حمص في الاعلام الأجنبي: اقرار بتعقد الأوضاع… وخوف من المستقبل
في الخامس عشر من شهر اذار/ مارس الماضي، اندلعت أولى شرارة الاحتجاجات في سوريا. ظن البعض أنها سحابة سرعان ما ستنجح السلطات في احتوائها وعوّل على أن انتهاء الأزمة لن يتطلب سوى أيام، لكن ذلك لم يتحقق. انتقل البعض نفسه للحديث عن اسابيع معدودة لكن ايضاً الأزمة استمرت واتسعت رقعة الاحتجاجات. فكان كل أسبوع يمضي ويراهن البعض أنه أسبوع عودة الأمور إلى نصابها، يشهد دخول مناطق جديدة دائرة الاحتجاجات على وقع الأنباء عن سقوط ضحايا جدد ولا سيما أيام الجمعة التي كان عدد من المتظاهرين يصل إلى ذروته.
هكذا التصقت التظاهرات المناهضة للنظام، والتي بدأت برفع شعار الاصلاح قبل أن تنتقل إلى شعار اسقاط النظام، في ذهن متابعي تطورات المشهد السوري بمناطق مثل درعا، حماه، ادلب، تبليسة وبعض من ريف دمشق وحمص.
وفي حين كانت الأوضاع في معظم هذه المناطق تهدأ حيناً وتشتعل أحياناً أخرى، وحدها حمص كانت ولا زالت تشهد حراكاً متواصلاً لم ينقطع منذ دخولها إلى دائرة الاحتجاجات، ولذلك كان من الطبيعي أن تتحول الأنظار إليها بعدما باتت تلقب في أوساط المحتجين ومؤيديهم بعاصمة الثورة السورية. سبب اضافي للاهتمام الكبير بحمص من دون غيرها، تمثل في أن المدينة شهدت موجات متقطعة من العنف الطائفي، جعل البعض يتخوف من أن تتحول الأحداث في حمص إلى شرارة الحرب الأهلية السورية، ولا سيما أن المدينة نفسها باتت معقلاً للمسلحين المناهضين للنظام، سواء من الذين يؤكد الجيش السوري الحر أنهم انشقوا عن الجيش السوري وانضموا اليه، أو من المدنيين الذين يدافعون عن قرار رفعهم السلاح بأنهم ضاقوا ذرعاً بممارسات النظام تجاه المتظاهرين السلميين. فكان من وجهة نظر، لا بد من تأمين الحماية المسلحة لهم، متهمين السلطة بالتضليل ونافين صحة ما تتحدث عنه الحكومة السورية، بشكل شبه يومي، عن وجود مجموعات ارهابية مسلحة تقف وراء استهداف المواطنين السوريين، ومشددين على أن ما تبثه من اعترافات على شاشة التلفزيون السوري ليس سوى اعترافات مفبركة يجبر عليها المعتقلون تحت وطأة التهديد والتعذيب.
وفي ظل عدم تقاطع اي من روايات المحتجين والمسلحين مع رويات السلطات السورية، فإن معرفة حقيقة ما يجري بات شبه مستحيل من دون زيارة للمدينة. وهي مهمة بدورها شبه مستحيلة في ظل رفض السلطات السماح لوسائل الاعلام الأجنبية بالدخول بعيداً عن اعينها إلى المناطق التي تشهد اضطرابات. لكن الاستسلام في نظر بعض المراسلين الأجانب كان هو المستحيل، فأخذوا على عاتقهم الدخول سراً إلى حمص، ونقلوا، عبر وسائل اعلامهم، بعضاً من طبيعة ما يجري في أجزاء من المدينة.
فظهرت تقارير مصورة على محطات هيئة الاذاعة البريطانية وسكاي نيوز وغيرهما العديد لتتقاطع تقاريرهم حول عدد من النقاط، ومن بينها أن المدنيين هم الأكثر تضرراً من الأحداث.
فعمليات البحث عن الغذاء في المناطق الساخنة، كمنطقة بابا عمرو، تحولت إلى مهمة خطيرة، وفقاً لما نقله كبير مراسلي “سكاي نيوز” ستيوارت رامزي، في ظل احتمال اندلاع اطلاق نار في أي لحظة، ليجد البعض ممن في الشارع نفسه يركض هرباً من دون أن ينجح في تأمين احتياجاته في بعض الأحيان، في حين بدا البعض الآخر في تقرير رامزي أنه قد اعتاد على هذه الأجواء. فحتى اطلاق النار المتواصل لم يعد يدفع، في كثير من الأحيان، المتواجدين في الشارع إلى الاختباء بل جل ما يفعلونه على حد قوله “أخذ الحيطة” لعدم التعرض للاصابة.
أما في أوقات الاحتجاج، فيختلف الوضع لتصبح عمليات الكر والفر بين المتظاهرين والعناصر الأمنية، المتمركزة في بعض نقاط التفتيش القريبة، هي المسيطرة، ويتخللها غالباً سقوط اصابات يحتاط منها المتظاهرون بسبب ضعف الامكانات الطبية المتوافرة لهم. فعيادات علاج الجرحى الميدانية بدائية، تفتقر للتجهيزات المتقدمة، وتعاني من نقص في عدد كبير من الاحتياجات الطبية، لتحد من قدرة الأطباء العاملين فيها على منح المصابين العلاج اللازم، ليكون أحد نتائجها “عدم نجاة أي شخص يتعرض لاصابة بالرأس”.
أما خيار نقل المصابين إلى المشافي الحكومية، فهو وفقاً للشهادة التي نقلتها مراسلة “بي بي سي” سو لويدز روبرت في احد تقاريرها، غير وارد لأنه محفوف بالمخاطر لوجود احتمال بتعرض المصابين في مستشفيات الحكومية إلى عمليات اعدام، وفقاً لشهادة احد الأطباء المؤيدين للثورة السورية الذي قال: “يدخل أي شخص المشفى باصابة بسيطة في يده او رجله، ومن ثم يستدعى أهله لاستلام جثته مع طلق ناري في الرأس أو الصدر”.
ولتقليل خطر وقوع الاصابات في التظاهرات، يلجأ المحتجون وفقاً لما اظهرته التقارير نفسها إلى “حيل”، كالاعتصام ليلاً، ووسط أبنية مرتفعة، بما يؤمن لهم، وفقاً لما ينقله المراسلون، حماية أكثر من التعرض لاصابات، خصوصاً وأن المدينة تشهد تصاعد اطلاق النار في الليل، الذي يشهد أيضاً وفقاً للتقارير معظم عمليات الانشقاق. وهو انشقاق محفوف بدوره بالعديد المخاطر. فالمنشقون يجدون أنفسهم بناء على التقارير بين خيارات محدودة. إما النجاح بالفرار، أو التعرض للاعتقال، أو الاصابة خلال عمليات الملاحقة أو الموت، والخيار الأخير يفضله البعض على البقاء في الخدمة بما أن ما ينتظره في الجيش أسوأ ومن بينه ما ادعاه أحمد في حديث لمراسلة “بي بي سي” عن أنه في صفوف الأمن العسكري كانت مهمته “اطلاق النار على الجنود الذين يرفضون اطلاق النار على المتظاهرين”. او محمد الذي تلقى اوامر باطلاق النار على كل شي يتحرك في الشارع، ليتخذ على اثرها القرار بالانشقاق.
اجماع آخر تقود إليه التقارير المتواترة من حمص، ومن بينها أن “قوة النار ليست بيد طرف واحد”. فهكذا يُظهر شريط “بي بي سي” أحد القناصة المنتمين للجيش السوري الحر وهو يستعد لاصابة رجل أمني سوري يقف حارساً لأحد المباني الأمنية.
ولأن السلاح متواجد في التقارير من الطرفين، ولأن المتواجد منه مع عناصر الجيش السوري الحر يتخطى الأسلحة الفردية التي حملوها معهم لحظة انشقاقهم، فإن تهريب السلاح يصبح أمراً محسوماً. وهكذا أظهرت تقارير الفضائيات العالمية عن وجود عمليات تهريب اسلحة خفيفة لايصالها إلى الجيش السوري الحر. أما الهدف منها أو من العمليات التي يقومون بها فهي من وجهة نظرهم تهدف بالدرجة الاولى إلى “التخفيف من ضغط قوات الأمن السورية”.
ومن هذا المنطلق، لم يجد مراسل “بي بي سي” بول وود حرجاً من القول إن “الاحتجاجات التي تشهدها سوريا في مدينة حمص تحولت إلى تمرد مسلح، فيما أقر مراسل “سكاي نيوز” أن التظاهرات التي بدأت سلمية تغيرت الآن، مشيراً في الوقت نفسه إلى عمليات حماية يوفرها المنضمون الى الجيش السوري الحر، الذين تنقصهم الذخيرة المتطورة.
أما مآلات الأوضاع في حمص وباقي المدن السورية فتبقى حتى اللحظة في عالم المجهول، بعدما اختلط النضال السلمي بالنضال المسلح، وهو ما عبرت عنه “بي بي سي” في أحد تقاريرها بالقول: “مع طول أمد الصراع تزداد فرص وأد النضال من أجل تحقيق ديموقراطية في حمام دم طائفي”، في حين نقل مراسل “سكاي نيوز” عن أحد قادة الثوار قوله “ربما ما كنا لنبدأ لو كنا نعرف أن الأمور ستصل إلى هنا”. وهو موقف يرفضه بعض المحتجين بشدة مصرين على الاستمرار في تحركاتهم “حتى النهاية وحتى لو تطلب الأمر قتل كل واحد منا”.