نقطة على السطر
بسّام الطيارة
الافتتاحية حول «تخويف» حزب الله لأهل السنة في لبنان استجلبت العديد من التعليقات الخاصة والعامة. إذا وضعنا جانباً من وافق على «وجهة النظر هذه» وأيدها، نرى أن المنتقدين «استفردوا» بشق واحد من هذه الأسطر وهي الموازين الطائفية والمذهبية التي شكلت هيكلية المقالة لتسليط شعاع ضوء على موازين القوى في لبنان عبر عامل الخوف من الآخر. ويمكن تلخيص هذا النقد بأن المنظور العام لهذه المقالة هو منظور طائفي بعيد عن المنظور الوطني.
لا أخالف رأي هؤلاء المنتقدين بأي شكل من الأشكال: صحيح أن وجهة النظر هذه مبنية على الإشارة إلى «سني شيعي ماروني» وتجاوزت الطوائف الأخرى وإن هي لم تكن غائبة عن التفكير بموازين القوى التي تدفع إلى الواجهه هذه الطوائف الأربع الكبرى.
ولكن هل يمكن الحديث عن السياسة في لبنان من دون الغوص في الطائفية والمذهبية؟ النظام السياسي اللبناني مبني على الطائفية والتوازنات الطائفية التي تحكم كل مركز في الدولة طائفة معينة، وأي مقاربة للسياسة في لبنان بعيداً عن هذا المنظور تكون مقاربة «طفولية ساذجة».
نعم يجب إزالة الطائفية من لبنان حتى ولو تتطلب الأمر «ثورة»… ثورة بكل معنى الكلمة. أي ثورة يغامر القيمون عليها بـ«كل ما يملكون» للوصول إلى هدف إزالة الطائفية وإخراج لبنان من جاهلية الطوائف نحو حداثة تواكب عصر تنوير عبر علمانية علمية تترك الطائفة في إطار الحياة الخاصة وتبعدها عن إطار الشأن العام.
معظم منتقدي المقالة المذكورة «نوه» بمآثر حزب الله الوطنية ودوره في دحر المعتدي الإسرائيلي. هذا صحيح، ولكن هذه المقاومة كانت تحت شعار ديني محصور بطائفة واحدة لهذا باتت كلمة «مقاومة» موضوع نزاع وتجاذب. هذه الحصرية هي التي تدخل الوجل في صميم طوائف أخرى (مسيحية) وتخيفها، ثم أن النظام الطائفي اللبناني يدفع طائفة أخرى (أهل السنة) لمحاولة وضع اليد على هذه الحصرية.
يمكن إزالة الطائفية في لبنان عبر ثورة تكون هي ربيع لبنان، ولكن لا يمكن لأي مجموعة سياسية لبنانية حالية أن تقود هذه الثورة لأن كل الفرق السياسية اللبنانية المؤثرة مبنية على أساس طائفي محض.
هل يمكن «حزب الله»، أياً كان تأثيره على «القوى الوطنية»، أن يقود ثورة تؤدي إلى نزع أسس قوته المتأصلة (أساساً) في الطائفة الشيعية؟ هل يستطيع الجنرال ميشال عون قيادة ثورة تؤدي إلى انهيار قاعدته المبنية على أسس طائفية مارونية (مسيحية)؟ هل يتنازل تيار المستقبل (الحالي) عن الخيوط التي يمسك بها الطائفة السنية؟ هل يقبل سمير جعجع بإزالة السدود الطائفية فيذوب حزب القوات اللبنانية المسيحي في أتون لبنان غير طائفي؟ ناهيك عن وليد جنبلاط الذي من المستحيل أن يتخلى عن دور «بيضة القبان» الذي يؤمنه له ميزان القوى الدرزي.
هل نجد في قيادة حزب الله مسؤولاً واحداً غير شيعي؟ وفي إطار قيادة التيار الوطني هل نجد إلى جانب الجنرال عون وقريبه جبران باسيل مسؤولاً واحداً غير مسيحي؟ وفي قيادة تيار المستقبل هل نجد مسؤولاً واحداً، على مستوى اتخاذ القرارات، لا ينتمي إلى المذهب السني؟ تماماً كما هو حال الحزب التقدمي الاشتراكي حيث القيادة درزية بامتياز وفي حال كان هناك «شخصيات» من طوائف مختلفة فسيكون تأثيرها شبه معدوم في قرارات الحزب أو التيار.
هذه الأحزاب الطائفية التي تلعب دور الانفتاح فقط في اختيار مرشحين من طوائف أخرى، تبعاً لما يسمح لها التقسيم الديموغرافي للدوائر الانتخابية، لن تقبل بأي حال من الأحوال التخلي عن النظام الطائفي. هذه الأحزاب تغذي نار الخوف عبر وقود الطائفية، تمسك «زبائنها» عبر مقايضة الخدمات مع الطوائف الأخرى، وتبث الرعب في صفوفهم وتلوح بفقدان الفتات الذي يحصلون عليه في حال زالت طائفية الخدمات.
الربيع اللبناني المطلوب يجب أن ينطلق من التضحيات بفتات الخدمات الملونة بلون طائفي وإنكار الذات والابتعاد عن عصبية الطائفة والنظر إلى لبنان المواطنية فقط. وهذا لا تستطيع أن تقوم به أحزاب وقوى مبنية على أسس طائفية.