إنشغلت الأوساط السياسية والإعلامية في تحليل ما بعد يبرود وإعتبارها محطة مهمة في الأحداث الدائرة في سوريا ، كما توقفت القراءات عند سهولة دخول الجيش السوري للقلمون وقلعة الحصن كما يبرود ومن دون مقاومة فعلية على الأرض لا بل جرى فتح ممرات في بعض الأحيان لإنسحاب مقاتلي المعارضة السورية . هذه العملية التي أحدثت تداعيات على مواقع كلا الطرفين المتصارعين ، النظام والمعارضة ، إستدعت أيضا إعادة قراءة من قبل الصحافة ولا سيما الغربية منها ، التي وصفت ما حدث بالإنتصار للنظام ، كما فعلت صحيفة الواشنطن بوست ، ولو أن العديد من التحاليل أجمع على إعتبار أن الحرب طويلة ولا أمل لحل سياسي في الأفق القريب .
ما حصل في يبرود كان سبقه إنجاز ملف الراهبات المعتقلات لدى ما بات يعرف لاحقا بجبهة النصرة ، وهو ملف أنهى مأساة إستمرت لأشهر وقاده في عملية التفاوض منذ اللحظة الأولى مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم . عملية إطلاق سراح الراهبات التي تمت بعملية تبادل مع سجناء لدى النظام السوري ، لعبت فيها قطر دورا بارزا قاده شخصيا مدير المخابرات القطرية غانم الكبيسي الذي كان متواجدا في بيروت. الوساطة القطرية التي لم تكن الأولى وكان سبقها إطلاق سراح الرهائن اللبنانيين في أعزاز على الحدود السورية التركية ، وأيضاً بإدارة من اللواء إبراهيم ، إعتبرها البعض محاولة قطرية إلتفافية داخل المشهد السوري كما اللبناني ولكن هذه المرة على إيقاع الصراع مع المملكة العربية السعودية ، والذي بدأ يترجم في عدد من الوقائع إذا ما تم قراءتها جيدا يمكن الإستنتاج أن مؤشرات التوتر ظهرت ملامحها تباعا على المشهدين السوري واللبناني .
في سوريا ، كتب عن تغيير على الساحة القتالية من خلال التخلي عن بعض المجموعات الإسلامية المتطرفة وهو ما سهل دخول الجيش السوري الى يبرود وانسحاب البعض الآخر الى عرسال ، كما عن تراجع الدعم المالي لهذه المجموعات المدعومة من قطر ، وفي السياسة رسائل حوارية باتجاه إيران كما حزب الله من الجانب القطري وهو ما فسره المراقبون على أنه رسالة ليس لإيران وحدها وإنما للسعودية والإمارات والبحرين ردا على قرار سحب السفراء .
وعلى الرغم من تأكيد وزير الخارجية القطري خالد العطية من بروكسيل أن لا خلاف حول الملف السوري مع السعودية واصفا ما قيل ب ” الشائعات ” قائلا “في الملف السوري نحن على أعلى مستوى من التنسيق مع مجموعة أصدقاء سوريا، خصوصاً المملكة العربية السعودية”، إلا أن التباين بين البلدين ظهر من خلال وضع لائحة المنظمات الإرهابية من قبل السعودية وتضمينها ” داعش ” و النصرة “و ” الإخوان المسلمون” وهو ما فسر بأنه إستكمال للخطوة الأولى المتمثلة بسحب السفراء ، بسبب المعلومات التي تتحدث عن دعم قطر المادي لبعض مجموعات هذه التنظيمات كما دعمها المباشر للإخوان .
أما في لبنان ، فيبدو الصراع أوضح إن على المستوى الأمني أو السياسي ، وكان آخر أشكاله ظهور الشيخ أحمد الأسير ، الممول من قطر إضافة الى بعض المجموعات المسلحة المتوزعة من صيدا الى طرابلس مرورا ببعض المناطق في بيروت ، برسالة بالصوت والصورة لأول مرة منذ أحداث عبرا ، حيث وجه من خلالها هجوما على النائب بهية الحريري متهما إياها بتحويل ملف عبرا من سياسي بامتياز الى قضائي مستعجل كما إتهمها بسرقة أوقاف جامع بلال بن رباح وتدمير أعمال المسجد بالتعاون مع مدير فرع المخابرات في الجنوب . هذا الهجوم المباشر في التوقيت ، وضع في سياق الصراع القطري السعودي على الساحة اللبنانية ، وهو تزامن مع إستمرار القتال في طرابلس في جولة طال أمدها هذه المرة ، وأدت الى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى وايضاً وضعت في خانة هذا الصراع من خلال الإسلاميين المدعومين من قطر كما هناك بعض الفعاليات الإسلامية المدعومة من السعودية .
مما لا شك فيه أن الضربة السياسية السعودية في لبنان لقطر جاءت من خلال الحكومة التي شكلت برئاسة تمام سلام والتي حصلت على ثقة 96 نائبا وحجبها نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت، الذي فسر تصويته أيضا في إطار الصراع السعودي القطري، وأنهت إتفاق الدوحة كليا من خلال حكومة ما سمي ” المصلحة الوطنية “ومن دون الثلث الضامن الذي تم تكريسه في الدوحة .
يبدو أن لبنان كما سوريا يعيشان مرحلة الفراق السعودي القطري ، ولو المؤقت ، نجحت السعودية بتسجيل نقطة لبنانية في المرمى القطري ، ونجحت قطر في تسجيل نقطة سورية في المرمى السعودي ، لكن المباراة لم تنته بعد والأشهر المقبلة ستحمل المزيد من الأهداف الدموية على الأرض اللبنانية كما السورية .
Sent from my iPad