نهاد المشنوق على منصة الانطلاق
عندما اختير تمام سلام لرئاسة الحكومة تنفس أهل بيروت الصعداء فبعد سنوات طويلة عاد السراي إلى عهدة «بيروتي». عندما أعلن سلام تشكيلته بعد مدة طويلة حبس أهل بيروت خلالها أنفاسهم، انفرجت أسارير البيارتة فقد ضمت التشكيلة إلى جانب تمام سلام ابن صائب بك سلام وزيرين من آل المشنوق تلك العائلة البيروتية العريقة. أحدهم، محمد عبدالله المشنوق استلم وزارة البيئة وهي، رغم عدم إعطاء هذا المضمار أهميته في لبنان، من أهم واجهات العمل السياسي المدني الحضاري الذي يستجلب الأضواء… والشعبية. أما الثاني نهاد المشنوق فقد استلم إحدى الوزارات السيادية التي رغم منافسة ثلاث وزارات لها فهي تعتبر «مفتاح البلد وحاضنة أسرارهه وأسرار زعماءه».
هذا هو الظاهر. أما ما يدور خلف الكواليس فهو أن نهاد المشنوق المتدرب لدى المرحوم الشهيد رفيق الحريري يخط مستقبله السياسي بكل عناية وتأني. وهو ما بدأ يتبدى منذ فترة قصيرة.
طموح نهاد المشنوق يتجاوز بكثير آفاق الشهور الثلاث التي تعيشها حكومة تمام سلام. يتفق أكثر من «بيروتي» على أن نهاد المشنوق ينظر إلى نفسه كـ«رجل بيروت السني» القادر على تعبئة فراغ الموقع السني في بيروت إذا وضعنا جانبا الرئيس تمام سلام الذي «وصله القطار متأخراً» حسب قول أحد المراقبين. وهذا الطموح يلاقي بقوة مطالب «البيارتة» الذين يرون أنفسهم «يتامى» الشهيد رفيق الحريري، الوحيد الذي أتى من خارج العاصمة وكسب قلوب أهلها، في حين أن فؤاد السنيورة لم يخف ارتباطه وتعلقه بمدينته صيدا وغابت «الكيمياء» عن علاقة بيروت بسعد الحريري لفقدانه كاريزما تلائم أهل بيروت إضافة لابتعاده عن البلد لأسباب لا يفهمها «آلبيروتي» الذي عاش هو وأهله الحرب والقصف ويعيش الخطر اليومي.
يقول أحد مخاتير حي في وسط بيروت «خيي ما بيكفي تكون سني لتعمل زعيم ببيروت»، بعد فترة تردد قصيرة يتابع «نحن البيارتة عنا دي إن إي، ما هيك بقولو؟ دي إن إي خاص فينا»، ويتابع «الحص الرئيس سليم الحص زلمي آدمي وطني وعروبي ما في أحسن منه …بيروتي ما فينا ننكر منحترمه …بس خيي مَنّوه زعيم مثل ما بدنا أهل بيروت». يفكر قليلاً ويتابع «وين صائب بك وين عدنان الحكيم وين عبدالله اليافي …؟». نسأله «ونهاد مشنوق؟ شو….» يقاطعنا «هيد كويس … يعني تمام بك على راسنا وعمل منيح عم بحضر زعامات بيروتية».
ما قاله المختار يقوله العديدون من أهل بيروت. أفضل مثال على ذلك صور نهاد المشنوق التي انتشرت على جدران العاصمة لتذكر بيروت بأيام زعماءها. وقد اضطر الوزير أن يطلب من إطفائية بيروت إزالتها.
تصريحات نهاد المشنوق تضعه على منصة إطلاق نحو نادي رؤساء الوزارة اللبنانيين. فهو «وزير كل لبنان» يعمل على «مكافحة الإرهاب» ويزور الضاحية بعد تفجير إرهابي تضامناً مع أهلها، وإذا استجلبنا تصريحاته «المنفتحة على حزب الله» نراها تأتي بعد كل «تصريح ناري موجه لحزب الله» حتى وصل الأمر أن بعض «أهالي ١٤ آذار» اتهمه بالعمل «تحت الطاولة»، إلا أنه تصرف وكياسة سياسية تحاكي ما يحبه أهل بيروت.
لا تتوقف جولات نهاد المشنوق في اتجاه الضاحية و«أهالي ٨ آذار». فهو أظهر أن خفايا اللعبة اللبنانية لا تغيب عنه: عندما يزور معراب يحمل معه «باقة غاردينيا قطفها من السراي الحكومي» ليقدمها إلى سمير جعجع في إشارة إلى أن «وزير في الحكومة يمثل السنة يزور زعيم سياسي ماروني» وليس «زميل في ١٤ آدار يزور زميلاً آخراً في ١٤ آذار». إنه تفسير «بيروتي» كما قال أحدهم، ولكنه تفسير سياسي عميق.
الإطار الذي بات يتحرك داخله نهاد المشنوق يتجاوز بكثير إطار «١٤ آذار» فهو يستقبل وفوداً من عرسال بصفته الوزارية ولكن يصف أحدهم اللقاء معه بكلمتين «وطني لبناني ابن بيروت ما حسينا إنه بعيد عنا». الوزير عندما يتحدث عن الإرهاب لا يتردد من استعمال تعابير قوية جداً في تصريحاته التلفزيونية «من يسهِّل لكتائب عبدالله عزام … لا يقل إجراماً» أو وصفه لـ«المعابر اللبنانية حيث تعبر السيارات المسروقة إلى سوريا لتفخيخيها» ووعده بجفيف هذه المعابر التي وصفها بـ«معابر الموت».
عندما يتحدث نهاد المشنوق عن نقاشات مشروع البيان الوزاري، فهو يلاقي تطلعات اللبنانيين وليس فقط أهل بيروت، فالنقاش يدور «بهدوء تام تحت عناوين متعددة بعضها خلافي كموضوع سلاح خزب الله والملف السوري»، هذه الصراحة في الواقع لا «تحرج أهالي ٨ آذار ولا ترضي أهالي ١٤ آذار». فهو معروف أن سلاح حزب الله يشكل إشكالية بين الأفرقاء، ولكن نهاد المشنوق يقول أيضاً في وصفه هذا أن الخلافات تتناول أيضاً «الشؤون الاقتصادية» وهذه الصراحة هنا «تحرج أهالي ١٤ آذار وترضي أهالي ٨ آذار».
إنها «سياسة بيروتية مئة في المئة» ترضي الجميع و«تحدث كل فريق بلغته من دون جرحه». إنها ديبلوماسية وحنكة وهي تأثير مزدوج مما تعلمه في ظل الرئيس الشهيد الحريري، إضافة إلى أجواء قصر المصيطبة حالياً. وهذه المقاربة بعيدة جداً عما شاهدتها السراي في عهد سعد الحريري وفؤاد السنيورة، وهي بعيدة جداً عن التوتر مع الأفرقاء اللبنانيين.
ريعتقد عديدون أن نهاد المشنوق يستطيع أن يحل مسألة «إعلان بعبدا» وسلاح المقاومة عبر حياكة «الديبلوماسية البيروتية» حول طاولة الحوار. ويؤيد مقرب من ١٤ آذار هذه المقاربة ويقول التباين بين نهاد المشنوق وأقطاب ١٤ آذار بدأ يتسع منذ أن انطلقت طاولة احوار التي انتهت بإعلان بعبدا ويهمس مفسراً السبب «لن تصدق أن بين المجتمعين حول طاولة الحوار فإن المعترض الوحيد على إعلان بعبدا …كان السنيورة» ويتابع صحيح أن السنيورة لف الاعتراض بالرغبة بـ«الدعم الإعلامي والإنساني» إلا أن هذا لم يخفف من امتعاض بعض أطراف ١٤ آذار ومنهم نهاد المشنوق رغم أنه لم يظهر علناً هذا الامتعاض. إنها الطريقة البيروتية «الاستيعابية».
السؤال اليوم هل خفي ذلك على تيار المستقبل ورئيسه السنيورة؟ أم أن التباين وصل إلى داخل التيار وفرضت الأقطاب البيروتية ميزان توازن جديد؟ الأيام ستحمل الأخبار.