باريس محور ملفات فلسطين وسوريا وإيران
باريس – بسّام الطيارة
تلعب باريس اليوم دور «مكتب جون كيري للعلاقات العربية الأميركية». إذا باتت باريس محطة لكيري في أي جولة يقوم بها في العالم العربي أو حول منطقة الشرق الأوسط. من لا يستطيع الاجتماع به لضيق الوقت يلاقيه في عاصمة النور. العاصمة التي لا يستطيع زيارتها من دون أن تتسبب بـ«ضيق» لدى عواصم أخرى، يدعو مسؤوليها للاجتماع به في العاصمة الفرنسية. والمستفيد من فواصل العلاقات الديبلوماسية هو بالطبع نظيره الفرنسي لوران فابيوس، الذي يبدو في الصورة وكأنه محرك إضافة للديبلوماسية الأميركية.
ويقول مسؤول قرب من الوزير إن «توافق وجهات النظر بين فابيوس وكيري يسهل هذه الديناميكية اديبلوماسية» خصوصاً وأن فرنسا لم تكف عن «دعم، من دون أي تردد، جهود كيري الأخيرة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي». التردد موجود في طيات ملف الأزمة السورية رغم التصريحات الإعلامية التي تنفي أي «تباين في الملف السوري». أما في الملف النووي الإيراني فإن «التطابق تام بين العاصمتين» وتبدو باريس وكأنها «قاطرة المطالب الغربية» بينما تلعب واشنطن دور «المهدئ على جبهتين: الكونغرس وحول طاولة المفاوضات في فيينا».
هذه الملفات الثلاثة كانت على صحن زيارة كيري لعاصمة النور.
١) الملف الفلسطيني.
تم «استدعاء» الرئيس محمود عباس للقاء كيري في وقت اعتبره مصدر بأنه «دقيق جداً بالنسبة للمفاوضات الدائرة» والمفترض أن تنتهي في أيار المقبل بعد فترة «تسعة أشهر لم تشهد أي تقدم يذكر». وتواجد عباس في باريس «يصادف» مع وجود وزير الخارجية لأردني ناصر جودة. واعتبر المراقبون أن هذا اللقاء «الرباعى» له ثلاثة أهداف أساسية: أولاً إطلاع عباس على تفاصيل الاتفاق – الإطار الذي يعتزم كيري عرضه على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في الأيام المقبلة، والذي يواجه اعتراض من الطرفين الأردني والفلسطيني. ثانياً محاولة طمأنة الفلسطينيين «بحضور فرنسي» بأن هذا الاتفاق الإطار «لن يكون نهاية طريق التفاوض» وهو ما فعله الرئيس باراك حسين أوباما عند لقاءه العاهل الأردني قبل أيام في واشنطن. ثالثاً الحصول عى تعهد من الفلسطينيين بعدم «اتخاذ خطوات أحادية» (مثل الانضمام إلى المنظمات والهيئات الدولية كدولة غير عضو، وبالتالي التوجه نحو المحكمة الجنائية الدولية و إقامة الدعاوى في مسائل الاحتلال وقضم الأراضي).
ويريد كيري ويدعمه في ذلك فابيوس أن يكون إعلان الاتفاق الإطار «بداية لمسار تفاوضي نهائي» بينما يرى عباس حسب مصادر مقربه منه أن أي اتفاق يتحدث عن «يهودية إسرائيل» أو يتجاوز مسألة «حق العودة من حيث المبدأ» لن يكون له أي أمل بقبول فلسطيني. أما بالنسبة لمسألة «الوجود الإسرائيلي في غور الأردن والقدس» فإن وجود الجودة في اللقاءات الرباعية الباريسية يشير حسب مصادر متقاطعة إلى أنه «يمكن تجاوز المسألتين» إذ أن الفلسطينيين عرضوا فكرة وجود قوات دولية (أطلسية؟ أو أردنية مصرية أميركية؟) وهو بحد ذاته «تنازل يمكن البناء عليه» بتفعيله بعد فترة زمنية «ما بين خمس وعشر سنوات». أما في مسألة القدس فيبدو أن الفلسطينيين قد قبلوا فكرة «القدس عاصمة فلسطينية في ضاحية القدس الشرقية مع علم فلسطيني يرفرف فوق مسجد القبة ووضع الأماكن المقدسة تحت رعاية دولية» مع «ممر للمصلين تحت سيطرة أمنية إسرائيلية وبحضور رمزي فلسطيني».
أما الاستيطان ونسبة الأراضي الممكن تبادلها وعودة اللاجئين و«هوية» الدولة الإسرائيلية فهي ملفات ما زالت «شديدة التعقيد ومرتبطة بميزان القوى السياسية الإسرائيلية الداخلية» حسب قول متابع، من هنا فإن لفابيوس دورا يلعبه في طمأنة الفلسطينين بأنه «المفاوضات ستأخذ منحى أكثر ديناميكية حال القبول باطار الاتفاق» ويحمل فابيوس معه «قوة الضغوط الأوروبية على إسرائيل» التي بدأت تأخذ منحى قوياً. وهو ما يعتقد كيري بأنه عامل مؤثر جداً.
٢) الملف السوري
يوجد «توافق عام» فرنسي أميركي على أن «جولتي جنيف قد فشلتا بسبب عربدة النظام» ولم تحقق أي تقدم. ولا يكتفي الوزيران بـ«ملاحظة ما حصل في حمص» بل يطلبان فتح ممرات إنسانية لكافة المناطق ويوجد تعاون فرنسي أميركي في مجلس الأمن للعمل على استصدار قرار في هذا الشأن. إلا أن التباين بين الموقفين نابع من «الغموض الذي يحيط بما اتفق ويتفق عليه القطبان الروسي والأميركي» وينتظر الفرنسيون من كيري أن «يكشف ما اتفق عليه مع لافروف (سيرغي لافروف نظيره الروسي)» ولا يخفي بعض المقربين من هذا الملف «الإحراج الذي يسببه تكتم الأميركيين على حقيقة ما يبنون من سيناريو مع الروس». دون أن يمنع هذا الكي دورسيه من التشديد على أن «فرنسا ما زالت تطالب بتحقيق ما أقر في جنيف ١ على صعيد تشكيل سلطة انتقالية تمسك بمقاليد الحكم». ويعتبر مصدر مقرب بأن «موقف فرنسا هو قاطرة الموقف الدولي الذي يرى أن الحل سياسي وأن المستقبل هو للمعارضة السورية الممثلة بالائتلاف الوطني السوري بمشاركة واسعة من دون من تلطخت أيديهم بالدماء ومن دون نظام قاتل».
وتقول بعض المصادر أن فابيوس يسعى «لتعزيز مبادرة الحزم لدى الأميركيين» بعد أن تلمس تغييراً طفيفاً في موقفهم من تسليح المعارضة نتيحة إخفاق مفاوضات جنيف، التي فسرتها باريس وواشنطن بأنها «رفض لمبدأ المرحلة الانقالية وسعياً وراء الحسم العسكري» ، وتحاول باريس أن تروج بأن «الحل السياسي موجود وراء دعم عسكري للمعارضة» يعيد التوازن على الأرض وهو ما بدا أن واشنطن قد تأخذ به. إلا أن خبيراً متابعاً قال لـ«برس نت»: في الواقع «لا يمكن البناء على التصريحات يجب معرفة ما توافق عليه لافروق وكيري» مذكراً بما حصل عندما هددت فرنسا وأميركا بالتدخل العسكري قبل أن يتراجع أوباما نتيجة اتفاق مع فلاديمير بوتين.
٣) النووي الإيراني
التوافق بين باريس وواشنطن موجود بنسبة «١٠٠ في الـ١٠٠» حسب كل التصريحات الرسمية وغير الرسمية. باريس تلعب كما في الملف السوري دور القاطرة «المتطرفة» التي تطالب بالكثير بينما تلعب واشنطن دور «مرطب الأجواء». وحسب هذه المصادر لا «خوف من أي مبادرة أميركية انفرادية» كما حصل سابقاً بعد إعلان لقاءات تمت في سلطنة عمان بين الإيرانيين والأميركيين من وراء ظهر الشركاء الغربيين، إذ أن «طهران تتحدث مع الجميع الآن».
وحسب مصادر متابعة أوروبية فإن الغربيين في مفاوضات فينا التي بدأت أمس يسعون «لاتفاق شامل على مدى طويل» وتعريفهم لهذا الاتفاق هو «عدم الاستيقاظ غداً أو بعد ١٥ سنة وإيران على عتبة تصنيع السلاح النووي». من هنا فإن أي اتفاق يجب أن يقود إلى «تفكيك أي قدرة لولوج الشق العسكري للصناعة النووية» وبالتالي يجب نزع قدرة «مجمع أراك على تصنيع المياه الثقيلة – بلوتونيوم، ووقف كل الأبحاث التي تهدف إلى تعميق المعرفة النووية ذات التوجهات العسكرية، وشل قدرات الصواريخ البالستية القادرة على حمل سلاح نووي» وتشدد هذه المصادر على ضرورة أن توجد «مراقبة شاملة وقادرة وطويلة الأمد». وفي حال تم هذا الاتفاق فإن «كافة العقوبات سترفع عن إيران».
وسألت «برس نت» أحد المقربين من هذا الملف عن «تعريف الصواريخ البالستية وما إذا كان وقفها يشمل وقف إطلاق الأقمار الصناعية؟» فحاء الرد على الشكل التالي: «إن تعريف الصواريخ البالستية هي الصواريخ التي يمكنها الخروج من الغلاف الجوي للأرض والعودة لاختراقه وهو ليس متبعاً في الصواريخ التي تطلق الأقمار الصناعية». وفي جواب ثان شدد المصدر على أن «موضوع الصواريخ الإيرانية موجود في قرار مجلس الأمن رقم ١٩٢٩ الصادر عام ٢٠١٠» وبالتالي فهو ليس جديداً. ويتفق الفرنسيون والأميركيون على أن جولة المفاوضات اتي بدأت في النمسا «يمكن أن تدوم بين ٦ أشهر وسنة» إذ لا يرى الطرفان أي «عائق أمام الوصول لاتفاق» ويبرر خبير هذا «التفاؤل الغربي» بسببين أولا «تغيير ملموس لموقف الصين» قياساً على السنوات الماضية ثانياً «اتفاق الـ ٥+١ على أن إيران لديها مخزون كاف من اليورانيوم المخصب لفاعلها التجريبي».