موسكو ودمشق ومنظمة التجارة
باريس – بسّام الطيارة
يمكن لفلاديمير بوتين أن يقول «وأخيراً» بعد أن حصلت روسيا على موافقة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية بعد انتظار دام ١٨ عاماً، رغم ضخامة اقتصادها وتأثير انتاجها النفطي على ميزان الطاقة العالمي ودورها السياسي الكبير.
ولكن يمكن أيضاً لبشار الأسد أن يتساءل حول «الصدفة» التي جعلت موسكو تقدم مشروع قرار في مجلس الأمن يدين العنف في سوريا والاستعمال المفرط للقوة، وبين إعلان المنظمة العالمية قبول عضوية موسكو.
المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، الفرنسي باسكال لامي قال إنها «لحظة تاريخية بالنسبة للاتحاد الروسي ولمنظومتنا الدولية المتقيدة بقواعد ثابتة». في المقابل، رحبت كافة الدوائر الغربية بخطوة موسكو في مجلس الأمن، لا بل أن الديبلوماسية الفرنسية اعتبرتها «مفاجأة مدهشة» جاءت بعد طول انتظار. إلا أنه يجب أن لا يخفى على المراقبين أن روسيا والاتحاد الأوروبي «كانا عقدا قمة» في ١٤ و١٥ من هذا الشهر… أي عشية إعلان موسكو إسالها مشروع القرار إلى مجلس الأمن.
هل يمكن أن يصدق أي عاقل أن زعماء أوروبا المجتمعين في بروكسل مع زعيم روسيا لم يكونوا على اطلاع على الخطوة؟ وأن تلك القواعد الثابتة التي تكلم عنها لامي قد اندثرت بين ليلة وضحاها؟ علما أن كبير مفاوضي موسكو، ماكسيم مدفيكوف، لم يكن يتوقع، في تصريح يعود إلى قبل يومين، الموافقة على انضمام روسيا «قبل بداية العام المقبل».
يقول خبير غربي مقرب من الملف السوري إن «روسيا قبضت سلفة على الحساب»، وإن ما تطلبه موسكو لـ«تليين مواقفها في الشرق الأوسط» يشكل لائحة طويلة جداً، وإن قبولها في منظمة التجارة العالمية للتجارة «ليست إلا من قبيل المقبلات». ويشرح أن المطلوب من موسكو أيضاً كثير بين إيران وسوريا، ويشير إلى «صدفة ثانية» جاءت في سياق إعلان قبول عضويتها، تمثلت في «ضبط مواد نووية مصدرة إلى إيران» عبر مطار شيرميتيفو في العاصمة موسكو.
ويتابع الخبير “أن المسألة دخلت اليوم في ساحة المفاوضة بين الغرب وموسكو”، وبالفعل هذا خلاصة ما قاله الناطق الرسمي برنار فاليرو الجمعة، في مؤتمره الصحافي النصف اسبوعي، إذ بعد أن رحب بالخطوة الروسية وبعد أن رد على سؤال حول غياب مبدأ العقوبات في المشروع الروسي، شدد على بطلان وضع قوات النظام «التي تقمع المتظاهرين وهؤلاء في نفس مستوى المسؤولية»، وأضاف مختصراً ما هو متوقع من نقاشات خلف كواليس مجلس الأمن من ضرورة وصف ما يحصل بأنه «جرائم ضد الإنسانية» معلنا أن المشاورات «هي في بداية الطريق».
أضف إلى ذلك أن واشنطن تستطيع عدم معاملة موسكو بموجب قوانين منظمة التجارة العالمية بموجب قانون جاكسون- فانيك الذي يحول دون تمكن الحكومة الفدرالية من منح بلدان توصف بالحساسة سياسياً وضع بلد متمتع بالافضلية في التعاملات التجارية، حتى ولو وقعت على المعاهدة، وهذا ما يفتح باب ضغوط إضافية على موسكو رغم قبولها في المنظمة.
غير ان روسيا ردت على ذلك بالاستناد هي الاخرى الى نفس البند بمواجهة الولايات المتحدة، غير انه في الحالة الروسية كانت هذه هي المرة الاولى التي يلجأ فيها بلد ساع للانضمام الى هذا البند.
والصين؟ يقول الخبير إن بكين «تنتظر ما سوف تحصل عليه موسكو» لتقدم مطالب قد تكون إضافية، وأكد أن الصين مهتمة بإيران والسودان أكثر من إهتمامها بسوريا، إذ أنها تضع النفط والطاقة والأسواق الكبيرة نصب عينيها، بينما موسكو تهتم بإيران القريبة وسوريا حيث تصر على أن تبقى «قاعدة طرطوس ضمن نشاط بحريتها».
إلا أن العامل الاقتصادي لا يغيب عن خلفيات قرار قبول روسيا في المنظمة. فالعالم يعيش بسبب الأمة المالية التي تجتاح العالم مخاطر فرض البلدان إجراءات حمائية، ويتخوف البعض من أن تلجأ روسيا إلى هذه الاجراءات لحماية أسواقها «الناشئة» وأن تلتفت نحو الصين في حوار اقتصادي ثنائي مكملين بعضهما البعض كما تنص عليه اتفاقيات كثيرة وقعهاها سويا في السنتين الأخيرتين، وهو ما لا يمكن أن يحصل اليوم بعد أن باتت قواعد منظمة التجارة العالمية تربط البلدين وتحكم علاقاتهما مع العالم.
أما من الناحية الإجرائية، فقد اجتازت موسكو عقبتها الاخيرة من اجل الانضمام للمنظمة حينما توصلت الى اتفاق في تشرين الثاني/ نوفمبر مع جورجيا، آخر المعارضين لانضمامها، حيث كان بإمكان جورجيا استخدام فيتو لرفض أي طلب انضمام للمنظمة بحكم عضويتها فيها.
واجمالاً وقعت روسيا على ٣٠ اتفاقية ثنائية تتعلق بدخول الاسواق والخدمات فضلا عن ٥٧ اتفاقا لوصول السلع حتى يتسنى لها ضمان الحصول على الضوء الاخضر من البلدان الاخرى المنضوية في عضوية منظمة التجارة العالمية.
ومقابل الانضمام الى المنظمة وافقت موسكو على خفض سقف تعريفاتها من متوسط ١٠ في المئة لهذا العام بالنسبة لكافة المنتجات الى نسبة ٧،٨ في المئة.
وتم خفض سقف متوسط التعريفات للمنتجات الزراعية الى ١٠،٨ في المئة من مستواه الحالي البالغ ١٣،٢ في المئة، بينما انخفضت النسبة على السلع المصنعة من ٩،٥ في المئة الى ٧،٣ في المئة.
كما وافقت روسيا على تقييد الدعم الذي تقدمه لقطاعها الزراعي بحدود تسعة مليار دولار في العام المقبل ومن ثم خفضه تدريجياً وصولاً الى ٤،٤ مليارات بحلول ٢٠١٨.