تحليل ألماني: سوريا تتجه إلى التقسيم
إلى أين تتجه سوريا بعد ثلاث سنوات من الانتفاضة التي تحولت إلى حرب ضروس؟ المحلل السياسي الألماني فولكر بيرتس يكشف في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية «دويتشه فيله» عن قراءته لمستقبل الوضع في سوريا. كما يتحدث عما يجب فعله غربيا لإحتواء الأزمة.
دويتشه فيله (عربية): سيد بيرتس، كيف تغير موقفك اليوم حول سوريا، عما كان عليه قبل ثلاث سنوات؟
البروفيسور فولكر بيرتس:قبل ثلاث سنوات لم أكن أتصور أننا سنضطر لمناقشة هذا السؤال اليوم. كنت يومها مقتنعا تماما بأن الانتفاضة في سوريا ستقود – خلال وقت أقصر بكثير، خلال سنة ربما – إلى تغييرات جوهرية في سوريا. ولكني اليوم متشائم جدا. أعتقد بأننا سنضطر خلال السنوات القادمة إلى مشاهدة تطور الأزمة والنزاع في سوريا.
وبماذا تعلل تشاؤمك هذا؟
أعلله بعدة أسباب منها: أن القوى الفاعلة، سواء المحلية منها أو الإقليمية وكذلك المجتمع الدولي، ليس لديها إستراتيجيةحقيقية حول كيفية وضع أهدافها موضع التنفيذ. وكذلك عدم قدرة هذه القوى على التوصل لحلول توافقية. تدرك القوى العسكرية الأهم على الأرض في سوريا اليوم بأنها لن تكون قادرة على التوصل إلى نصر عسكري حاسم. ولكن ليس لديها إستراتيجية للتوصل إلى حل توافقي مع الطرف الآخر. والأمر نفسه ينطبق على القوى الدولية.
وهل إعادة تأهيل نظام الأسد تدخل ضمن هذه الحلول التوافقية التي قصدتها؟
كلا. الأمر لا يتعلق بإعادة تأهيل نظام بشار الأسد. لأن هذا سيحقق هدف النظام في دمشق فقط. الأمر يتعلق في الحقيقة بعملية انتقالية توافقية. بفترة انتقالية تضم ممثلين عن كل المجموعات الهامة الاجتماعية والسياسية وتكون كل المناطق السورية ممثلة بها.
وهنا يكون بشار الأسد ممثلا أيضا؟
التمثيل يكون لأعضاء من النظام الحالي. أعتقد أنه لدينا أرضية ملائمة للعملية الانتقالية هي مقررات جنيف1 من عام 2012، التي نصت على أن لكل طرف من الأطراف ما يشبه حق الفيتو على أشخاص معينين في معسكر الطرف الآخر. وهكذا فإن بشار الأسد غير مقبول بالمرة من قبل المعارضة، وبالمقابل هناك أشخاص معنيين في المعارضة قد يرفض النظام وجودهم في المرحلة الانتقالية. أعتقد أن علينا الابتعاد قليلا من النقاش حول شخص بشار الأسد، لأنه قد يعني استحالة التوصل إلى حل.
ما نحتاجه الآن هو حكومة انتقالية تمثل النظام الحالي في دمشق وكذلك المعارضة؛ وأن تكون هيئة الحكم الانتقالي هذه، كما ورد في البيان الختامي لمؤتمر جنيف1، تتوفر على كامل الصلاحيات التنفيذية. وعند الوصول لهذه الهيئة ستكون أسئلة من قبيل: من هي الشخصيات المشاركة فيها؟ وما هو مصير بشار الأسد؟.
هناك خبراء غربيون يرون أنه طالما بقي أوباما في البيت الأبيض، فلن يكون هناك أي تغيير في الموقف الغربي فيما يتعلق بالسياسة الغربية بخصوص سوريا. هل تتفق مع هذا الرأي؟
وهناك من يقول: طالما أن بوتين في الحكم فلن يكون هناك أي تغيير في الموقف الروسي حيال سوريا. وطالما أن خامنئي على رأس القيادة في إيران فلن يكون هناك تغيير في الموقف الإيراني. برأيي أنه يجب العمل مع كل العناصر الدولية المؤثرة بالشأن السوري. ومن هؤلاء الرئيس أوباما والرئيس بوتين وكذلك القائد الأعلى في إيران خامنئي والرئيس الإيراني ولاعبون دوليون آخرون. التغيرات التي طرأت حتى الآن في سوريا، لم تحصل بسبب تدخل دولي عبر الرئيس أوباما مثلا، وإنما لأسباب داخلية في سوريا. نحن جميعا نشاهد الآن المخاطر الكبرى المحدقة بسوريا المتمثلة بمزيد من تدمير البلد ومزيد من تدمير المجتمع. مزيد من الضحايا واللاجئين، ومزيد من التطرف.
هل ستؤثر الأزمة الأوكرانية على الوضع في سوريا؟ وكيف سيكون هذا التأثير؟
أجل، أعتقد أن الأزمة الأوكرانية ستؤثر على الوضع في سوريا. وأخشى أن يكون هذا التأثير سلبيا، لأن الأزمة الأوكرانية ستجعل التوصل إلى توافق دولي بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر صعوبة. الحل في سوريا يتطلب توافقا بين واشنطن وموسكو على الصعيد الدولي، وكذلك توافقا بين الرياض وطهران على الصعيد الإقليمي. وهذا التوافق غير متوفر حاليا.
وهذا يعني أن الحل قد يتأخر لسنوات وأن سوريا تحولت إلى ما يُسمى الحرب المنسية بالنسبة للمجتمع الدولي.
لا أعتقد أن تأثير الحرب سيبقى مقتصرا على سوريا خلال الفترة متوسطة المدى القادمة. بل سيعبر تأثيرها الحدود السورية. بعض الحدود السورية تغيرت اليوم ولم يعد من السهولة التعرف عليها: الأمر متعلق هنا بالحدود مع العراق وبالحدود مع لبنان. ستمتد الحرب إلى دول أخرى في الجوار. وسيكون لها تأثير ربما على دول أوروبية وعلى روسيا أيضا، لأن قوى معينة ذهبت للقتال في سوريا وستعود مستقبلا إلى أوروبا أو إلى روسيا.
وهنا نود أن نسأل عن طريقة تعامل الغرب مع الوضع في سوريا ومخاطره. هل هناك إستراتيجية غربية محددة بشأن سوريا؟
تتحدثون هنا عن مشكلة حقيقية. لا أحد لديه إستراتيجية بخصوص سوريا. والغرب ليس لديه أي إستراتيجية واضحة.
ما الذي يجب فعله من الغرب إذن؟
ما يجب فعله برأيي هو: خلق استقرار معين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والخاضعة لسيطرة حركات معارضة مختلفة. كما يجب دعم المعارضة المعتدلة وتقويتها. وبنفس الوقت وإلى جانب المبادرات الدبلوماسية التي يقودها الأخضر الإبراهيمي، يجب الضغط باتجاه خلق تفهم اجتماعي لحل قادم؛ حل أشبه بـمؤتمر “طائف سوري” على النموذج اللبناني. وفيه تشارك مختلف القوى من كل المناطق الجغرافية السورية ومن كل مجموعات الشعب ومختلف التوجهات السياسية. يشارك الجميع ويفكرون فيما إذا كانوا مازالوا يريدون دولة موحدة، وكيف سيكون شكل هذه الدولة.
نرى اليوم، وهذا رأيناه بداية هذا العام مع مفاوضات جنيف، أن النظام غير مستعد مطلقا لحلول وسط ولتشكيل حكومة توافقية مع المعارضة. ولكن عدم الأهلية لحلول توافقية لا ينطبق على العلويين في سوريا (فهؤلاء يرغبون في حكم انتقالي تشاركي). وكذلك في صفوف المعارضة، هناك كثيرون لا يريدون تشكيل حكومة انتقالية مع ممثلي النظام، ولكني أعتقد أن مواطنين كثر في حلب وغيرها من المدن السورية يفضلون تأليف حكومة وطنية تشاركية تضم ممثلي النظام والمعارضة بدلا من استمرار الحرب والتدمير.
وهذا يعني أن خطر تقسيم سوريا ضئيل؟
خطر التقسيم قائم. بل يمكن القول إن سوريا تتجه اليوم للتقسيم. هناك مناطق في سوريا خارجة عن سيطرة النظام. ولكن هذه المناطق لا تخضع لسيطرة جهة معارضة منظمة. الأمر معقد: هناك مناطق لا تخضع لسيطرة أحد. وهناك مناطق تخضع لسيطرة كردية، وأخرى لسيطرة جهاديين عراقيين أو عراقيين وسوريين. وبالمقابل هناك مناطق خاضعة لسيطرة مجموعات عسكرية موالية للنظام، ومناطق تحت سيطرة حزب الله وأخرى لسيطرة النظام ذاته. تقسيم سوريا بدأ بالفعل. وأعتقد أن إيقاف هذا التقسيم أو إعادة التوحيد مرتبط بمدى قدرة ممثلين عن السوريين من مختلف الاتجاهات على التواصل والتفكير معا جديا حول مستقبل البلاد.
البروفيسور فولكر بيرتس: يدير منذ عام 2005 المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين. له العديد من الكتب والمقالات عن سوريا وكذلك عن الربيع العربي وشؤون الشرق الأوسط.