نشر الجيش الأردني قطاعاته في شمال المملكة قرب الحدود السورية، حيث يواجه النظام منذ تسعة أشهر ثورة شعبية. ويستعد النظام الهاشمي لاستيعاب وصول مكثف للاجئين سوريين على أرضه في حال تفاقم القمع الذي قضى، حتى اليوم، على أكثر من ٤٠٠٠ ضحية.
منذ بدء الثورة ضد بشار الأسد انتقل ١٥٠٠ سوري للعيش في الأردن، ومن منذ أيلول/سبتمبر وصل نحو ١٢٠ منشقاً من الجيش السوري طلباً للجوء في المملكة الجارة. وأفضل مثال على أن السلطة الأردنية لا تثق بالجنود الفارين من سوريا، فقد استلمتهم أجهزة المخابرات ووضعتهم في مخيم قرب مدينة سلط على بعد نحو الـ ٢٥ كيلومتراً غرب عمان العاصمة، ومنعوا من التحدث إلى الصحافيين. ويسمح فقط للعاملين في الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة مثل الوكالة العليا للاجئين بالتواصل معهم.
ويشرح أحد الخبراء الغربيين المقيمين في عمان بأن «الأردنيين يتخوفون من أن يكون النظام السوري قد زرع بين هؤلاء المنشقين بعض العناصر التي يمكن أن تسعى للقيام بعمليات لإثارة القلاقل في المملكة». كما أن المملكة لا تود أن تنطلق عمليات عسكرية عبر حدودها مع سوريا.
إن الأردن قد صوت رسمياً على كافة العقوبات التي أقرتها الجامعة العربية بحق سوريا وكان الملك عبدالله أول مسؤول عربي يدعو بشار الأسد، من على موجات الـ«بي بي سي»، للتخلي عن الحكم. ولكن في وضع المملكة الهش فإن هامش المناورة ضيق والواقع يحمل أكثر من لون.
مباشرة بعد المقابلة مع الإذاعة البريطانية أرسل مكتب الملك في عمان بياناً للصحف وسائل الإعلام يصحح فيه ما جاء على اللسان الملكي ويقول «إن جلالته لم يرد قول ذلك». كما أن الدبلوماسيين الأجانب سمعوا نفس التصحيحات من قبل الرسميين الأردنيين. وقد ذكر مرتين الملك عبدالله أن بلاده معارضة لإقامة منطقة عازلة في الأراضي السورية على حدوده.
وبعد أيام، أعلن رئيس الوزراء الأردني أن بلاده سوف تطالب بإعفائها من الالتزام ببعض العقوبات التي أقرت. وكانت الحجة التي قدمتها السلطات الأردنية هي أن التجارة مع سوريا تشكل باب رزق للعديد من الأردنيين، وأن الأزمة الاقتصادية الحالية لا تسمح بزيادة كوكبات العاطلين عن العمل، إذ إن ١٢٠٠ شاحنة تعبر يوميا الحدود بين البلدين.
في الواقع فإن السلطات الأردنية تخاف كثيراً مرحلة ما بعد بشار الأسد، حسب قول الخبير الغربي. ولا ترى أي سلطة يمكنها أن تحل محله، كما أن النظام الأردني لا يزال مرتاباً من أبرز تجمع للمعارضة السورية، أي المجلس الوطني السوري، ويرى أنه لا يمثل بشكل كامل سوريي الداخل.
يضاف إلى كل ذلك أن النظام الأردني يدرك قدرة جاره على الإيذاء، ويخاف من أن تشكل المملكة نقطة الضعف التي يمكن لدمشق أن ترد بهجوم معاكس عبرها، في حال وجدت نفسها محاصرة ومهددة، وذلك بعكس الاستراتيجية التي تطبقها سوريا في لبنان، حيث تلعب ورقة التهدئة والاستقرار، أو في العراق الذي يواجه تصاعد العنف قبل انسحاب القوات الأميركية، أو حتى مع إسرائيل إذ أن سوريا لم تصفي أي من حساباتها بمواجهة مباشرة مع الدولة العبرية.
وبالنهاية فإن المعارضة السورية لا تجد إجماعاً داخل المجتمع الأردني. فالتأييد الذي تحظى به يجاور الـ ٥٠ في المئة مقابل ٥٠ في المئة من غير المؤيدين. فقدامى البعثيين والقوميين العرب، إضافة إلى المسيحيين، لا يودون سقوط الأسد، بعكس الإسلاميين الذين يؤيدون بشدة المعارضة.
Georges Malbrunot