معمر عطوي
ليست المرة الأولى التي يضرب فيها الإرهاب “الجهادي” لبنان، وليست المرة الأولى التي يسقط فيها، نتيجة هذا الإرهاب، عناصر من الجيش اللبناني. لكن هي المرة الأولى التي يسيطر فيها مسلحون معظمهم من خارج لبنان على بلدة لبنانية- باستثناء مرحلة الحرب الأهلية طبعاً والاحتلال الصهيوني قبل العام 2000-، ويعيثوا فيها فساداً على الرغم من أن عرسال أطعمتهم وسقتهم وآوتهم من شرور نظام استبدادي في دمشق.
لقد تعرض شمال لبنان منذ نحو 7 سنوات، في مخيم نهر البارد، الى خطر وتدمير الإرهاب “الجهادي”- ولا أرغب باستخدام كلمة تكفيري لأن جميع التيارات الدينية والسياسية المؤدلجة تحمل فكراً اقصائياً تكفيرياً بدرجات متفاوتة.
فمنذ تورط “حزب الله” في سوريا ونكشه عش دبابير “الجهاديين” عمداً وبتعنت وإصرار اتيا بدعم وطلب إيراني، فتح باب جهنم على بلد الأرز، فأصبحت كل منطقة في ربوعه عرضة لهجوم انتحاري أو مسلح حتى في عقر دار الحزب نفسه.
تنقلت العمليات الإرهابية بين بعلبك والهرمل، التي تتعرض منذ سنوات لصواريخ من الداخل السوري عقاباً للأهالي على احتضانهم حزباً ترك بوصلته الأساسية في الجنوب وذهب ليقاتل المعارضة السورية دفاعاً عن بشار الأسد، فسعّر حرباً تاريخية بين “روافض” و”نواصب”، علماً بأن بنية هذا الحزب العقائدية تكفيرية بامتياز.
اليوم دخل لبنان في مرحلة جديدة، باتت معها بعض قراه وبلداته مستباحة أمام ميليشيات إجرامية هي امتداد لخلافة “ماسونية” زائفة تبدأ من الموصل وقد تنتهي في العاصمة بيروت نفسها.
لم يعد الأمر مجرد عارض أمني ويمر، لقد تكونت أسباب عديدة عززها العديد من العوامل والسياسات اللاواعية، الرسمية والحزبية، في صناعة صورة جديدة للبنان لا نُحسد عليها بتاتاً.
لم تعد القضية قضية مجموعات مسلحة يمكن القضاء عليها بالتنسيق مع سلاح الجو السوري والدعم الأميركي والتمويل الخليجي من خلال شراء السلاح للجيش اللبناني، أو تمويل سلاح حزب الله من إيران.
القضية باتت أكثر من ملحة، لمعالجة بنيوية لكل أسباب تفجّر الإرهاب وأسباب احتضانه من البعض. مشكلة بنيوية تبدأ من الخطاب السياسي الذي يصور قرى وبلدات معينة بصور بالغة السوء، ويحاول الإيحاء بشيطنة فئة من الناس، ما يجعل ردة الفعل أكثر همجية وقسوة من الفعل نفسه.
لا يمكن معالجة هذه الآفة بالسلاح فقط، بل لا بد من بدء خطة لمعالجة الحرمان والفقر اللذين يطالان كل الفئات الفقيرة في لبنان وليس فقط طائفة واحدة -كما يزعم البعض. بل لا بد من تطبيق سياسات تنموية متوازنة وإعادة المعنويات والهيبة للدولة على حساب أحزاب تتصرف وكأنها هي الدولة.
ثمة خطة طريق “طويلة عريضة” تبدأ من التنمية ومعالجة الفقر والبطالة وتنتهي بتعزيز التعليم والتثقيف، والعدالة في تطبيق التوظيف وفي تنفيذ مذكرات القاء القبض ضد المجرمين والفاسدين.
قد يكفي المال الذي يُصرف على السلاح الآن، لتمويل خطة كهذه، فيصبح المال لإحياء الإنسان بدل قتله. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يضرب فيها الإرهاب لبنان، لكن هذا الإرهاب الآن يأتي بصورة أخطر وأكثر قسوة وتهديداً، حيث بدأ يفرط عنقود الجيش؛ المؤسسة الوحيدة التي كانت لا تزال محط المراهنة على حماية الوطن. الأمر لم يعد مزحة وليس بالسلاح وحده نطرد الإرهاب.