اضراب الكرامة يعيد للثورة السورية سلميتها
لم يكن مشهد إقفال المحال التجارية مثيرا كما اليوم، فإغلاقها بمناسبة إضراب الكرامة يوم الاحد في 11 ديسمبر/ كانون الأول له طعم اخر. فالإضراب الذي يعتبر الخطوة الأولى للوصول لعصيان مدني، كان ولادة جديدة للثورة السورية، استعاد الشعب السوري من خلالها جزء اًمن حقوقه التي سلبت طوال الاربعين سنة الماضية في ممارسة حقه في الاضراب والعصيان كشكل من اشكال ممارسة الديمقراطية والمواطنة. الا ان اضراب اليوم جاء كرفض من السوريين لأن يعيشوا حياتهم ويمارسوا طقوسها وكأن شيئا لم يكن، هادفين منه الى دفع النظام لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين في سجونه، وسحب الجيش وآلياته من كافة المدن السورية.
غير أن هذا الحدث أعاد ولادة الثورة من جديد، وكما براءة الجنين كانت هي، لتعاد الى سلميتها المعهودة، خصوصاً بعد الحملات الاخيرة التي دعت الى تسليح الثورة وقيام الجيش الحر بعمليات عسكرية ضد عصابات الاسد. ما جعل الكثير من الدول تصرح بمخاوف قيام حرب اهلية في سوريا فكان من الاضراب اضفاء السلمية على البلاد اجمع.
وفي سياق التأكيد على تعديل مسار الثورة وإرجاعها إلى صبغتها الاولى، يقول الكاتب والمعارض السوري فايز سارة إن أهمية الإضراب تكمن في “إعادة الطابع السلمي للحراك السوري، وتوقف الحراك من التوجه نحو العسكرة والصدام العسكري أو الحلول العسكرية، فالإضراب عبارة عن مبادرات سلمية من أجل إنتزاع حقوق المواطن في مساعدته لتحقيق مطالبه التي خرج من أجلها إلى الشارع. وتكمن أهمية الحراك أنه أستطاع ادخال أناس جدد فيه، ووسع دائرة المحتجين المنظمين فيه، فما لا يزال هناك الكثير من السوريين يخافون القتل والاعتقال. وكون الاضراب يقع خارج حراك الشارع “المتظاهر”، ما يجعل الناس خارج دوامة المساءلة الامنية التي من الممكن ان تودي بحياتهم، من دون ان يكون هناك أي ضرر بالنسبة للسكان العاديين كون فكرة الاضراب اعلن عنها مسبقا”.
ولم تقف ايجابيات الاضراب الذي اثلج صدور السوريين واشعر كل فرد فيهم بان له الحق في التضامن مع اهله في المناطق المنكوبة من خلال اكثر فعل يتصف بالسلمية، بل راحت المعارضة السياسية تؤكد في نص الدعوة “انه بالالتزام بالاضراب وتصعيده نحو العصيان المدني، يستعيد السوريون زمام الفعل السياسي، وينزعون فتيل الانقسام الاجتماعي ويردون خطر التدخل الخارجي، وبالتالي يضعون الثورة على طريق الديمقراطية الحقيقية وتثبيت مفهوم المواطنة الكاملة بالحقوق والواجبات”.
الشارع المعارض برمته يدا بيد وقف إلى جانب عصيان أظهر نجاحه منذ اليوم الأول بنحو90% معلنا انه لا يمكن للحياة في سوريا أن تسير كما المعتاد في الوقت الذي تسقط عدة مدن سورية شهيدة للحرية. وفي سبيل وصول السوريين إلى مبتغاهم، سيستمر العصيان الى نهاية السنة، خصوصاً وأنه لا يكلف النفس السورية إلا وسعها، فبإمكان أي فرد تنفيذ ولو بند من بنودها، كإقفال الهواتف النقالة، والتزام البيت وامتناع الطلاب من الذهاب الى مدارسهم وجامعاتهم، واغلاق اصحاب المحال التجارية محالهم، الا ان بعضهم ما زال القلق يجوبه خوفا من بطش عصابات الأمن، خصوصاً وأن شبيحة النظام احرقوا عشرات المحال التجارية في عدة مدن، إضافة الى مساءلة من تغيب عن المدرسة او الدوام، ما جعل البعض يتأخر في اتخاذ قراره بالعصيان. وربما يُنتظر الى ان تتصاعد الأمور ويبدأ الإضراب القسري وفق خطة المعارضة، ويقوم فيها الناشطون بإعاقة حركة السير وإغلاق المحلات التجارية والدوائر الحكومية قسراً عن طريق وضع أقفال إضافية، أو وضع الصمغ في الأقفال، من ثم الإضراب الكامل. وهنا تبدأ مرحلة العصيان المدني التي تنتهي بإعاقة حركة العبور من وإلى سوريا، لزيادة ضغط الدول المجاورة على النظام، وفقدانها لعائدات الترانزيت وبذلك سيجبر التجار إلى الدخول في الاضراب وصولا للعصيان المدني .
الإضراب السلمي، ومنذ يومه الاول، أرعب النظام السوري على نحو ما صرحت به وكالة سانا السورية، وكما المعتاد قالت “إن الارهابيين هم من اعلنوا الاضراب بغية الحاق الضرر بالاقتصاد السوري”، داعية الشعب إلى عدم الانصياع للدعوة. في الوقت الذي هدد فيه محافظ حماة بتشميع المحال التجارية بالشمع الأحمر. وكما عهدنا رامي مخلوف رجل الاعمال السوري مالك شركات الاتصال الخلوية وشريك النظام بجرائمه قام بإرسال رسائل قصيرة للشعب السوري يحضهم فيها على عدم الاستجابة لدعوة المعارضة.
اضراب الكرامة حسم الأمر في ما يدعيه النظام بأن الحراك في الشارع لا يمثل إلا عشرة أو عشرين بالمئة من الشعب. فليشاهد بأم عينه كيف لأسواق حلب وريفها وحمص ودرعا وادلب ودير الزور وحماة وريف دمشق وجزء من أحياء دمشق أن تمثل فقط عشرة بالمئة من السكان. فهل يريد النظام دليلا اوضح من ذلك ليفهم أن الشعب السوري لم يعد يريده.