- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تونس: “المجلس التأسيسي” بين الاستفتاء والتأجيل

تونس ــ نزار مقني

يبدو أن السؤال الذي بدأ يأخذ بعداً كبيراً في الأوساط السياسية التونسية هو: هل تجرى انتخابات المجلس التأسيسي أم لا؟ ففي ظل ما عرفته تونس في الأيام القليلة الماضية، يبدو هذا السؤال أكثر واقعية من أي وقت مضى.

في غمرة إجابته عن أسئلة الحضور من الصحافيين ورجال الدولة، ألقى رئيس الحكومة، الباجي قايد السبسي، قنبلة، سرعان ما دوت في ربوع “القصبة” (مقر الحكومة التونسية)، إذ وصف بعض رجال الأمن بـ”القردة”. وكان لتلك العبارة مفعول سريع، إذ سرعان ما حط أكثر من 4 آلاف عنصر من قوات الأمن بثقلهم على “ساحة القصبة”، مطالبين الباجي بالاستقالة.

وأتى ذلك في وقت كان الجميع يستمع فيه إلى خطاب السبسي، الذي أعلن فيه حل النقابات المنتخبة لوحدات الأمن الوطني، قائلاً إنها تريد التمرد على الدولة التي عليها أن تحافظ على هيبتها.

إلا أن هذا “التمرد” أخذ يتسع رويداً رويداً وألقى بظلاله على الأمن العام والشارع التونسي، حيث أصبح الخوف يطبع الحياة في تونس في الليل قبل النهار. ولعل هذا الظرف الأمني زاد حدة بعد المعلومات التي سرّبتها الاستخبارات العسكرية التونسية حول تهديد لـ”لقاعدة” في تونس في ذكرى 11 سبتمبر/ ايلول، وانعكس من حيث أهميته وثقله على الحياة السياسية في ليطلق العنان لخيال رئيس الوزراء، فيعلن حالة الطوارئ، وسربان القوانين العرفية، التي تمنح الولاة (المحافظين) سلطة تنفيذية واسعة في أماكن حكمهم.

ويأتي هذا الظرف في وقت تعمل الأحزاب السياسية على استكمال آخر لمساتها السياسية والتحالفية والإشهارية، لدخول معترك الانتخابات المقررة أن تجرى في 23 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وجاء هذا الواقع السياسي المشحون ليشل حركة تلك الأحزاب، بعدما دعت طائفة منها للعمل على ضرورة اجراء استفتاء حول من سيقود الحكومة أثناء فترة حكم المجلس التأسيسي وكم ستدوم تلك الفترة؟

هذه الأسئلة كانت كافية لتصب الزيت على النار في المؤسسات المؤقتة التي تقود البلاد في الوقت الحاضر، فوجدت طريقها سريعاً إلى اللجنة العليا المستقلة للانتخابات، التي رفضتها بوصفها “تعدياً على شرعية الانتخابات”.

الدعوة إلى الاستفتاء كانت أيضاً محل متابعة من حكومة الباجي قايد السبسي، كما أخذت طريقها مباشرة للرفض من قبل “الهيئة العليا المستقلة لتحقيق أهداف الثورة”، والتي كانت تعمل على ملف المجلس التأسيسي وتغيير الدستور، الذي كان مطلباً شعبياً من قبل معتصمي “القصبة الثانية”.

ففي وقت تسعى أحزاب من “التحالف الجمهوري” (قرابة 47 حزباً من تلك التي قامت على هيكل التجمع المنحل) الى الذهاب بعيداً في فكرة انجاز الإستفتاء، فإن بعض الأحزاب الأخرى اعتبرت هذه الفكرة تمهيداً لـ”الالتفاف على الثورة” ورجوع التجمع من “ثقب الاستفتاء”.

وتأتي فكرة الاستفتاء بعدما كانت أحزاب التحالف الجمهوري أعربت عن سخطها مما اعتبرته اقصاءً لها كأحزاب قائمة من “كعكة الفترة الإنتقالية”.

ولعل مصدر هذه الفكرة هو الذي جعل الأحزاب الكبيرة الجديدة (معارضة الخارج في عهد بن علي) تعتبرها التفافاً على الثورة، ما جعل الجو السياسي العام في تونس ينبئ بالعديد من المؤشرات التي تدل على تأجيل الانتخابات، وخصوصاً إذا لم تحسم فكرة الاستفتاء، والتي إذا ما أخذت بها الأطراف السياسية الفاعلة ستفرض تأجيلاً بحجة التحضير لها. التأجيل سيفرض نفسه أيضاً في حال الفلتان الأمني إذا ما ذهبت الأحزاب لاستعمال الشارع كسلاح لفرض القرار السياسي، وهو ما تتخوف الحكومة المؤقتة والتي استبقته بإعلان حالة الطوارئ من جديد، بعدما كانت علقته في شهر يوليو/ تموز الماضي.