#مصر: هل #السيسي ديكتاتور؟
يسعى القائد السابق للجيش المصري المشير عبد الفتاح السيسي إلى إضفاء صبغة إنسانية على صورته كمرشح للرئاسة، الا ان خطابه الحاد أحياناً والحملات الامنية، التي تستهدف أنصار سلفه محمد مرسي، الذي عزله قبل 11 شهراً تعزز المخاوف من ظهور نظام استبدادي جديد.
ولم يضطر السيسي الى بذل مجهود كبير في حملته الانتخابية، إذ يحظى بشعبية واسعة لا ينازعه فيها أي سياسي آخر منذ ثورة العام 2011، التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. فصوره التي تزين كل الشوارع والمتاجر تقريباً منذ 11 شهراً، تغيرت من صورة الجنرال صاحب البذلة العسكري المزينة بالاوسمة، الحاد النظرات خلف نظارة شمسية داكنة الى صورة الرجل المبتسم الوجه في بذلة مدنية انيقة وذلك منذ ان اضطر في آذار (مارس) الماضي الى ترك الجيش لتقديم ترشحه لانتخابات الرئاسة التي ستجرى الاثنين والثلثاء المقبلين. لكن خلف مظهره الهادىء الذي رأى فيه المصريون دليلاً على الثقة بالنفس، تختبئ شخصية ضابط عنيد خاض من دون ان يهتز مواجهة دامية مع جماعة الاخوان المسلمين، الحركة السياسية التي ظلت لعقود طويلة الاكثر تنظيما في البلاد. إذ عزل السيسي الرئيس محمد مرسي القيادي في الجماعة، في الثالث من تموز (يوليو) 2013، مؤكداً انه لبى بذلك “ارادة الشعب” بعد نزول ملايين المصريين الى الشوارع يطالبونه بالتدخل لإنهاء حكم الاخوان. وفي الواقع كان قراره اطاحة الرئيس الاسلامي السبب الرئيس في شعبيته، اذ رأى فيه المصريون دليلاً على الشجاعة والاقدام بعد عامين ونصف العام من الاضطرابات. وحتى منافسه الوحيد على مقعد الرئاسة حمدين صباحي يعترف بأن “شعبيته جارفة” وبأنه صار “بطلاً شعبياً”. وخلافاً للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسي هذه الشعبية معتمداً على الخطب الرنانة او اللهجة الحماسية وانما هو على العكس يتحدث دوماً بصوت خفيض وبنبرة هادئة ويفضل اللهجة العامية البسيطة على العربية الفصحى. وفي احاديثه الموجهة للمصريين، يفضل السيسي مخاطبة عواطفهم ولا يمل من تكرار ان الجيش المصري “ينفذ ما يأمر به الشعب”. وفي 26 تموز (يوليو)، طلب من المصريين النزول الى الشوارع لاعطائه “تفويضاً وأمراً لمواجهة الارهاب المحتمل”. وله عبارة شهيرة قالها قبل شهور من عزل مرسي وما زال يرددها في مناسبات عدة: “عندما اردتم (انتم المصريين) التغيير، غيرتم”، وفي مناسبة اخرى قال متوجهاً الى الشعب المصري “انتم نور عيوننا”. لكن هذه الرقة تخفي ايضا حدة تثير القلق من قمع محتمل للحريات، اذ قال السيسي في لقاء أخير مع مجموعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية: “انتم تكتبون في الصحف ان لا صوت يعلو فوق صوت حرية التعبير. ما هذا؟”. واضاف مستنكراً: “من السائح الذي سيأتي لنا ونحن نتظاهر كل يوم بهذا الشكل. هل نسيتم ان هناك ملايين من البشر والاسر غير قادرة على كسب قوت يومها بسبب توقف السياحة؟”. كما المح الى انه ليس مقتنعا بأن البلاد جاهزة بعد للديموقراطية، مشيراً في اللقاء نفسه الى انه ربما سيكون على مصر ان تنتظر “من 20 الى 25 سنة لتحقيق ديموقراطية كاملة”. وعلى رغم انتشار صوره الى جوار صورة الزعيم جمال عبد الناصر في التظاهرات وعلى واجهات المحلات، تؤكد قيادات عسكرية مقربة منه انه “لا يريد استنساخ تجربة عبد الناصر وسياساته”، وانما يأمل ان “يحقق العدالة الاجتماعية التي سعى اليها” الرئيس المصري الراحل. وفي لقاءاته التلفزيونية الطويلة يطالب السيسي المصريين بالتضحية والعمل الشاق للنهوض بالبلاد حتى انه خاطبهم مرة، قائلاً: “هل انتم مستعدون لاقتسام اللقمة (الخبز)” مع من لا يملك قوته و”هل ستستيقظون مبكراً مثل رجال الجيش لتبدأوا العمل في الخامسة صباحا؟”، في اشارة الى انه يريد توزيعاً عادلاً للدخل ويدرك في الوقت ذاته ان البلاد بحاجة الى عمل شاق. وعلى رغم ان الرجل امضى معظم سنين عمره الـ59 داخل ثكنات الجيش المصري، الا انه لم يكن في السنوات الاخيرة خصوصا بعيداً تماما عن السياسة. فعندما كان رئيساً للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك، وضع السيسي ما بات يعرف الان بـ”خطة استراتيجية” لتحرك محتمل لمواجهة “توريث الحكم” تحسباً لترشح جمال مبارك للرئاسة، كما قال لوكالة “فرانس برس” عسكري مقرب منه، طلب عدم الكشف عن هويته. وبعد قيام ثورة كانون الثاني (يناير)، التي اطاحت مبارك وقطعت الطريق على فكرة التوريث، كان السيسي مسؤولاً عن الحوار مع القوى السياسية، بما في ذلك جماعة “الاخوان”، فتعرف على كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة. والسيسي حذر ويحسب حركاته بدقة. فقبل عزل مرسي بأكثر من اسبوع وتحديداً في السادس والعشرين من تموز (يوليو) 2012 استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة جماعة الاخوان “ليكتشفوا ان الجيش انتشر منذ الفجر على كل النقاط الاستراتيجية في القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته على الارض”، وفق شخصية عسكرية مقربة من قائد الجيش. اما السبب، وفق الشخصية نفسها، فهو انه كانت لدى القوات المسلحة “معلومات عن تحرك سيقوم به الاخوان يتضمن اعتقالات لأكثر من ثلاثين شخصية سياسية واعلامية فكان لابد من الاستباق، وتحرك الجيش من دون علم او اذن رئيس الجمهورية”. عندما عين السيسي وزيراً للدفاع منتصف 2012 سرت تكهنات انه “اسلامي الهوى”، لم تتبدد الا بعد عزل مرسي والحملة الامنية التي استهدفت الاخوان المسلمين وسقط فيها منذ قرابة ستة اشهر اكثر من الف قتيل واعتقل آلاف آخرون. ويقول المقربون من السيسي انه لم يكن في أي وقت يميل الى الاسلاميين، لكنه مسلم متدين يحرص مثل كثير من المصريين على اداء صلاة الفجر قبل ان يبدأ عمله في الصباح الباكر كما ان زوجته مثل الغالبية العظمى من المصريات ترتدي الحجاب. تخرج السيسي من الكلية الحربية المصرية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في كلية القادة والاركان البريطانية عام 1992 وفي كلية الحرب العليا الاميركية في العام 2006. وللفريق السيسي اربعة ابناء، ثلاثة شبان درسوا جميعهم في كليات عسكرية مصرية وانضموا الى صفوف القوات المسلحة واكبرهم متزوج من ابنة مدير المخابرات العسكرية الحالي اللواء محمود حجازي، وبنت واحدة تزوجت بعيدا عن الاضواء قبل نحو شهرين.