“سكّر الدكانة”: السخرية أفضل طريقة لمحاربة الفساد في لبنان
لماذا تفاقمت ظاهرة الفساد في لبنان وأصبحت معالجتها من المستحيلات؟ أليس سبب ذلك التغطية السياسية للفاسدين من مراجع كبرى وزعماء طائفيين جعلوا من قصة التوازن غطاءً لممارسة فسادهم؟ سؤال قد تكون الإجابة عنه سهلة لكن معالجة مضمونه أخذت طريقها حقيقةً نحو الفعل فلم تعد مكافحة الفساد والمحسوبيات مجرد نظرية مع جمعية “سكّر الدكانة” التي انطلقت بجرأة ساخرة نحو مشروع التغيير.
“سكّر الدكانة، منظمة غير حكومية هدفها جمع البيانات المتصلة بالفساد بجميع أشكاله في المؤسَّسات الرسمية اللبنانية. الغاية فرز هذه البيانات والعودة بها إلى المواطن والإدارات المعنية، بهدف نشر الوعي وبناء علاقة بنَّاءة ونزيهة بين المواطن والدولة اللبنانية. هذه البيانات والأرقام المنبثقة منها ستُستعمل للضغط على الإدارات المعنية، بمساعدة الإعلام، لدفعها نحو الإصلاح”. هذا مختصر ما تقوم به “سكر الدكانة” وفقاً للقيمين عليها من شبان وشابات ينشطون ليلاً نهاراً لمحاربة الفساد على طريقتهم.
أما آخر إنجازاتهم، فهي العمل حالياً على جمع معلومات وإحصاءات عن الفساد في البلد، اضافة الى اتّباع طريقة السخرية للتوعية على كمية الفساد المنتشرة في لبنان خلال السنين الأخيرة. و”الهدف في هذه المرحلة الأولية هو زيادة الوعي عند المجتمع لمكافحة ظاهرة الفساد لذلك أجرينا لقاءات ومحاضرات في جامعات عدّة ، نذكر منها جامعة سيدة اللويزة، جامعة القديس يوسف، بعد ذلكأامضينا 3 أيام في صيدا، وكان لنا دكانة ثابتة حيث تواصلنا مع المواطنين بهدف تعريفهم على أهدافنا وتشجيعهم على التبليغ عن حالات الفساد التي يواجهونها. نتيجةً لذلك بات لدينا عدد كبير من التبليغات، كما استطعنا إستقطاب مجموعة كبيرة من الناشطين تخطى عددهم الـ ٢٠٠ وذلك بعد شهر واحد فقط من إنطلاق أعمالنا، لدينا إتصالات مع وزارات وإدارات وفعاليات تريد التعاون معنا”، هذا ما تقوله إحدى النشاطات مفضلة عدم ذكر اسمها لـ”برس نت”.
تضيف الناشطة المكلفة شؤون الإعلام في المنظمة، “نحن كجمعية سكّر الداكنة نملك ترخيصاً من وزارة الداخلية، عملنا ليس تشهيرياً وموجهاً ضد أشخاص معينين، بل على العكس، نسعى إلى تعاون مع الإدارات العامة لتصحيح الخلل الناتج عن إنتشار الفساد في بنية هذه الإدارة. لذلك لم نتعرض حتى الآن إلى أي نوع من الضغوط أو التهديدات من أي جهة”.
وماذا عن تفاعل المواطنين مع هكذا نشاط، توضح الناشطة أن “غالبية المواطنين قد أبدوا تجاوباً مع مبادرتنا. لمسنا جدية كبيرة من قبلهم لجهة كثرة التبليغات التي وصلتنا والتي تعدت الـ650 تبليغاً في فترة زمنية قصيرة. إضافةً إلى ذلك هناك رغبة حقيقية لدى الكثير من الفاعلين في المجتمع (رجال أعمال، ناشطون، جامعيون، مؤسسات تربوية) بالتعاون معنا ومساعدتنا لأن الفساد يؤثر سلبياً على الجميع. لكن طبعاً هناك من لم يفهم الرسالة وتواصل معنا للحصول على تصاريح كرخص حمل سلاح ورخص قيادة وما إلى ذلك. هناك سيدة أرسلت سائقها إلى “الدكانة” التي فتحناها ليوم واحد في الجميزة، للحصول على رخصة قيادة لإبنتها. رجل آخر طالب برخصة للحصول على زجاج داكن لسيارته. يمكنكم أن تقرأوا قصصاً كثيرة من هذا القبيل على صفحتنا الإلكترونية أو صفحتنا على الفيسبوك. يعكس هذا كلّه حقيقةً أنّ الفساد أصبح القاعدة وهذا ما أعطى مبرراً لوجود “سكّر الدكانة” ولحملة مكافحة الفساد”.
عن الخطوات المقبلة توضح المنظمة أن “هناك تعاوناً مع الإدارة العامة في هذا الموضوع وهناك خطوات ستُتخذ لتوعية الموظف لخطورة الفساد في الدولة. بالتوازي مع حملتنا التوعوية، انخرطنا في العديد من المؤسسات الحكومية لنضم جهودنا معهم على مكافحة الفساد في الإدارات العامة. قمنا باختيار عدد من المؤسسات العامة التي لها أهداف مماثلة لأهدافنا. ترحّب هذه المؤسسات بهيئات المجتمع التي تعمل بجدية نحو تحقيق أهداف مماثلة وأعربت عن استعدادها للتعاون مع “سكّر الدكانة”. وسوف نعلن عن هذه المشاريع المشتركة في أقرب وقت بعد إعداد صيغتها النهائية وجهوزيتها”.
عن خطورة التعرض لموظفين فاسدين تؤكد المنظمة أنها تواجه، من خلال التبليغات، طريقة عمل الإدارة وليس الموظف، ولا تذكر أسماء أحد من الموظفين.
فالمشكلة في الاساس بنيوية ومعالجتها لا يمكن أن تكون على مستوى القاعدة فقط، بل من رأس الهرم الذي يغطي فساد الصغار ومتوسطي الحجم.
ومن خلال العمل على تغيير بنيوي في الإدارات والمؤسسات نكون قطعنا الطريق على رأس الهرم إذا كان المسؤول عن استباحة القانون وسرقة المال العام. إذاً بذلك نضع المسؤول أمام مسؤولياته ويُحاسب على نتائج عمل إدارته”. بهذه الفقرة تختم الناشطة التي ارادت لفعل المنظمة أن يظهر في الواقع لا لأسماء معينة ممكن أن تأتي وتذهب، فربما كانت الناشطة الإعلامية في “سكّر الدكانة” محقة في هذا، حتى لا تطغى الشخصانية على عمل مؤسساتي تُرفع له القبعة احتراماً.