جهاد ضد “الجهاديين”: إطلاق صواريخ من لبنان
بغض النظر عن الأسلوب وطريقة الإطلاق والامكانيات المتواضعة والإسلوب المُتّبع في التفجير والعامل الزمني والنتائج والتداعيات، لا يمكن القول في موضوع إطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة من القطاع الشرقي لجنوب لبنان الجمعة الماضي إلاّ أنه جاء بدافع التضامن مع فلسطين وما يشهده هذه البلد السليب من ظلم وتدمير.
الأقاويل والاتهامات التي دارت حول هوية مطلق الصواريخ، ذهبت بعيداً في افترائاتها وتحليلاتها المُسيّسة لتجعل العمل؛ إما من صنع استخبارات الصهاينة أو من فعل “جماعات أصولية” كما قالت وسائل إعلام لبنانية وعربية، لتوحي للقاريء أن من يقف وراءها هم من يقوم بتخريب العالم العربي اليوم من تنظيمات “جهادية” تبدأ من “القاعدة” وتنتهي بـ”النصرة”، مروراً بـ”كتائب عبدالله عزام”. وإن كانت هذه الإشارة لا تهدف سوى لتطييف العمل وجعله مذهبياً من فعل فئة “تكفيرية” حتى يفقد أي تعاطف شعبي من خارج ملة أهل السنة في لبنان، وبعض هذه الملة وليس جلّها.
مُطلق الصواريخ هو الأستاذ الجامعي المتخصص باللغة العربية والتاريخ الإسلامي الدكتور حسين عزت عطوي، الذي فجع بمشاهدة أشلاء جثة والدته في العام 1977 اثر اصابتها بقذيفة اسرائيلية سقطت على بلدتها الهبارية الواقعة في اقصى الجنوب الشرق للبنان على مثلث حدودي بين لبنان وفلسطين وسوريا.
الشاب الذي تربىّ يتيم الأم، كان يحمل رغبة الانتقام من هذا العدو منذ صغره، وكان له ذلك من خلال انخراطه في صفوف “قوات الفجر” الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان، التي كانت إحدى الفصائل المقاومة للعدو الاسرائيلي في جنوب لبنان منذ الاجتياح في العام 1982.
جمع عطوي بين طموحاته “الجهادية” وحبّه للعلم، لكن وضعه المادي لم يكن كافياً ليحقق طموحه بدراسة الفيزياء او الرياضيات، فترك كلية العلوم من السنة الأولى وانضم الى كلية الدعوة الإسلامية التي درس فيها حتى حصل على ماجستر عن “الحرب النفسية في السيرة النبوية” ودكتوراة كان موضوعها أيضاً “الحرب النفسية في السيرة النبوية – المرحلة المدنية”. وهو يحتل مناصب عديدة، مثل مدير كلية الدعوة في العرقوب (جنوب لبنان) ومدير مجلة “التصوف” المتخصصة، وأستاذ في كلية الدعوة الاسلامية، وعضو “هيئة العلماء المسلمين”. وعضو في لجنة تحكيم إحدى المجلات اللغوية المتخصصة. وأمين سر المجلس العالمي للغة العربية في بيروت.
كان موضوع رسالته متماهياً مع حبه للمقاومة ومقاتلة المعتدين، الذي اغتالوا والدته حين كان في التاسعة من عمره، والذين اعتقلوه أيضاً لفترة قصيرة في معتقل الخيام حين كان لا يزال مراهقاً، حيث كان يزور الشريط الحدودي لرؤية والده تحت الاحتلال. ورغم تعرضه للتعذيب لم يعترف أو يقر بعلاقته بأحد من المقاومين أو عن نشاطه في التسلل ونقل اسلحة الى البلدة عبر طرقات وعرة بعيدة عن أعين الأعداء وعملائهم.
الدكتور عطوي كان مدرّساً لمادة الأخلاق في كلية الدعوة قبل أن يحصل على شهادة الدكتوراة منذ نحو سنة أو أقل بدرجة جيد جداً. وكان يتابع نشاطه المقاوم في الجنوب حتى بالتنسيق مع المقاومة الإسلامية التي يقودها حزب الله، وبقي حتى نهاية حرب صيف العام 2006.
هو مجاهد لكنه يكره “الجهاديين” الذين تبنوا مصطلحاً غير مناسب لتصرفاتهم. فالجهاد في رأيه يكون ضد الظالم المعتدي الذي يحتل الأرض، لا قتل أبرياء بحجة أنهم ينتمون الى مذهب معين أو طائفة معينة. لذلك كان دائماً في مجالسه الخاصة وأحاديثه يحذّر من الإنجرار وراء شعارات تنظيم “القاعدة” أو “داعش” أو أي فصيل يقتل الأبرياء ويكفّر الآخرين، على اعتبار أن المعركة الحقيقية هي ضد الصهاينة الذين احتلوا فلسطين. لذلك ينبغي توضيح أنه ليس عضواً في “جماعات أصولية” كما أوحت بعض وسائل الإعلام، بل هو عضو في “الجماعة الإسلامية” ويعلن ذلك دائماً من دون خجل. أما علاقة العميل الإسرائيلي السابق بالعملية فقد تم إدخال إسمه عن طريق الخطأ بعدما اشتبه الجيش بسيارته “الرابيد” الحمراء بأنها قد تكون هي من نقلت عطوي حين أصيب بحروق نتيجة اشتعال المكان أثناء اطلاق قذيفة. لكن العميل السابق تم اطلاقه بعد ساعات وثبت “عدم تورطه”. ومع ذلك لعبت وسائل الإعلام لعبتها في الربط بين مجاهد حقيقي قاده حماسه وحبه لفلسطين الى ضرب العدو بصواريخ، مع شخص رخيص يعمل لأي جهاز يدفع له.
لذلك جل ما يتمناه مؤيدو عطوي الآن هو إخراجه من الحجز لدى الجيش اللبناني، حتى لا يًعامل كمجرم أو فاسد. لأن ما قام به لا يمكن وضعه إلا في سياق ممارسة وطنية إنسانية، بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها، عن أسلوبها وتداعياتها وتوقيتها، هي ردة فعل عاطفية وعفوية وصادقة على ما يصيب أطفال غزة من حمم نارية صهيونية تحرق الأخضر واليابس. والموضوع لا يحتمل أكثر من ذلك. فالدكتور حسين شاهد اشلاء والدته الشهيدة في غزة وتصرّف على أساس الانتقام لروحها الطاهرة.