هابرماس: وقاحة النخب في معالجة أزمة اليورو
معمر عطوي
ما الذي يجري في الاتحاد الأوروبي على صعيد الأزمة المالية ومعالجتها؟
هذه المعالجات بقيت رهينة خلافات تتعلق برفض سياسة الضبط المالي والتقشف وصولاً الى إثارة مسألة السيادة الوطنية المهددة بفعل المعاهدات التي تصفها بعض دول الاتحاد الـ 27 بأنها «جديدة».
مشاكل الاتحاد الأوروبي كمنظومة اقتصادية أوسياسية ليست وليدة لحظتها ولا قصة الوحدة لم تكن منذ البدء بالرحلة السهلة في ظل حوار المتناقضات.
الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، عالج هذه المسألة في مقال نشرته صحيفة “ذود دويتشه” الواسعة الانتشار بتاريخ 7 نيسان 2011 ، حيث اعتبر أن أزمة اليورو هي نتيجة بناء خاطئ لمنطقة ضخمة من الاقتصاد والعملة.
تحت عنوان “ميركل تسترشد استطلاعات الرأي الانتهازية” ينتقد هابرماس سياسة الاتحاد الأوروبي على أكثر من صعيد، معتبراً أن النخب السياسية واصلت “بشكل وقح” إضعاف الشعب الأوروبي.
لعل ما طرحه أحد أعمدة مدرسة فرانكفورت للفلسفة النقدية يدخل في باب استشراف الأزمة قبل حدوثها، فقد تطرق هابرماس عبر مناقشة خطوة المجلس الأوروبي الذي ربط قراراته لتحقيق الاستقرار في العملة الموحدة بمبادرة «متأخرة» لتنسيق السياسات الاقتصادية في الدول الأعضاء المشاركة. إذ اعتبر انه «في بروكسل، بعد عام من المضاربات حول اليورو، اعتُمدت وراء أبواب مغلقة، رزمة ضخمة من توجيهات السياسة الاقتصادية تتّبع أثرها في المقام الأول المحامون والاقتصاديون وعلماء السياسة».
منذ فترة طويلة، برز دعم الدمج القسري للأسواق المالية على المدى القصير بالتعاون مع الحكومات الوطنية.
وفي رأي صاحب فلسفة التواصلية أن الأهم من هذا الدمج القسري للأسواق هو «المسألة السياسية المتعلقة بخطأ انشاء الاتحاد النقدي» والتي تنفتح عليها كل عيون المضاربين في الأسواق المالية.
لذلك يلحظ هابرماس أنه «مع اعتماد اليورو في العام 1999، كان البعض ما يزال يأمل في استمرار عملية التكامل السياسي، بينما كان آخرون مؤيدين يؤمنون بالليبرالية، حيث أن النظام الاقتصادي يلقى اهتماماً أكثر من الديموقراطية. واعتبروا بأن الالتزام بقواعد بسيطة لتوطيد الموازنات الوطنية ينبغي أن يكون كافياً، حيث تؤدي (معايير تكاليف الأجور) إلى التقاء وتقارب النمو الاقتصادي بين لبلدان».
إلا أن كلا التوقعين خاب بشكل كبير.
فقد ظهر للعيان أن التتابع السريع للديون المالية وأزمة اليورو، ناتج عن بناء خاطئ لمنطقة ضخمة من الاقتصاد والعملة، تفتقر لأدوات سياسة اقتصادية مشتركة. اما المشككين في اليورو مثل أنغيلا ميركل، فقد أُجبروا على مضض تحت الحاح القيود النظامية على اتخاذ خطوة في اتجاه التكامل.
يرى هابرماسأن إزالة هذا الخطأ قد يتم بطرق غير رسمية من «التنسيق المفتوح». ويقول إن «هذه الحلول الطارئة، لديها ميزة، من وجهة نظر اللاعبين، لأنها لا يمكن أن توقظ الحراس النائمين».
ويتساءل إلى أي حد يمكن أن تكون هذه الحلول فعالة؟ متخوفاً من أن ضعف الديموقراطية قد يؤجّج الأحقاد بالنسبة للشعوب في البلدان المختلفة الأعضاء في الإتحاد. ويتمثل هذا أفضل تمثيل في موقف بعض الدول من المعاهدة الأخيرة على قاعدة الحفاظ على السيادة الوطنية.
ينصح هابرماس رؤساء الحكومات الأوروبية بأن يتحاوروا «ما فوق الكتف» في نظرتهم الى العديد من المسائل، وذلك لمعرفة ما اذا كانوا قد تكيفوا مع وضع الدين العام وسن التقاعد وتحرير أسواق العمل، والانجازات الاجتماعية والنظام الصحي، والأجور في القطاع العام، ونسبة الأجر وضريبة الحماية الصحية، وأكثر من ذلك تلائمها مع «شروط» المفوضية الأوروبية.
في رأيه أن عدم التقيد القانوني بقرار الحكومات بشأن السياسات، التي هي من اختصاص الدول الأعضاء، وبرلماناتها، يؤدي الى مأزق. «فحين تبقى التوصيات المتعلقة بتوجيه السياسات الاقتصادية، غير فعالة، تستمر المشاكل، التي معها كان ينبغي أن تُحل». ويتابع مع ذلك، إذا قامت الحكومات بتنسيق أعمالها بشكل فعال على النحو المنشود «لا بد لها من أن تحصل على الشرعية اللازمة والضرورية لتسيير شؤونها الداخلية».
ويرى الفيلسوف أن ضعف التنسيق، «الذي لا يزال وضعه القانوني غامض بشكل متعمّد»، غير كاف لإصدار اللوائح التي تتطلب العمل المشترك من قبل الاتحاد. ويخلص الى أنه «ما دام الشعب الأوروبي متوحداً تبقى حكوماته الوطنية عناصر تفاوض على مسرح الأحداث الأوروبية، تتخذ القرارات كحقيقة نتيجتها لعبة خاسرة… ومن خلالها يحاول اللاعبون فرض إراداتهم على الآخرين». ويضيف أن «الشعوب الأوروبية المُنهكة تحت ظروف معينة، سترفض نقل مزيد من حقوقها السيادية، في مجال أساسي الى الإتحاد»، ويعتبر هابرماس أن «هذا التوقع هو مريح للغاية» ويدعو النخب السياسية إلى«التخفيف من أعباء حالة الاتحاد التي يرثى لها».
وعبر مراقبة ما يحاول الاتحاد الأوروبي القيام به للتوصل الى سياسات توفق بين الحفاظ على السيادة والتخفيف من عبء الأزمة المالية، نرىأن تصلب بريطانيا وبعض الدول التي تدور في فلكها قد يحد من أهمية الحلول المتخطية لحدود الدولة في هذا المجال.
النظرة التشاؤمية ظهرت أكثر تجلياً هنا مع هابرماس نفسه بقوله إن «إجراءات الوحدة الأوروبية، التي كانت دائماً تشغل رؤوس الناس، أصبحت اليوم أمام طريق مسدود، لأنها لا يمكن أن تستمر من دون تغيير في الوضع الإداري المُعتاد لمشاركة السكان بشكل أكبر» ويصل الفيلسوف إلى النتيجة التالية« النخب السياسية تغرس رأسها في الرمال، وتواصل، دون تأثربما يدور حولها، بناء مشروع نخبوي يضعف المواطنين الأوروبيّين»
الخلاصة بالنسبة للفيلسوف العصري «إنها وقاحة».