من هنا وتهتز أوروبا بقوة تحت وطأة التهديد بخفض علامات التقييم لأهم اقتصادياتها وأفق إفلاس بعضها. بينما جاءت كارثة فوكوشيما لتعيد النظر في مبدأ الطاقة النووية، ناهيك عن أن «أقرب حلفاء فرنسا» باتوا يفضلون شراء مفاعلات نووية كورية، مصنعة بترخيص من شركة وستنغهاوس الأميركية. وحتى اليوم، وبعد عقدين من إطلاق طائرات رافال المقاتلة، لم يتقدم أي زبون لشرائها، ما يجبر وزارة الدفاع على شراء ٢٨٥ طائرة، وهو ما حدا بوزير الدفاع جيرار لونغي لإعلان وقف سلسلة التصنيع في الثلاثينيات المقبلة «في حال لم يتقدم أي زبون» لشرائها (الإمارات والهند والبرازيل يترددون كثيراً وهم خاضعون لضغوط مكثفة من واشنطن لشراء طائرات أميركية).
لم يمنع هذا الفرنسيين من التفكير بـ«آخر ورقة» في يدهم. وهي ورقة الثقافة والإشعاع الحضاري الفرنسي، وكان هذا وراء مهمة إصلاح العمل الثقافي والتعاون الخارجي، وبالتالي إنشاء المعهد الفرنسي Institut Français اذي كلف برئاسته وزير التربية السابق كزافييه داركوس.
أنشئ المعهد الفرنسي في الأول من كانون الثاني/ يناير 2011 بموجب قانون يعود للسنة الماضية، ومهمته العمل الثقافي. ووضعت في تصرفه الإمكانات البشرية والمالية المعززة من أجل إعطاء انطلاقة جديدة للديبلوماسية في النفوذ، و«المساهمة في إشعاع فرنسا في الخارج».
وكان لـ«أخبار بووم» لقاء مع الرئيس داركوس، الذي شرح أنه يعمل «وفق مسعى يجمع بين الإصغاء والشراكة، وتجسيد قيم حوار الثقافات والتنوع الثقافي واللغوي» بين فرنسا ودول العالم. وأن المعهد يأتي بدل جمعية «ثقافات فرنسا» Culturesfrance وتم توسيع مهماته ليأخذ شكل مؤسسة عامة ذات طابع صناعي وتجاري. وأضاف أنه يندرج في إطار عملية إصلاح طموحة لدبلوماسية النفوذ الفرنسية التي سوف تترجم أيضاً بدمج المراكز الثقافية الفرنسية في الخارج مع أقسام السفارات المكلفة بالتعاون والعمل الثقافي من أجل إنشاء «معاهد فرنسية».
وأوضح أن العمل سوف يبدأ هذه السنة بـ12 بلداً. وقال دراكوس رداً على سؤال «أخبار بووم» بأنه من المتوقع أن «يختفي دور الملحق الثقافي» من السفارات مع الوقت. وأعلن داركوس أن ميزانية المعهد تبلغ نحو الـ٣٠٠ مليون يورو لرفع، ليس فقط الثقافة الفرنسية في الخارج، ولكن أيضاً لدعم الديبلوماسية الفرنسية.
وقد نظم المعهد الفرنسي في مطلع الاسبوع مؤتمراً تحت رعاية الوزارة الخارجية، ودعا إليه عدداً لا بأس به من المختصين في االعمل الثقافي بين فرنسا ودول العالم. ورغم أن «الربيع العربي» والانفتاح على «الديموقراطيات الجديدة» كان، حسب قول داركوس، على رأس أولويات المؤتمر والأهداف القريبة للمعهد، إلا أن «شخصيتين عربييتين فقط» قدمتا من العالم العربي، وفي المقابل كان هناك عدد لا بأس به من العاملين في الشأن العربي من دول أوروبية ومن اسرائيل أيضاً.
رغم نجاح المؤتمر، إلا أنه لم يخفِ التناقضات بين الثقافة والحضارة الفرنسية المنفتحة على العالم، وبين الرغبة بـ«تسويقها كماركة تجارية»، وهي الصيغة التي يراها البعض قادرة على منافسة الأميركيين.
ويأتي هذا بينما تخضع الديبلوماسية الفرنسية لعملية شد حزام بسبب الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد وبأوروبا، ورغم هذا، لم يتردد الوزير ألان جوبيه من الحديث عن «سوفت بوير»، القوة الناعمة لوصف التوجه الديبلوماسي الجديد، الذي يبدأ من الكي دورسيه، وينتهي في شبكة المعاهد الفرنسية المزمع إنشاؤها في العالم مروراً بانترنت الشبكات الثقافية.
وقد شارك، إلى جانب جوبيه، وزير الثقافة فرديريك ميتران، في المؤتمر الذي نظم في «كوليج دو فرانس» (Collège de France)، وقد انتقد عدد من الحضور كون «كافة المدعويين تقريباً من مدراء شركات كبرى»، وهي بعيدة كل البعد عن الدور الثقافي لفرنسا، ولكنها، حسب ما قال لـ«أخبار بووم» أحد المشاركين، قريبة جداً من المتبرعين لدعم تنظيم التظاهرات والنشاطات الثقافية.
يضاف إلى ذلك أن المواضيع التي تم التطرق إليها لا تلاقي هيكلية الديبلوماسية الفرنسية وتبقى داخل إطار الحديث العام عن «تصدير الفكر الفرنسي». ورغم أن الرغبة المعلنة هي تحديث التعاطي الديبلوماسي، إلا أنه تم التغاضي عن الكثير من الهفوات والأخطاء الأساسية التي عصفت بالكي دورسيه منذ سنوات، وخصوصاً في عهد الوزير برتار كوشنر الذي ألغى مثلاً مركز التحليل والترقب، الذي كان يعد القلب النابض للديبلوماسية، وحلت محله «مديرة الترقب» التي يتفق الجميع على أنها غير فاعلة. فهي عجزت عن “استشفاف الثورات العربية، وحتى، في حال الكلام عن انترنت والثورة الرقمية، عجزت عن تقدير مدى تفاعل الشباب العربي والصناعات الرقمية الجديدة.”
وقد لاحظ البعض أن هذا المؤتمر يأتي بعد أيام من مؤتمر في لاهاي لسكرتيرة الدولة هيلاري كلينتون، التي شجعت فيه العاملين والناشطين على شبكات الانترنت، بينما يذكر الجميع أن «النشاطين الرقميين» الذين كانوا ملاحقين من الأنظمة الديكتاتورية، لم يكونوا يحظون برعاية الديبلوماسية الفرنسية إلا إذا تكلم عنهم وعن حالاتهم الإعلام.
إلا أن داركوس أكد لـ«أخبار بووم» أن التوجه الجديد للثقافة الفرنسية في الخارج سوف يفتح آفاقاً جديدة، خصوصاً في الدول التي تخطو على طريق الديموقراطية. وأشار إلى ان العمل الأولي سوف يتوجه إلى الكويت وتونس، ولكن تنظيم المؤتمرات لن يكتفي بالوقوف على عتبة الدول الفرانكوفونية، بل سوف يقتحم عرين الأنكلوساكسونية وغيرها، وسوف تُنظم مؤتمرات ومهرجانات في اسبانيا وبريطانيا وبنغلادش. وأعلن أن أول لقاء في العالم العربي سوف يكون في المغرب في إطار معرض الكتاب المقبل، منوهاً في الوقت نفسه بدور معرض الكتاب الفرنسي في بيروت في البيال. كما أشار إلى عدد متزايد من المحاضرات التي سوف تنظم بالتوافق مع معهد العالم العربي المكمل لمهمة المعهد الفرنسي.
تحليل سطحي جدا ومغالطات كثيرة تتخلل مقالك. ليس ميتران من أسس منظمة الفرنكفونية بل جورج بومبيدو، والمعهد الفرنسي الذي تتحدث عنه عمره نصف قرن ويوجد ب24 بلدا. رسالته إشعاع الثقافة الفرنسية وترسيخ اللغة والآداب الفرنسية في كاتالوغ الآداب العالمية. دعك من الكتابة في مواضيع لا تفقه فيها وتفرغ لكتاباتك في السياسة وفي الملفين اللبناني والسوري على الخصوص. وفقك الله
شكراً على التعليق:
للمعلومات المعهد الفرنسي تأسس بموجب قانون صادر بتاريخ ١٢ تموز/يوليو عام ٢٠١٠ ليحل محل مؤسسة «ثقافة فرنسا» (CultureFrance) الذي كانت تدير «المعاهد الـ ٢٤ التي أشرت أنت إليها»٬
يمكنك التأكد من عدم وجود «مغالطات ولا معالجة سطحية» استناداً إلى الرابط التالي الذي يصلك مباشرة بوزارة الخارجية الفرنسية الراعية لـ«المعهد الجديد» (http://www.gouvernement.fr/gouvernement/l-institut-francais-nouvelle-agence-de-l-action-culturelle-exterieure-de-l-etat).
أما بالنسبة للفركوفونية فهي تأسست بالفعل عام ١٩٧٠ أي في عهد جورج بومبيدو ولكنها لم تأخذ طابعها السياسي ذلك أن تيار الفرانكوفونية الذي دعى إليه الرئيس السنغالي ليبوبولد سنغور وقبله الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة كانت الدعوة ما زالت تياراً فكرياً يدور حول اللغة الفرنسية من دون أن تتجسد له قائمة سياسية.
فرنسوا ميتران دعا في عام ١٩٨٦ إلى أول قمة لرؤساء الدول الفرانكوفونية وذلك ما بين ١٧ و١٩ شباط/فبراير تحديداً. لا داعي لأي رابط يكفي كتابة اسم ميتران وفرنكوفونية في أي محرك بحث تجد المادة المطلوبة.
نشكرك مرة أخرى على التعليق وأهلاً بك قارئاً لصحيفتنا الإلكترونية «أخبار بووم» وثق أننا نسعد بأي تعليق أياً كانت لهجته ومحتواه.
تاريخ نشر التعليق: 2011/12/14ب.ط.
اُكتب تعليقك (Your comment):