بيروت – “برس نت”
كعادته في كل مساء ثلاثاء من الأسبوع واصل منتدى “شهرياد” أمسياته الثقافية شعراً وموسيقى وغناءً وتشكيلاً، بعدما انتقل من حانة “باروميتر” الى مقهى “نوارة” في رأس بيروت، حيث هواء البحر ينقّي القصيدة من شوائب المدينة وينساب بها على إيقاع موسيقى المبدعين نحو ذائقة تتوق الى عناق مستحيل.
في أمسية هذا الثلاثاء، تألقت الشاعرة أمية درغام، في قصائد تنساب بين خط الروح وخط الجسد، فتارة تجدها صوفية تعانق السماء لكن بعتب واعتراض، وأخرى تلك الأنثى العاشقة الجريئة التي تخترق الحُجب لتعبّر عن حقيقة مشاعرها بأريحية. أما الشاعر
، فقد استخدم فنه في التمثيل ليُمسرح قصيدته حيث بدا تفاعله مع صورالقصيدة وتعابيرها بشكل يجعل المستمع لا يفصل بين بديع الممثل وبديع الشاعر.
إلى جانب درغام وأبو شقرا، كانت الموسيقى تسرق الكلمات أحياناً فتدخل القصيدة بين ثنايا قانون العازف محيي الدين الغالي، لتعود وتتوزع على المستمعين فيطرب الكأس لحوار الشعر مع النغم، في وقت كان العود بيد الفنان الممثل سعد حمدان، يشكل بنغماته الحنونة خطاً تناغمياً مع غنائه للطرب الأصيل. ورافقه في هذه المهمة الفنان لؤي نصر بعزف العود والغناء أيضاً.
وكالعادة كان الفنان طارق بشاشة، حاضراً كما كل الأمسيات بآلته الموسيقية المميزة “الكلارينات”، حيث أصبح حضورها متلازماً مع حضور بشاشة الذي أبدع في التعامل معها. أما الفنان عادل أسمر فقد اشتغل على الإيقاع، في حين استلمت دفة الرسم الفنانة التشكيليّة زينب ضيا، التي قدمت لوحتين إحداهما “بورتريه” لبديع أبو شقرا. وقد قدم للأمسية كل من الشاعر محمد ناصرالدين، والناشطة الثقافية هبة عبد الخالق.
ومما قالته الشاعرة درغام في هذه الاحتفالية اللطيفة: له، تكوّر نهديّ/ وحضن يفيض بواحات جنان/ وفي كل واحة ألفُ سراب/
له، كلّي وما كلّي!/ !روح تقيم في هيكل بيتي/
له، كلمات سكرانة/ ماجنة/ ألحان تعزفها أناي على قيثارة من عمر/
له، قلبي وحذائي/ له صباحي إن أهداني هذا المساء.
وفي قصيدة أخرى تقول: حرّرتك فحررني/ حررتك من الألوهة فأنسني/ غيمي كثيف وداكن فأمطرني/ لا تطفو فوق سحابتي خفيفاً بجناحيّ ملاكٍ/ لا أريد منك أن تحرسني/ غادر سحبي كي أهطل وأعانق أرضي كيفما أشاء/ إله السماء… ابتعد.. ابتعد عني/ دع لي ما لي/ ارتكب خطيئتي/ أخونك في المعنى/ لا تتأنسن رسولاً/ ولا ترسل إليَّ جبريلاً يبشّرني..
أما الشاعر أبو شقرا فقرأ قصيدة قال فيها: ينبُتُ العشبُ على أصابعي ربيعاً أخضراً/ أخضرَ عندَ بياضِ أسفلِ ثدييكِ/
وتمطِرُ عيناي دموعاً/ بِحاراً كلّما تستلقي النّشوةُ عندَ تعبِ اسفلِ عينيكِ/ فأقتُلُ النّبيَّ نوحاً من حسَدِه، على جمالِ طوفاني.
في غمرةِ الصّقيعِ تعلوكِ شهادةُ دفءٍ/ وتفوح منكِ رائحةُ كلِّ الأشياء الجارِفة/
رائحةُ اللا حدود/ رائحةُ الشَعرِ/ واللحمِ الممزوجِ بفعل الأجساد/ بفعلِ حرارةِ النفَسِ وراءَ النّفَس/ الممزوجِ برائحةِ تعبِ القُبلِ/ برائحةِ الاختراق/، برائحة ماءِ الجنسِ الجارفِ كشارعِ الحمرا تحت شتاءٍ استثنائيّ/ هناك/ … تفوحُ منكِ رائحَتي.
وتمضي “شهرياد” في حكاياتها التي لا تنتهي، وها هي تعود لتواصل مسيرة شهرزاد في “ألف ليلة وليلة”، عبر تشكيلة منوعة رائعة من أساليب بعث الجمال، فتتنقل بين بيروت والبقاع في امسيات ونشاطات تؤكد أ، على هذه الأرض ما يزال هناك شيء يستحق الحياة.