داعش والنصرة في لبنان
تقدم الجيش اللبناني يوم الاثنين في عمليته العسكرية على بلدة حدودية هاجمها مسلحون إسلاميون متشددون مطلع الأسبوع في أخطر عملية تكشف عن امتداد الأزمة السورية إلى لبنان منذ ان بدأت قبل ثلاث سنوات فيما أكدت حكومة بيروت أن الاعتداء “لن يمر دون عقاب.”
ومع بدء تعزيزات الجيش إلى عرسال قال رئيس الوزراء تمام سلام إنه لن يكون هناك اتفاق سياسي مع المتشددين الإسلاميين الذين وصفهم الجيش بأنهم أفراد في جبهة النصرة والدولة الاسلامية التي احتلت أجزاء واسعة من العراق وسوريا في يونيو حزيران الماضي.
وقال في بيان على التلفزيون في نهاية اجتماع وزاري “لا حلول سياسية مع التكفيرين الذين يعبثون بمجتمعات عربية تحت عناوين دينية غريبة.”
وأضاف أن الحل الوحيد للمتشددين هو الانسحاب من عرسال. وقال سلام إن الحكومة قررت تعبئة كل مؤسسات الدولة للدفاع عن البلاد.
ومحاطا بوزرائه للدلالة على توحيد موقف الحكومة اتهم سلام المسلحين بالسعي إلى نقل “ممارساتهم المريضة” إلى لبنان الذي لا يزال يتعافى جراء الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وشهد لبنان أعمال عنف على صلة بالحرب السورية بينها هجمات صاروخية وتفجيرات انتحارية ومعارك بالاسلحة النارية لكن توغل المسلحين المتشددين مطلع الأسبوع كان الأول من نوعه.
لكن كان هذا اول هجوم كبير من قبل المسلحين السنة المتشددين الذين اصبحوا لاعبين بارزين في أعمال العنف بين السنة والشيعة التي ظهرت في جميع انحاء المنطقة مما ادى إلى زعزعة استقرار لبنان من خلال تأجيج التوتر الطائفي الموجود في البلاد اصلا.
وقال الجيش اللبناني يوم الاثنين إن 14 جنديا قتلوا وجرح 86 وفقد 22 إثر اعتقال قوات الأمن قياديا من جبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا يوم السبت يدعى عماد جمعة.
وقال مسؤول أمني لبناني إن الجيش عثر اثناء تقدمه على جثث 50 متشددا.
وجاء في بيان للجيش “يخوض الجيش اللبناني منذ يومين معارك ضارية في منطقة جرود عرسال ضد مجموعات مسلحة من الإرهابيين والتكفيريين على أكثر من محور.”
وأضاف “حتى الآن أنهى الجيش تعزيز مواقعه العسكرية الأمامية وتأمين ربطها ببعضها البعض ورفدها بالإمدادات اللازمة. وتعمل وحدات الجيش حاليا على مطاردة المجموعات المسلحة التي لا تزال تمعن في استهداف العسكريين والمدنيين العزّل في بلدة عرسال.”
ووصف الجيش اللبناني التوغل بأنه هجوم مخطط له منذ فترة طويلة. ويقول سياسيون محليون إن هذا الهجوم يمثل محاولة لتوسيع وجود الدولة الاسلامية في لبنان.
وقال المتشددون المسلحون إن عشرات من المقاتلين من منطقة جبال القلمون السورية عبر الحدود مباشرة تحركوا نحو عرسال يوم الأحد لتعزيز المسلحين هناك.
وأجبرت قوات الحكومة السورية المدعومة بمقاتلين من حزب الله اللبناني الشيعي المقاتلين المتشددين على الانسحاب من المنطقة الحدودية العام الماضي.
ويقدر عدد مقاتلي حزب الله في المنطقة بنحو ثلاثة آلاف مقاتل.
وقال الشيخ محمد يزبك رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله إن الجيش لن يترك وحده وحث ابناء المناطق القريبة من مسرح الاشتباكات على التأهب “لمواجهة خفافيش الليل المظلم.”
واضاف في تصريحات أوردها موقع المنار الالكتروني التابع لحزب الله في إشارة الى مدينة الموصل في شمال العراق التي اجتاحها مقاتلو الدولة الاسلامية في يونيو حزيران الماضي إن “من يهدد بانقسام الجيش والخروج عنه نقول لهم ليس لبنان ولا البقاع هو الموصل.”
وتصاعدت أعمدة الدخان من قمم التلال حيث تقع عرسال في حين سمع دوي زخات إطلاق نيران متفرقة من المناطق المجاورة بينما كان الجيش يدفع بالمزيد من التعزيزات إلى البلدة.
وشوهدت 12 ناقلة جند مدرعة تتقدم صوب البلدة مع عدد مماثل من الآليات العسكرية الأخرى بينها شاحنات وسيارات همفي.
وكان الجنود المسلحون بالرشاشات والقاذفات الصاروخية يجلسون على المركبات وهي تتحرك على طول الطريق الرئيسي المؤدي لعرسال.
وأظهرت لقطات فيديو نشرها الجيش سبع جثث لرجال يفترض انهم متشددون علاوة على لقطات لأكثر من عشرين رجلا يركعون على ركبهم وقد اوثقت ايديهم إلى حائط وعرضت لقطات لبنادق وبطاقات هوية وهواتف محمولة قيل انها ضبطت مع هؤلاء الرجال.
وعرسال بلدة يغلب على سكانها السنة وتقع على الجانب اللبناني من الحدود بين الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية والمناطق الشيعية اللبنانية المتعاطفة مع جماعة حزب الله المدعومة من إيران والتي تقاتل في سوريا إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد.
ويقدر عدد اللاجئين السوريين الموجودين في الأراضي المحيطة بعرسال بأكثر من مئة ألف شخص.
وقال ناشط سوري في المنطقة إن معسكرات اللاجئين تضررت إلى درجة كبيرة خلال القتال. وقال “الوضع الأمني سيئ للغاية ولا يوجد أي ملجأ آخر للاجئين. السكان ينتابهم الرعب.”
كما شوهدت شاحنتان للجيش تقلان عشرات من المدنيين بينهم نساء يرتدين الحجاب واطفال صغار من عرسال.
وقال محمد فليطي البالغ من العمر 25 عاما وهو من عرسال بينما كان يجلس في ظل شجرة قرب محطة للوقود على الطريق من عرسال “ماذا نتوقع. بيوتنا تتدمر الله وحده يعلم اذا كانت عائلاتنا على قيد الحياة وبصحة جيدة او قتلوا.”
وفاقمت الحرب في سوريا من الخلافات بين اللبنانيين الشيعة المتحالفين مع الرئيس السوري بشار الأسد والسنة الذين دعموا في غالبيتهم الانتفاضة ضده.
وأدت الانقسامات السياسية إلى عدم انتخاب رئيس للبلاد منذ خلو المنصب في مايو أيار الماضي.
وقال رئيس الوزراء السابق سعد الحريري – وهو أكثر السياسيين السنة نفوذا في لبنان – إنه يجب “تحرير عرسال من خاطفيها من (داعش) وجبهة النصرة.”
وأضاف في تصريحات لصحيفة الحياة “لا مفر أمامها (الجماعات المقاتلة المتشددة) إلا بإخلاء البلدة ولن تقف الدولة ونحن إلى جانبها مكتوفة الأيدي حيال مخططات هذه المجموعات.”
وعلى الرغم من التأييد الواسع الذي يمنحه الساسة للجيش في لبنان حثت هيئة علماء المسلمين السكان السنة على الاحتجاج حتى يوقف الجيش قصفه لعرسال.
ومن بين ما طالبت به الهيئة في بيان “فتح ممر انساني آمن الى عرسال لاغاثة الجرحى وتأمين المستلزمات الطبية والاغاثية لاكثر من مئة وستين ألف إنسان يعيشون داخل البلدة.”
وقال حزب الله في بيان يوم الاحد أنه “سيقف صفا واحدا” مع الجيش في مواجهة الخطر الذي يهدد “وحدة وسيادة واستقرار” لبنان.
وتنتشر عناصر حزب الله في المنطقة في محيط عرسال لكن محللين يقولون إن الحزب لن يعلن عن أي دور له في المعارك حتى لو شارك فيها خشية تفاقم التوتر بين السنة والشيعة