- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حكم على رئيس عربي بالسجن

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

جاء على شريط الأنباء لكافة الوكالات الخبر التالي:
(عاصمة عربية) – مستعجل: حكمت المحكمة الابتدائية على رئيس الدولة السابق م.ع.أ بالسجن ثلاثة أيام مع وقف التنفيذ بتهمة «التفكير باختلاس أموال عامة واستغلال السلطة ومحاولة الاستفادة بطرق غير شرعية من وظيفة أحد الحراس بتكيلفه توصيل أولاده إلى المدرسة».
ما أن قرأ المحرر هذه البرقية حتى هرع فرحاً إلى رئيس التحرير وهو يرفع نسخة البرقية فوق رأسه ويهلهل «عاش القضاء عاشت العدالة». وفي طريقه كان يعطي الخبر لزملائه المندهشين. دقائق مرت وكافة العاملين عيونهم مسمرة على شاشات الكومبيوتر ويبحثون عبر محركات البحث عن ردات الفعل في العالم لهذا الحكم الذي يضاهي مفعوله نتائج الربيع العربي الشهير. هذا الحكم الذي، وإن كان يترك الحاكم في قصره، إلا أنه يعلن نهاية عهد الاستغلال والفساد والمحاباة واستعباد الموظفين والحراس وتسخيرهم إما لنقل الأولاد للمدارس أو لمرافقة حرم إلى الكوافير أو لجلب القمصان والفساتين من عند المصبغة.
كانت الفرحة حقيقية بين الصحافيين وجميع العاملين في الوسيلة الإعلامية. كان الجميع ينظر إلى بعضه البعض ودموع خفيفة تترقرق في عيونهم ولسان حالهم يقول: «عهد التسلط بات وراءنا». شطّت أفكارهم نحو انعكاسات هذا الحكم «المخفف» على مستقبل البلاد العربية ومؤسساتها التي تقلد تقليداً أعمى مسار الزعماء، فيتسلسل هرمياً التسلط وتسخير الرئيس للمرؤوس من القمة إلى القاعدة. البعض يعيد قراءة هذا الحكم «الخفيف» الذي يمكن أن يغيّر المجتمع العربي رأساً على عقب ويجعله مجتمعاً خاضعاً لقوانين عادلة تحاسب المتسلط والمستغل والفاسد.
فجأة لعلعت أغنية «دقي دقي يا ربابة» بصوت بدأ خفيفاً قبل أن تزداد وتيرته وسرعة أنغامه. إنه الهاتف الجوال الذي أيقظ الصحافي المسؤول عن «وردية الليل». فرك عينيه والتفت حوله. المكتب غارق في صمت الليل ونهاية العمل بانتظار الصباح وأخبار الصباح.
تذكر الإعلامي البرقية. بحث عنها. وجدها. فرك عينيه ليعيد قراءتها ليغوص من جديد في لذة الانتصار: «حكم بالسجن سنتين على الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وهو حكم يدينه أخلاقياً وإن كان مع وقف التنفيذ…».

فهم «صديقنا» أنه كان يعيش حلماً جميلاً: إنه الإرهاق والشوق لمجتمع أفضل. خبر الحكم على رئيس سابق لدولة كبرى حرك كمائن دفينة في نفسه رمته في عالم الأحلام. تنهد عميقاً. وألقى نظرة أخيرة على شريط البرقيات لعل وعسى يأتيه بخبر مماثل من دولة شقيقة.

لا يوجد شيء من هذا القبيل توجد أخبار مماثلة للأخبار التي حررها ويحررها منذ ٣٥ سنة. إذا لا تغيير في العالم العربي. أقفل الحاسوب وذهب يكمل حلمه في سريره.