العام الرابع من الأزمة: تشاؤم سوري حول رحيل النظام
بيروت- معمر عطوي (خاص)
على أعتاب العام الرابع من بداية الحرب السورية يقف السوريون في لبنان أمام موقفين متناقضين؛ الأول بات يرى في نظام بشار الأسد خلاصاً من مجموعات إرهابية تنشر الفوضى، وآخر يدرك خطورة المجموعات “الجهادية” على سوريا، لكنه لا يزال مؤمناً بأن الثورة ستعيد حقوق الشعب وتعطيه حريته ونظامه الديموقراطي المنشود.
بين أبو حمزة الموالي للنظام وأبو عبدو، تناقضات عديدة في تقويمهما لما آلت إليه الأمور في بلدهما المجاور للبنان حيث لجآ منذ بداية الأزمة هرباً من جحيم المعارك. لكن ما يجمع بينهما الحرص على تخليص سوريا من هيمنة الجماعات المتشددة “التي لا تمت بصلة الى طبيعة الشعب السوري الوسطي في التزامه الديني”، على حد قول سالم أحمد (أبو عبدو)، اضافة الى أهمية الأمن بالنسبة للمواطن.
يتفق الرجلان في مقابلتين منفصلتين، على أن بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه أمر حتمي في ظل اللعبة الدولية الحالية، ففي حين يرى أبو حمزة أن النظام سيبقى لأن المحاور الدولية التي تدعمه لها مصالح لا تنتهي، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وحتى دينياً (صلة الشيعة بالعلويين)، يقول أبو عبدو اللاجيء الإدلبي، إن المشكلة ليست في بشار الأسد بل النظام، “حتى لو استقال بشار، اللعبة الدولية الإقليمية ستستمر”.
طرطوس مقابل العُديد
ورغم تلميحه الى تحالف شيعي ــ علوي، يؤكد أبو حمزة، إبن العاصمة دمشق، أن الحرب ليست مذهبية وأن من يدعم النظام حتى الآن هم من كل الطوائف، مشيراً في الوقت نفسه الى تحالف إيراني – عراقي – سوري، ومعتبراً أن الروس وحزب الله والإيرانيين لن يتركوا النظام السوري لوحده؛ “فالروس يتمسكون بوجود قاعدة طرطوس العسكرية في سوريا كما يتسمك الأميركيون بقاعدة العُديد في قطر”.
يضيف أبو حمزة، أن النظام “سيسيطر على كل سوريا طالما أنه يُمسك الحدود – باستثناء المعابر مع تركيا- ويتحكّم بطرق الدعم اللوجستي، بينما المعارضة في موقف ضعيف وقد أصبحت معارضة شكلية”.
وفي حين يبرّر إبن دمشق تدمير الجيش السوري لأحياء بأكملها بالقصف والطائرات، بأنه ردة فعل على تواجد مسلحين، يعتقد إبن إدلب أن الإرهابيين هم ذريعة أوجدها النظام لتبرير حربه ضد المعارضة، مؤكداً أن التنظيمات “الجهادية” لا تمثل سوريا وأن أبناءه غادروا إدلب الى تركيا بسبب ممارسات هذه التنظيمات.
يحن أبو حمزة الى سوريا ما قبل الأزمة حيث “كان الأمن يعم البلاد ورغيف الخبز أرخص رغيف في العالم، والشعب يعيش بحبوحة اقتصادية”. بيد أن هذه الصورة “خيالية” بنظر أحمد الذي يشير إلى “فوارق طبقية بين موظفين كبار يحظون بامتيازات وتسهيلات للقيام بأعمال تجارية وصفقات وتهريب، وبين الأكثرية الفقيرة التي لا يكاد راتب الموظف الشهري منها يكفيه حتى منتصف الشهر، مشيراً الى حالات الفساد والرشاوى والارتشاء التي عمت الدوائر الرسمية السورية طوال فترة الحكم الحالي بسبب السياسات الاقتصادية المُجحفة بحق الفقراء والناس الذين يعملون باليومية”. ويذكّر بسياسات “الواسطة” ودفع الأموال الطائلة لإعفاء شاب من خدمة العلم أو توظيفه في دائرة رسمية.
الأمن والاستبداد
رغم كل هذا الفساد الذي كان سائداً يترحّم أبو عبدو على الضحايا قائلاً “ليت الأمر مرّ بلا ضحايا ولا تدمير كما هو حاصل اليوم حتى لو بقينا في ظل نظام مستبد”، مؤكداً أن أمن الناس مهم أيضاً، لكنه لا يستطيع أن ينسى أنهم كانوا يقومون باعتقالات عشوائية وتعذيب بكل أشكاله في سجون الاستخبارات اضافة الى كم الأفواه ومنع الحريات الخ. الا أنه يؤكد: “كما أن الشعب لن ينسى جرائم النظام كذلك لن ينسى جرائم المجموعات المُسلّحة”. وعن الحل في رأي أبو عبدو، فهو بالسياسة فقط لا غير، لكنه متشائم لأنه يرى “لعبة دولية لتغيير المنطقة”.
إلاّ أن ما يعيشه المواطنون السوريون في المنفى والدول المجاورة وخصوصاً في لبنان، يستدعي ايجاد حل سريع، قائلاً “نحن بلا عمل نعيش على بعض المساعدات الغذائية البسيطة من جمعيات أهلية. وفي السنة الثالثة من الأزمة تراجعت نسبة الدعم وبعضها توقف عن المساعدة. أما الأمم المتحدة فلا تقوم سوى بتقديم مساعدات رمزية وتغطية صحية لحالات معينة. وهناك تفاوت في مستويات المساعدات بين منطقة وأخرى.
أبو حمزة يؤكد بدوره لـ«برس نت» هذا التفاوت، مشيراً الى ان منطقة طرابلس وعكار تحظى بسماعدات أكثر من بيروت والمناطق الأخرى، مشيراً الى أن ما يتقاضاه اللاجيء المُسجّل في الأمم المتحدة على أنه “معدوم نهائياً” هو مبلغ 40 الف ليرة اي 20 يورو أوروبي في الشهر.
ويتفق الرجلان في النهاية على أن استمرار الأزمة تدفع بالسوريين الى الهجرة غير الشرعية نحو دول الغرب، حيث بات في لبنان نحو مليون لاجيء سوري لا يقدر البلد على تحمّل عبئهم، لذلك حلم أبو عبدو أن يهاجر الى دول أوروبا، خصوصاً “ألمانيا التي لا تزال الأكثر اهتماماً بالحالات الإنسانية، بما تؤمّنه للاجئين اليها من تعليم وطبابة ورعاية اجتماعية”.
مطالب أصبحت حرباً
يختصر الشاب عمر الحلبي رأيه بالأزمة ويقول لـ «برس نت»، “القصة كانت مطالب محقّة والآن أصبحت حرباً أهلية”، متخوفاً من زيادة أي كلمة “حرصاً على سلامة أهلي”. لكن فادي الصحافي الذي يستعد للرحيل الى دول أوروبية بتأشيرة طالب، يشير الى أن الشعب السوري أصبح منقسماً بالفعل ليس فقط حول النظام، بل حول المعارضة نفسها، “بين من يرى اأ الجماعات المُسلحة ستقيم حكم الشريعة العادل ومن يرى أن هذه الجماعات شوهت الثورة وهي لن تجلب لسوريا سوى التخلف والرجعية والاستبداد الديني”.
ويقول إن “النظام استبدادي وقمعي وكذلك أصبحت هذه الجماعات المُسلّحة بل أخطر من النظام”، لكنه يتدارك بأن النظام مسؤول عن تفشي هذه الظاهرة بسياساته الأمنية وبتوظيفه لظاهرة الأصولية سابقاُ في العراق والآن في تشويه صورة المعارضة التي بدأت سلمية وتحولت الى مسلحة بفعل سياسات النظام الأمنية وتدخلات الدول الأخرى التي تصفيّ حساباتها على أرض الشام.