كوريا تقدّم فنها الجميل للبنانيّين
بيروت ــ معمر عطوي
لطالما كانت ثقافة الدول الواقعة في شرق أسيا، وخصوصاً في شبه الجزيرة الكورية، مجهولة بالنسبة للبنانيين الذين ينفتحون على الثقافة الغربية أكثر من غيرها. ولطالما دخلت كوريا الى لبنان والعالم العربي من بوابة السياسة والأزمة بين الكوريتين وارتدادتها على لعبة التجاذب الدولي. لكن العامين الأخيرين شهدا حراكاً ثقافياً مكثفاً على صعيد تعريف اللبنانيين بثقافة هذا البلد. حراك كان الطرف الأنشط فيه سفارة كوريا في لبنان التي أرادت من ذكرى مرور 30 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بيروت وسيول أن تكون مناسبة لتلاقح ثقافي وفني وحضاري غير مسبوق.
فكان البرنامج المكثف الذي حظيت به بيروت وبعض المدن اللبنانية الأخرى، فيما كان نشاط السفارة اللبنانية في سيول خجولاً على هذا الصعيد. وربما لعب وجود نحو 300 عنصر كوري جنوبي ضمن قوات حفظ السلام في جنوب لبنان «يونيفيل» منذ العام 2006، دوراً مهماً في رفد برامج التعريف المُتبادل بين حضارتين عريقتين. فقد سعت قوات حفظ السلام دائماً الى الانفتاح على أهالي القرى الجنوبية التي تتواجد فيها من خلال دعم مشاريع إنمائية وتربوية وتعليم رياضة «التيكواندو» التي تشتهر بها كوريا، لأطفال لبنانيين. اضافة الى برنامج «رحلات ما وراء البحار» الذي يختار مرتين في العام مجموعة من اللبنانيين لدعوتهم الى كوريا، حيث يمكن تعريفهم على تلك الحضارة من خلال برنامج سياحي مكثف يستمر 10 ايام يكتشف فيه اللبناني الكثير من «مجاهل» تلك الحضارة بدءاً من الطعام والشراب مروراً بالعادات الاجتماعية والفنون التراثية وصولا الى انجازات تلك البلاد على صعيد الاقتصاد والتنظيم المدني والصناعات المختلفة.
فيما يتعلق بالنشاطات الثقافية التي بدأت العام الماضي ضمن جدول طويل وحافل، بمناسبة ارساء الذكرى 30 لتأسيس العلاقات بين البلدين، أقامت سفارة كوريا في بيروت بجهود السفير السابق يونغ ها لي، وبالتعاون مع بعض الهيئات اللبنانية، سلسلة نشاطات ثقافية وفنية ساهمت فيها فرق فنية كورية ولبنانية، عرضت خلال أوقات مختلفة في كل من بيروت وبعض المناطق اللبنانية الأخرى.
واللافت أن برامج هذه النشاطات كانت عبارة عن مزيج من فنون تقليدية وحداثية مزجت بين عراقة التراث وبين تألق الفنون الغربية الاستعراضية.
في هذا السياق، أتى حفل بعنوان «Hello… Lebanon meet Korea» الذي افتتح في قصر اليونيسكو في بيروت بتاريخ 28 حزيران/ يونيو 2011، حيث تم عرض فيلم وثائقي عن كوريا وتأدية مقطع راقص من الفلكلور اللبناني وآخر للفرقة الكورية التراثية الراقصة «Noreum machi». ومن التراث الى الحداثة وثقافة الهيب هوب أدت فرقتان واحدة لبنانية وأخرى كورية «Gorilla crew» عروض من «break dance». نشاط استكمل في اليوم التالي على خشبة مسرح المدينة في شارع الحمراء في بيروت، للفرق نفسها.
وفي مطلع تشرين الثاني/ اكتوبر من العام الماضي، أقامت السفارة اسبوعاً ثقافياً كورياً تضمن حفلات لفرقة الأوركسترا الكورية النسائية ومهرجانات أفلام في كل من صور وطرابلس وبيروت اضافة الى تقديم أطعمة كورية خاصة.
من بين الأفلام التي نالت إعجاب ومتابعة اللبنانيين وبعض المقيمين الكوريين، الفيلم الروائي الذي يحكي قصة الشابة الضريرة سونغ هوا والصبي دونغ هو الذي يقع في حبها. لكن المشكلة تكون ان الصبي وبحكم ان من يتبناه هو الشخص نفسه الذي يتبنى الفتاة علق في مشكلة انه يناديها «اختي». وغادر الشاب المغروم المنزل وفقد أثر الفتاة التي أصبحت مغنية مشهورة، ليجدها في آخر المطاف. الفيلم مُفعم بالعاطفة والرومانسية وهو بعنوان «beyond the years».
لعل الحفل الأهم في سياق هذا البرنامج، كان في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في قصر اليونيسكو في بيروت، برعاية السفير الكوري الجديد بيونغ غل كيم، تحت عنوان «Hello lebanon.. meet korea again»، شاركت فيه المطربة اللبنانية غرايس ديب التي غنت باللغات العربية والانكليزية والفرنسية. وقدمت فرقة النورس اللبنانية عروضاً فلكلورية، فقدمت نوعاً من الزفة والدبكة على ايقاع الطبول والمزامير. ثم تلتها فرقة كورية تراثية تجسّد الفن الشعبي لتلك البلاد. فن يعتمد على ايقاعات
الطبول والمزامير والرقص المتمايل بثياب فضفاضة وزاهية الألوان. اما الفرقة الأخرى التي أسرت الحاضرين فكانت فرقة البوب المؤلفة من بنات وتدعى فرقة «اسيد» للرقص الاستعراضي الحماسي. اضافة الى راقصي «البريك دانس»، وحركاتهم البهلوانية البالغة في خفتها وليونتها. لقد تحول الحفل الى لوحة فنية متنوعة تجمع التراث العربي الى الكوري والفن الحديث الى التقليدي وتتنقل بالمشاهد بين عوالم مختلفة فائقة الروعة والجمال بما يمثل حقيقةً حوار حضارات بامتياز.