- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

دعوة الدب الروسي إلى الكرم الأوكراني

Capture d’écran 2014-03-02 à 06.43.26نقطة عى السطر
بسّام الطيارة
لا شك أن رئيس السابق لأوكرانيا ليس مثالاً للديموقراطية. ولا شك أيضاً أن فلادمير بوتين لن يدخل التاريخ من باب الديموقراطية. ولكن يبدو أن الساسة الغربيين وفي مقدمتهم الأوروبيين قد نسوا أو تناسوا التاريخ، وفي عصر الأنترنيت باتوا لا ينظرون إلى كتب الجغرافيا. كما بات من المؤكد أنهم كانوا من الراسبين في امتحانات الجيوستراتيجية.
يكفي إلقاء نظرة سريعة جداً إلى خارطة أوكرانيا ليتبين لأي هاوٍ أن روسيا لن تسمح للحلف الأطلسي بالتواجد على حدودها الغربية «أياً كان الثمن» الذي يمكن أن تدفعه. يكفي إلقاء نظرة بسيطة جداً على كتب تاريخ أوروبا وروسيا ليتبين لأي مبتدئ بأنه عندما تذكر هذه الكتب «سعي روسيا للوصول إلى المياه الدافئة» فهي تشير وتدل على طرق الوصول إلى … البحر الأسود أي شبه جزيرة القرم، وليس كما يعتقد العديد من المعلقين خصوصاً العرب أن المياه الدافئة هي البحر المتوسط أو …الخليج، لأنه قبل الوصل إلى المتوسط والخليج يجب المرور بالبحر الأسود.
لقد حاربت الأمبرطورة كاترين الثانية للوصول إلى شبه جزيرة القرم (١٧٧٤).  حرب القرم (١٨٥٤) كانت مواجهة بين القوى الغربية (فرنسا وبريطانيا) متحالفة مع الامبرطورية العثمانية لانتزاع القرم من أيدي الروس لإبعادهم عن مضيق الداردانيل وقد تسببت هذه الحرب بـ ١٢٠ ألف قتيل لكل فريق . بعد الثورة البولشفية حاولت الدول الأوروبية دعم «الجيش الأبيض» فأرسلت القوات والعتاد والدعم عبر شبه جزيرة القرم (١٩١٨) ودافع الروس بشراسة عن سيفاستوبول التي شهدت اندحار الجيش الأبيض أمام الجيش الأحمر ونهاية الثورة المضادة. مع بداية الحرب العالمية الثانية حاولت القوات النازية بمساندة قوات رومانية كسر شوكة الجيش الأحمر ومنعه من الوصل إلى البحر الأسود فحاصرت المدينة سيفاستوبول وقاعدتهاالبحرية  وقصفتها بقوة لمدة ٢٥٠ يوم قبل أن تدخلها وتدمرها تدميراً كاملاً. وقد حررها الجيش الأحمر بعد قتال عنيف (٦٥ ألف قتيل) عام ١٩٤٤ في نهاية الحرب.
عندما «تطوع» الزعيم الشيوعي نيكيتا خروتشيف الأوكراني  الأصل بتقديم شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، كان يعتقد بأزلية الاتحاد السوفياتي على اعتبار أن جمهورية أوكرانيا جزء «لن يتجزأ» من الاتحاد الشيوعي. إلا أن انهيار حائط برلين وتفكك الامبرطورية الشيوعية جعلت من مسألة شبه جزيرةقرم حجر عثرة في طريق فك ارتباط أوكرانيا بروسيا إذ أن أكثرية سكانها من الروس مع ١٢ في المئة من التتار المسلمين. فكانت معاهدة ١٩٩٤ التي أعطت روسيا حق استعمال قاعدة سيفاستوبول البحرية لاسطول البحر الأسود الذي تقرر «اقتسامه» (٢٠ في المئة لكييف و٨٠ في المئة لموسكو)، وقد ضمنت المعاهدة نوع من الحكم الذاتي لأهالي القرم حيث يشكل الروس أكثرية ساحقة وضمنت أيضاً استعمال اللغة الروسية كلغة رسمية في شرق أوكرانيا.
الفئة التي وصلت إلى الحكم في كييف بعد هرب يانكوفيتش لم تتردد من جعل اللغة الأوكرانية اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد في أول قرار يتبناه البرلمان وكأنها تدعو الدب الروسي للعودة إلى الكرم الأوكراني.
صحيح أن التاريخ لا يكرر نفسه ولكنه يتثائب دائماً في اتجاه واحد، إنه مثل الأنهار يمكن تحويل مسارها ببناء سدود ولكن ما أن تسقط السدود حتى تعود المياه إلى مجاريها السابقة. إنها عودة إلى الحرب الباردة.