عبد الرحمن مخلف: “يهود الجزائر تقاسموا محن المسلمين الجزائريين”
عبد الرحمن مخلف هو صحفي وكاتب جزائري، كان له دور في إعطاء نبض جديد لـ”وكالة الأنباء الجزائرية” عام 1962. عمل في جريدة “ألجيري أكتواليتي” سنة 1967، ساهم في تأسيس أسبوعية “جونيس أكسيون”، والتحق من جديد بـ”وكالة الأنباء الجزائرية” سنة 1978، وفتح مكتبًا لوكالة الأنباء ببلغراد سنة 1982. في 1986، تلقى وسام شرف “العلم اليوغسلافي” ذي النجمة الذهبية، كما ساهم في إنشاء مجلتين سنة 1990 و1998: “في ألجيرواز” و”إسكال”. نُشر له، مؤخرًا، كتاب “أوراق نعناع خلف الأذنين، قصة عن مدينة القصبة” لدار “أبيك” الجزائرية للنّشر، التقينا به، وكان لنا حديث معه عن آخر المستجدات على السّاحة الإعلامية والسّياسية والثّقافية في الجزائر.
ومخلف هو رئيس تحرير سابق في “وكالة الأنباء الجزائرية”، القسم “الوطني”، وحدثنا عن وكالة الأنباء الجزائرية ووجودها ضمن المشهد الإعلامي. وقال إنّه: «منذ تولي السيد عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجمهورية الجزائرية أعلن أنّه هو رئيس التّحرير لوكالة الأنباء الجزائرية وللتلفزة الوطنية وهذا ما يقصي أية مبادرة تصدر من قبل صحفيي المؤسستين. فإليك مثلاً، حال الصحفية لدى “وكالة الأنباء الجزائرية”، “ف. ز. خليفي”، التّي أطلقت صرخة استنكار في مقال ظهر في جريدة “لومتان” — الناطقة بالفرنسية —، في شهر أكتوبر 1999، منددة بـ “الوضع المهني والفكري والأخلاقي لوكالة الأنباء الذّي أصبح مترديًا” هذا لا يعني “أنّنا وصلنا إلى مستوى عجز لممارسة هذه المهنة، لكنّهم يمنعوننا من القيام بها”. وضمن مقالات عديدة عرضت هذه الصحفية القصور الخطير الذي يعرقل مسار عمل الصحفيين كعدم الكفاءة والانتهازية والتهميش. فمضمون النّصوص غير جيّد ورؤساء التّحرير متحمسين جدًا ولا يقيمون حدودًا لخدمة من يعتبرونهم أسيادهم وغير ذلك من الأشياء. وفي هذه الأوضاع وشروط العمل المتواجدة، تكون “وكالة الأنباء الجزائرية” على السّاحة الإعلامية تعكس صورة رئيس تحريرها».
وجرّ بنا الحديث مع السّيد مخلف إلى موضوع “يهود الجزائر” خاصة وأنّه تحدّث عنهم في روايته الجديدة الّتي صُدرت مُؤخرًا، “أوراق نعناع خلف الأذنين: قصة عن مدينة القصبة”، وعاد بنا إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي أثناء الحرب العالمية الثّانية، ومن خلال شخصية “ريموند تيمسيت” وهو ابن القصبة، سرد لنا الكاتب تعلّق “يهود الجزائر” بموطنهم الجزائر وتضامنهم مع المسلمين الجزائريين. ومن خلال صفحات الرّواية، يقول على لسان “تيمسيت”: «”ريموند تيمسيت”، يدرك جيّدًا أنّ وعد “ديغول” للجزائريين ومنحهم جميع حقوقهم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان مجرد إغراء، فهو يعلم تمامًا أنّ النّظام الاستعماري لن يتخلى بتاتًا عن امتيازاته في الجزائر بهذه السّهولة إلاّ بالقوة». وفي صفحات أخرى، يجعلنا نتابع “تيمسيت” عندما يلتقي مع صهيوني وهو يحاول إقناعه لترك أرض الجزائر والذّهاب إلى فلسطين، فيردّ عليه “تيمسيت”: «الأوروبيون هم الذّين يقومون باضطهادكم، والفلسطينيون هم الذّين يدفعون ثمن ذلك! (وهو إذا كان يحب المغاربة) فلأنّهم دافعوا عن اليهود الذّين كانوا ضحايا استفزازات ومتابعات الملكة “إيزابيل الكاثوليكية”. وحدهم العرب، ولاسيما المغاربة رحبوا بهم وتبنوهم». إلاّ أنّ موضوع “يهود الجزائر” لا يزال موضوعًا حساسًا إن لم يكن من الطابوهات في بلادنا. لكنّ مخلف قال لنا: «يهود الجزائر تقاسموا محن المسلمين الجزائريين. وقد حاولت الإدارة الاستعمارية مرات عديدة إبعادهم وإخراجهم من مجتمعهم الأصلي وإدماجهم في المجتمع الفرنسي، خاصة بعد إصدار مرسوم “كريميو” الذّي يمنحهم الجنسية والمواطنة الفرنسية وذاك المرسوم لم يكن إلاّ خدعة فعند تولي المارشال “بيتان” السّلطة انتزع منهم جميع حقوقهم بأمر من هتلر. كما أنّ وجودهم في الجزائر، الذّي هو موطنهم، لا يعتبر من الطابوهات، إذ ساهم بعضهم في تحريره. وهذا برغم التعقيدات التّي أوجدتها “منظمة الجيش السّرية” الفرنسية وأجبرت الكثير منهم على مساندتهم والتّخلي عن البلاد خاصة بعد إبرام إتفاقيات وقف إطلاق النّار وكذلك دفع إسرائيل مواطنيها غير الناضجين سياسيًا للخلط بين ما هو يهودي وما هو صهيوني».
وعن فوز السّيد عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرّئاسية لولاية رابعة، قال “مخلف”: «إنّه نصر منتظر، نظرًا لإشراك الإدارة في الحملة الانتخابية وممارسة التزوير الذّي كان دائمًا ميّزة في الانتخابات الرّئاسية».
وكان السّيد عبد العزيز بوتفليقة بعد توليه كرسي الرّئاسة لعهدة رابعة، اقترح أيامًا قلائل بعدها تحديد العهدات الرّئاسية باثنتين وتعزيز سلطات الوزير الأوّل المخولة له، وتساءلنا إن كان هذا القرار جاء كردة فعل الشّارع تجاه هذه الانتخابات أم أنّ الرّئيس اتخذ هذا القرار لإدراكه عدم قدرته عن تقديم ترشح آخر ما بعد الولاية الرّابعة. وكان ردّ مخلف: «معرفتي بشخصية الرّئيس والرهائن الخفية، يدفعني إلى القول بأنّ ضغط الشّارع لم يكن له أيّ تأثير على قراره في الحدّ من العهدات الرّئاسية، لكن هل هذا يعني نهاية نظام؟ أشكّ في ذلك».
وقد عصفت بالجزائر أيامًا قلائل بعد تولي عبد العزيز بوتفليقة الرّئاسة مقتل 14 جنديًا على يدّ إرهابيي “القاعدة في المغرب الإسلامي” بمنطقة القبائل الكبرى، كما شهدت ولاية “سيدي بلعباس” انفجار قنبلة يدوية عند ضريح “سيدي يحيى” أدت إلى وفاة مسيّره، ونحن نتساءل هل الاستراتيجية الأمنية في الجزائر ضعيفة وهشة؟ يجيب “مخلف”: «لا توجد أيّة استراتيجية أمنية واضحة في الجزائر فالقادة يتحرّكون بصفة متقطّعة، وهي ردود فعل سطحية وعلى هذا المنوال يتعذر علينا وضع حدّ للإرهاب بما أنّ أساس إيديولوجية الإرهاب لم يتمّ التّطرق إليه كما ينبغي وفقًا لميثاق الوئام الوطني. لقد غاب عن البلد فرصة تسوية هذا الوضع بمنح العفو الشّامل للإرهابيين ورفض محاكاة جنوب إفريقيا التّي عاملت كما يستحق فعله مع مخلفات العنصرية وذلك بإنشاء لجنة العدل والحقيقة. وإلاّ كيف يمكن أن نفسر مقتل 11 أو 16 جنديًا جزائريًا غداة الانتخابات الرّئاسية في منطقة القبائل الكبرى والذّين تمّ نقلهم ليلاً على متن حافلة مدنية؟ كيف يمكن تفسير هجوم الكوموندوز الذّي كان مدججًا بالعتاد والسّلاح على قاعدة “تقنتورين” في 2013 والذّي تمكّن من قطع مسافة 80 كلم من الحدود اللّيبية دون أن تهتدي إليه طائرات ومروحيات البعثة في المنطقة؟».
كما عرفت الجزائر عودة “استعمال العصي” من قبل عناصر الشّرطة سواء كان قبل الانتخابات خلال المظاهرات الاحتجاجية المناهضة للانتخابات الرّئاسية أو في الذّكرى 34 للرّبيع الأمازيغي حيث فقد تلميذ في الثانوي عينه بسبب طلقة رصاص من المطاط استعملها أحد أعوان الأمن وأصابته وكذا الفيديو التّي سجلها أحد المارة يُظهر فيها تجاوزات خطيرة ارتكبتها عناصر من الشرطة في الزّي الرّسمي والمدني تجاه شاب عازل في مدينة تيزي وزو، وتساءلنا كيف يمكن أن يسمح بممارسة مثل هذه التّصرفات والقانون الجزائري واضح في هذا المجال كالمادة 35 من الدستور الجزائري التّي تنص على ما يلي: “يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضدّ الحقوق والحريات، وعلى كلّ ما يمسّ سلامة الإنسان البدنية والمعنوية” أوالمادة 107 من قانون العقوبات الجزائري التّي تعاقب اللّجوء إلى استعمال السلطة التعسفية أو المادة 47 من القانون المدني والتّي تتعلق بانتهاك حقوق وحريات المواطن الجزائري، وما مدى فعالية كلّ هذه المواد القانونية وغيرها المتواجدة والتجاوزات والمخالفات التّي نشاهدها على أرض الواقع، السّيد “مخلف” قال: «بالفعل هناك مجموعة من القوانين التّي تدافع عن حقوق وحريات المواطنين لكنّه نادرًا ما تُطبّق… فأمام قمع الشّرطة، يبدو أنّ المواطن ليس لديه أيّ حقّ. أمّا المواطن الذّي قام بتصوير تلك المخالفات التّي ارتكبتها الشّرطة تجاه مواطنين جزائريين في تيزي وزو فيستحق كلّ التقدير وعلينا أن نشكره لأنّه قدم لنا دليلاً كافيًا على أنّ ضمانات احترام حقوق الإنسان التّي يتغنى بها المسؤولون هي مجرد أكاذيب».
وعن الوضعية المتأزمة التّي تشهدها حاليًا مدينة غرداية قال: «إنّها وضعية تعكس الصّورة الدرامية لأكاذيب المسؤولين, فسكان بني مزاب تمّ إهمال أوضاعهم منذ زمن طويل أمّا الاضطرابات التّي مست المدينة خلال شهر سبتمبر 2013 الماضي فهي في الحقيقة بدأت عام 1967. وأنا أتذكّر جيدًا أنّه في تلك الفترة كان الاهتمام الوحيد للسّلطات هو أن يتم قراءة هذه الأخبار كمجرد اضطهاد تجاه أقلية إباضية يعود تواجدها على أرض الجزائر منذ القرن الثاني عشر أمّا عن الأسباب الحقيقية للاضطرابات التّي شهدتها مدينة غرداية فهي خفية، فهناك مشاغبون مهمتهم إضرام النّار بين الأقلية الإباضية والعرب، ما السّبب؟ وحده جهاز الاستخبارات الجزائرية يمكنه الردّ على ذلك».
وفي حديثنا عن الحملة الانتخابية التّي قام بها مساندو بوتفليقة، تذكرنا إحدى العبارات لفظها سلال من مثل: “اتركوا الشّباب يعيش، اتركوا النّاس تتنفس!”، تساءلنا كيف يمكن أن تتحقق أمنيات سلال بأفعال لا بعصا سحرية إذا كان الحدّ الأدنى للأجور حدد بـ: 180 أورو شهريًا بدل 1800 أورو شهريًا، على الأقل؟ كيف يمكن للنّاس التّنفس إذا كان بعضهم يعيشون في بيوت قزديرية ولا يمكنهم حتّى الحصول على مسكن لائق في الوقت الذّي يعيش مسؤولو الدّولة مجانًا في شاليهات “نادي الصّنوبر” وتحت حراسة مشدّدة وكلّ ذلك على حساب المواطنين الجزائريين؟ كيف يمكن للنّاس أن تعيش إذا كان في كلّ خطوة يخطونها في الشّوارع إلاّ ويلتقون بالمئات من المتشردين البؤساء على قارعة الطّريق؟
وكان ردّ “مخلف”: «كيف يمكن تصديق الوعود المقترحة خلال الحملة الانتخابية؟ إنّها مجرد أكاذيب، وليست هناك أيّة خطة لمساعدة الشّباب ما عدا اقترحات “الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشّباب” أو “الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي” التّي ساعدت بعض الشّباب في مسيرتهم المهنية، لكن كم عدد أولئك الذّين أوجدوا أنفسهم في ساحة الأعمال الضّارية دون أن يعدوا أنفسهم لذلك؟ حتّى أنّ بعضهم لجأوا إلى ابتياع معداتهم التّي اقتنوها عن طريق القروض البنكية».
وكانت الانتخابات الرّئاسية الأخيرة ألهمت الكثير من الملاحظين والصحفيين الأجانب من أمثال الصحفي الفرنسي “إيريك زمور” الذّي قال خلال حصة تلفزيونية على قناة فرنسية: “لا وجود للجزائر، إنّها اختراع من فرنسا، لقد كانت دائمًا مستعمرة فرنسية”.
جواب “مخلف” كان: «هذا البغل لم يحفظ جيدًا دروسه، وإلاّ لكان يعلم أنّ أجداده الذّين طردتهم الملكة “إليزابيث الكاثوليكية” من إسبانيا سنة 1492، لم يجدوا ملاذًا إلاّ في بلاد المغرب العربي ولاسيما في الجزائر حيث قاموا بإنعاش الثّقافة المحلية من خلال الحضارة الأندلسية. كما قام الملك “فرانسوا الأول” سنوات قلائل بعدها بإبرام اتفاقية مع الدّولة الجزائرية لحماية بواخرها من هجومات “الرّياس” الذّين كانوا مهيمنين على البحر الأبيض المتوسط، وفاوضت بعدها فرنسا مع العاصمة الجزائرية لشراء القمح سواء كان ذلك خلال الثورة الفرنسية عام 1789 أو خلال حكم “نابليون” أو “لويس فيليب” بحيث أنّها لحدّ الآن لم تسدّد ديون القمح الذّي اشترته, ولذا كان جشع البلاط الفرنسي على الاستيلاء على ثروات مدينة القصبة هو السّبب الحقيقي لغزوها الجزائر سنة 1830. وقبل هذا الغزو، حاولت فرنسا مرات عديدة الدّخول إلى الجزائر كحملة الملك شارل الخامس سنة 1541 والتّي بُليت بهزيمة نكراء من قبل أسطولنا. بل وحتّى إذا رجعنا إلى تاريخ الجزائر بقرون إلى الوراء، ففي فترة حكم ملوك “نوميديا”، مثل “ماسينيسا” الذّي كان حليف روما أو “يوغورطة” نجدهم أنّهم حاربوا فرنسا حتّى الموت. في حقيقة الأمر، “زمور” يدرك جيدًا أنّ اسمه من أصول أمازيغية فكلمة “زمور” تعني “الزّيتون”، بعبارة أخرى هو أنّ “إيريك زمور” كلّ ما يستحقه هي قلنسوة حمار يضعها على رأسه بدل إرساله إلى بلاطوهات التّلفزيون للاستحمار، لكن، ماذا نقول؟ عدا أنّه يمثل صوت أسياده مثله مثل أولئك الذّين يعتبرون أنفسهم أشباه الفلاسفة ويدعون إلى كسر شوكة العرب والمسلمين وانتقاد حلفائهم من الروس والصينيين، ولذا يمكن للمحافظين الجدد الأمريكيين وكذا إسرائيل أن يفرحوا بقنابلهم الإعلامية ليتسنى لهم العمل».
وروايات مخلف تندرج ضمن سجل تاريخ الذّاكرة، ففي روايته “بعيدًا عن السّاقية” التّي أصدرتها دار “أبيك” الجزائرية للنّشر عام 2010، يعود بنا إلى فترة ما قبل استقلال الجزائر حيث تحدث عن اتفاقيات إيفيان وكانت فرنسا عملت المستحيل من أجل الحفاظ على صحراء الجزائر وما تزخر به من ثروات البترول والغاز لكنها لم تتمكن من ذلك، إلاّ أنّ اتفاقيات إيفيان منحتها “حقّ الأفضلية” على البترول الجزائري وهذه الامتيازات التّي تمتلكها على المحروقات الجزائرية تعدّ مصدرًا أساسيًا لرواتب الفرنسيين، وتساءلنا عمّا إذا فتحنا ملف اتفاقيات إيفيان ومناقشتها من جديد. فأجابنا “مخلف”: «حقيقة أنّ هذه الاتفاقيات غير عادلة فقد أعطت نصيب حصة الأسد لفرنسا فعدا “حقّ الأفضلية” على ثروات البترول التّي تحصلت عليها فرنسا تنازلنا لها عن مراكز نووية في الصحراء لغاية سنة 1976، وهذا ما سمح لباريس بتطوير قنبلتها النّووية وترك الأماكن المستغلة في حالة تلوث خطيرة نتيجة الإشعاعات النّووية دون تطهير المراكز, النتيجة كانت مرعبة: أجيال كاملة من سكان المنطقة أصيبوا بأمراض السّرطان وتشوهات خلقية. كما علينا إعادة النّظر في إتفاقيات الشّراكة المبرمة مع الإتحاد الأوروبي والتّي منحت مزايا تجارية عظيمة للأوروبيين وأعطتهم ضمانات أسواق مربحة لمنتوجاتهم الصّناعية دون أن تستجيب لطلبات الجزائر في مجال الاستثمارات والنّقل التّكنولوجي».
وعن الذّكرى 65 لمجازر 08 ماي 1945، تساءلنا إن لم يحن الوقت لتعترف فرنسا بكلّ الجرائم ضدّ الإنسانية التّي ارتكبتها منذ 1830 إلى غاية 1962، إذ كيف يمكن الحديث عن علاقات مستقرة بين بلدين كان يربطهما ماض استعماري، ولا تعترف بجرائمها ولا تقدم اعتذراتها؟ جواب “مخلف” كان: «على فرنسا الاعتراف بجرائمها التّي ارتكبتها في حقّ الجزائر، لكنّني أعتبر الاعتذارات لا جدوى منها لأنّنا صفينا حساباتنا مع فرنسا في هذا المجال».
وكان لنا مع السّيد “مخلف” حديث عن المثّقف ودوره في المجتمع، وفي هذا المجال يقول الكاتب “رشيد ميموني”: «على المثقف أن يكون منتقدًا ويندّد بعيوب المجتمع والسّلطة كذلك»، بالنّسبة لـ”عبد الرّحمان مخلف” أنّ مهمة المثقف التّي دعا إليها “رشيد ميموني” هي المهمة الحقيقية كالتزام نخبة عديدة من المثقفين الجزائريين خلال العشرية الحمراء في الجزائر والذّين تمّ اغتيالهم بعدها، أمثال: “طاهر جاووت” و”فرحات شركيت” و”بوخبزة” و”بوسبسي” و”اليابس” و”فليسي” و”علولة” وغيرهم.
أمّا عن الحفاظ عن الذّاكرة الجزائرية وعن قضية إذا كانت أجيال ما بعد الاستقلال صانتها أم خانتها، وفي هذا السّياق تذكرنا مقولة للشّهيد “ديدوش مراد” (رحمه الله) قال فيها: «إن حدث ومتنا، دافعوا عن ذاكرتنا»، أجابنا “مخلف”: «ما علينا إلاّ إلقاء نظرة على كيفية تدريس تاريخ حرب التحريرية في المدارس لاستيعاب الفجوات الموجودة في الذّاكرة التّاريخية، النّتيجة؟ الكثير من الجزائريين يجهلون تاريخ بلادهم وثقافتهم».
ويتابع “مخلف” ويقول: «انخراط المثقف منوط بتواجد عناصر ومؤهلات عديدة كمشاركته في برامج تلفزيونية أو إذاعية والتّي تفتح له المجال للتّعبير عن أفكاره، وهذه ليست حالتي. فقد حدث مؤخرًا، خلال حصة تلفزيونية خصصت لـ”أوراق نعناع” نوّهت من خلالها بمسؤولية السّيد بوتفليقة في غياب التّكفل الجديّ للحفاظ على مدينة القصبة، وهو مجال يهمني كثيرًا، فمدينة القصبة كادت أن تستفيد من عملية ترميم التّراث عام 1998، تحت رعاية الوزير المحافظ لمحافظة الجزائر الكبرى، “شريف رحماني”، بالتّعاون مع مؤسسة القصبة، وهي نتيجة عشرات أعوام من التّخطيطات والتّفكير لكن إقصاء “شريف رحماني” واستبداله بالوالي “نوراني” أجهض المشروع».
وعن مشاريعه الكتابية، أطلعنا السّيد مخلف عن فكرة روايته المقبلة بحيث سيتحدث فيها عن العشرية الحمراء في الجزائر. ويختم الصحفي اللّقاء بقوله «إنّ الشيء الأساسي الذّي تحتاج إليه الجزائر هو الحرية، بأشكالها المختلفة سواءً تعلّق الأمر بحرية التّعبير أو حرية التّظاهر أو حرية التّجمع أو حرية الدّفاع عن الحقوق، فالقمع الذّي ميّز التّظاهرات الأخيرة ضدّ الولاية الرّابعة لـ”بوتفليقة” خير دليل على ذلك. بحيث أنّه تمّ توقيف بعض المارة وسجنهم كحال الطالب “محند قاسي” البالغ من العمر 23 وهو ناشط في جمعية “تجمع عمل الشّبيبة (راج)” و”معز بنصير” وهو تونسي يعمل كمساعد نشر في مؤسسة فرنسية جزائرية. ذنبهما كان تواجدهما في أحد مقاهي “ديدوش مراد” في الوقت الذّي بدأت مسيرة حركة “بركات” يوم 16 أفريل الماضي، وقد تمّت محاكمتهما بالسّجن لمدة عام ةاحد إلاّ أنّ الحكم تمّ تخفيفه إلى ستة أشهر حبسًا غير نافذ».