- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

اكتشاف الطائفية

robertروبير بشعلاني

شباب الصحافة، الكتبة الصحافيون، من “الحياة” وصولاً إلى ” ألاخبار”،  اكتشفوا هذا الصباح أهمية الظاهرة الجنبلاطية. اكتشفوا واقعيته وراهنيته. تقلباته المفاجئة لم تعد مثار السخرية بل الاحترام. إنه العارف باسرار الصيغة والبلاد. الواقعي الذي حاول منذ زمن ان يقنع الجميع باستحالة النصر الماحق.قال للكل أنكم لا شيء في “لعبة الامم”.

كل الناس، دادي دادي، تكتشف أن البلاد طائفية. عظيم. الدليل أنهم كانوا ما زالوا يراهنون على النصر الحديث.

جنبلاط طبعا يختزن في لاوعيه كل تجربة عائلته التاريخية في الحكم والطائفية منذ العثمانيين الذين لم يهضموا أحدا في اي مكان حكموه ، فالنظام العثماني لم يعمل على صهر المجتمع بل تجنبوه عبر ربطه، كما هو، بالعنف الضريبي وبالانكشارية، جيش الأطفال الأوروبيين المخطوفين الغرباء الذين لا عصبية لهم غير الدولة.

حتى يكتشف الجميع أن البلاد مجزأة أيضا على قياس هذه الطائفيات، وحتى يكتشفوا انهم ضحية منظومة نهب على رأسها الناهب الخارجي ونواطير محليين يعملون بخدمته وحتى يكتشفوا أنهم لا يحق لهم غير الاستهلاك بالقليل الباقي غير المنهوب، وحتى يكتشفوا أنهم بعهدة مخفر “يسهر” على أمن هذه المنظومة،

حتى يكتشفوا كل هذا فإن المفاجآت الطائفية، الخيبات، ستتوالى في لبنان وفي غير لبنان أيضا، لعلمكم . المشاركة والفدراليات ليست الحل بل وجها من أوجه السيطرة الاستعمارية النهبية على بلادنا. صراع الداخل مع الداخل للتفتيت.

الحركة الوحيدة المسموحة لكم هي الحركة باتجاه التقسيم, أي تقسيم.فدرالي وطني كونفدرالي ولايات الخ… أما الحركة المعاكسة فجربوا أطال الله بعمركم. هل سمح الناهب الدولي لأحد منا  أن يعمل بالاتجاه المعاكس؟ زيادة الحدود والتفتيت، ولو كانت “دولية ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة”، غير ممنوعة ابداً. التقليل منها والعمل باتجاه التوحيد هو فقط غير المقبول “دوليا” من “المجتمع الدولي”. الحدود مقدسة إذا عملت على إلغائها، لكنها مرغوبة كلما عملت على الزيادة منها. ماذا يبقى؟

الميدان الوحيد المتاح والمسموح لكم به هو الداخل. الصراعات البينية في الداخل التي لا تطال اسس السلطة ولا جوهرها الفعلي ولا هويتها الفعلية. من يحكم بلادنا اليوم ؟ من يحكمها فعلا من تحت الطاولة أو من خلف الستارة ؟ سمّوا لي ثورة واحدة قامت ضد هذا الحاكم الفعلي اليوم ؟

العالم بعد الهيمنة الاستعمارية غيره ما قبلها. استمرار التاريخ انقطع. الطوائف لم تعد تلك التي كانت بالماضي. دورها اختلف وبالتالي مضمونها وكنهها. فمن غير الصحيح القول ان الصراع عاد بنا الى ألف سنة ونيف إلى الوراء. بالعكس الصراع حداثي جدا. فهو يجري لمصلحة اكبر قوة عصرية بالتاريخ البشري ولو استعملت فيه أدوات عتيقة.

أنتم احرار. بإمكانكم الحلم بدولة ديمقراطية ما شئتم. كما بإمكانكم ان تحلموا بدولة عادلة أيضاً لما لا ؟ ويمكنكم كذلك ان تحلموا بالتغيير. كل ذلك مسموح شرط الا تمسّوا المنظومة. إحلموا ما شئتم بتغييركل ما هو غير موجود بعد. أين المشكلة؟

كل الأحلام الدولتية مسموحة طالما أن الإستعمار عمل مسبقا على منع نشوء الدولة. وبدون دولة يحق لكم ان تحلموا فقط، وان تعودوا لتدخلوا بالحيطان فقط.

“خدنا بحلمك” قال لي أحدهم امس. افهمه فهو خاب ظنه من تأليف الحكومة. الحماسة تأخذنا في كل مرة لنلقي على القوى الطائفية رغباتنا وطموحاتنا. أليس هذا ما فعلناه بالسابق حين حلمنا بـ”الثورة” الفلسطينية ؟

في إحدى مسرحيات جلال خوري، على ما أذكر، هناك جملة عظيمة حفظتها لهكذا مناسبات: “السياسة ما إلها رب”. ويلي متلنا ما بيطلع من أمرهم شي. وبالنهاية الأصل الصحة. بصحتكم.