أزمة خطيرة بين دول الخليج
القرار لم يكن مفاجأً بتاتاً، فالنّار كانت تحت الرماد… في الخامس من شهر آذار/مارس، أعلنت دول الخليج الثلاث العضوة في مجلس التعاون الخليجي، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والبحرين بيانا مشتركا: استدعاء سفراءها من القطر وهي دولة عضو في المجلس.
ويفيد البيان أنّ دول الخليج الثلاث: “بذلت مجهودات جبّارة للمفاوضة مع قطر على جميع الأصعدة وللوصول إلى سياسة موحدة ومشتركة (…) وضمان مبادئ عدم التّدخل في الشّؤون الدّاخلية لدول الأعضاء في مجلس التّعاون الخليجي”، كما يطلب البيان من قطر عدم دعم أي منظمة تستهدف أمن واستقرار إحدى الدول الأعضاء.
ويشير البيان كذلك إلى القمّة الثلاثية التّي انعقدت بتاريخ 23 نوفمبر 2013 الماضي بين أمير الكويت وأمير قطر (الشيخ تميم الذّي خلف والده) وملك السّعودية، وخلال القمّة تمّ إبرام اتفاقية إلاّ أنّ قطر لم تحترم هذه الاتفاقية ولم تطبقها رغم محاولة العديد من الوساطات.
إلا أن سحب السّفراء من قطر أدى إلى هبوط نسبي في مؤشرات سوق بورصة الدوحة بمقدار ٢ في المئة بنسبة لمؤشر أكثر من عشرين مؤسسة، وهو أهمّ تراجع في أسواق البورصة منذ ستة أشهر إلاّ أنّ قيم تداولات السّوق سجلت ارتفاعاً خلال العام قدر بـ ١٠ في المئة. وينحصر في التدولات في مجال الإعلام والاتصال والبنوك والنقل والعقارات.
وقد أعربت حكومة الدّوحة عن “أسفها ودهشتها” حيال القرار المتّخذ من قبل “البلدان الشّقيقة” ورأت أنّ هذا القرار هو “مخالف للمصالح والأمن واستقرار الشعوب المنتمية إلى مجلس التّعاون الخليجي” بل له علاقة بوجهات نظر مختلفة بخصوص مسائل لا تمسّ بتاتا المجلس الخليجي (في إشارة إلى تباين المواقف بالنسبة لمصر). وبالرغم من ذلك، قررت الدوحة الإبقاء على سفرائها في دول الخليج الثلاث المعنية.
وقال مصدر رسمي شرط كتم هويته، مستعملا لغة بعيدة عن الديبلوماسية: “قطر لن تغير سّياستها الخارجية أياً كانت الضغوطات، إنّها قضية مبدأ ونحن متشبثين بها مهما كان الثّمن“.
وقبل التطرق إلى عمق المشكلة التّي تفاقمت بين قطر ودول الخليج الثلاث، هناك ملاحظة يجدر التلويح بها: دولتان بين ستة الدول العضوة في مجلس التّعاون الخليجي لم تقف بجانب العربية السّعودية وهذه هي الضّربة القاسية للمملكة العربية. أولها الكويت التّي قامت بمبادرات وبوساطات إلاّ أنّها لم تشأ أن تزيد الطين بلّة، كما أنّها مثلها مثل قطر لم تبرم اتفاقية الأمن (فالبرلمان يعارض ذلك بشدّة). ثانيها سلطنة عمان التّي عارضت مرات عديدة ما تراه كرغبة هيمنة عاصمة الرّياض والتّي رفضت خلال قمة المجلس التعاون الخليجي في شهر كانون الأوّل/ديسمبر الماضي دعم مشروع وحدة دول الخليج مع كل الأبعاد العسكرية المرتبطة به . وأما زاد من التباعد أن العمانيين توسطوا للمفاوضات السّرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ جبهة دول الخليج الثلاث ليست متينة كما يمكن توقعه، فالإمارات العربية على عكس المملكة العربية السعودية أعادت لغة الحوار مع إيران إذ انتقل وزير العلاقات الخارجية الإماراتي إلى طهران بتاريخ 28 نوفمبر كما انتقل نظيره الإيراني إلى أبو ظبي في الرابع من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ويجدر الإشارة إلى أنّ العلاقات بين قطر والمملكة العربية السّعودية تفاقمت منذ أعوام لاسيما فيما يتعلق بالجزيرة الإخبارية الجزيرة حيث كرست انتقادتها تجاه النظام السّعودي في مناسبات عديدة. وكانت المملكة العربية السعودية استدعت سفيرها من الدوحة عام ٢٠٠٢ تنديدا لبرامج الجزيرة. ولم يستعد سفيرها مركزه إلاّ في عام ٢٠٠٨ بعد وعود الدوحة للسعودية بخفض لهجة قناتها الإخبارية تجاهها.
إلاّ أنّه يبدو أنّ هذه الأزمة أكثر تفاقما عن سابقاتها، فهي لا تخصّ فقط قناة الجزيرة، والتّي اتهمتها الرّياض باستعادة اللّهجة الحادة ضدّ السّعودية خلال الشهرين الماضيين. كما اتهمت كلّ من الرّياض وأبو ظبي قطر بمساعدة وتمويل جماعة الإخوان المسلمين في المملكة العربية السّعودية والإمارت العربية المتّحدة (وقد قامت هذه الأخيرة بتوقيف عشرات من أعضاء جماعة الإخوان ومشتبه بقربهم لهم). وقد أصبحت جماعة الإخوان المسلمين العدوّ الرّئيسي لكلى البلدين. وفي السابع من شهر آذار/مارس الحالي وعلى غرار مصر قامت المملكة العربية السّعودية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ”منظمة إرهابية”.
وبعيدا عن هذا الإتهام وما شابه، إنّ محور الاختلاف الرّئيسي يكمن في دعم كلّ الرّياض وأبو ظبي للانقلاب العسكري في مصر الذّي قام به الجيش للإطاحة بالرّئيس المخلوع مرسي في الثّالث من شهر تموز/يوليو 2013، في حين أنّ قطر أدانت الانقلاب. وقد باتت العلاقات بين الدّوحة ومصر سيّئة جدا ووصلت لحد ترك سفير مصر منصبه في قطر خلال شهر فبراير الماضي بعد اتهام مصر لقطر بالتّدخل في شؤونها الدّاخلية ورفض تسليمها “المجرمين” الذّين التجؤوا إليها.
وأخيرا فإنّ انتقادات الشّيخ يوسف القرضاوي ضدّ العائلة الحاكمة في الإمارات العربية المتّحدة بداية شهر شباط/فبراير تسببت في استدعاء سفير قطر في أبو ظبي. كما تجدر الإشارة إلى أنّ الشيخ القرضاوي الذّي كان يقدّم برنامجه على “الشريعة والحياة” قناة الجزيرة تمّ منعه خلال ستة أشهر من تقديمها دون شروحات مسبقة، إلاّ أنّه لا يزال يقدم خطبة الجمعة في أحد أكبر مساجد الدّوحة.
وأضافت الصحافة السّعودية نقطتين حساستين على هذه الاتهامات:
أولاها، مساعدة الجماعات المتطرفة في سوريا لاسيما جبهة النصرة (وهو نفس اللّوم الذّي وجهته لتركيا)، علماً أنّ كلّ من قطر والإمارت العربية والسّعودية تساند المعارضة في سوريا.
ثانيها، هو مساعدة الحوثيين في اليمن.
وتبدو هذه الأزمة بين أعضاء مجلس التّعاون الخليجي الأولى من نوعها منذ تأسيسها. وهي اتهامات تحمل في طياتها معان عديدة في حين نشهد المنطقة إعادة تنظيم للتحالفات مع عودة العلاقات المهادنة نسبيا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. كما يتوقع أن تكون القمّة العربية المزمع انعقادها في نهاية آذار/مارس في الكويت جدّ مضطربة. أمّا موقف فرنسا فبقى غائباً على ما يمكن قوله على الأقل، عدا بيان نشرته النائبة في مجلس الشيوخ «نتالي قوليه» والتّي أشارت إلى الطابع الخطير في تفاقم هذه الأزمة وتصاعدها.