ابتعاد مصر والهند والولايات المتحدة عن العلمانية
يرى كاتب أمريكي أن مصر والهند والولايات المتحدة كانت نماذج للحداثة العلمانية لكن استخدام الساسة الدين لأغراض سياسية أدى الى بزوغ نجم الطائفية في البلدان الثلاث.
ويرجع سكوت هيبارد في كتابه “السياسة الدينية والدول العلمانية … مصر والهند والولايات المتحدة” أسباب تأثير الدين في سياسة الدول الثلاث إلى أمور منها أن المسؤولين السياسيين يتلاعبون عادة بالدين من أجل غايات وأهداف سياسية وأن الدين يظل مرتبطا بالسياسة الحديثة نتيجة علاقته المتسقة مع الهويات الطائفية والشرعية والأخلاقية بالإضافة إلى أن اللغة الأدبية المتأصلة في التقليد الديني تجعله وسيلة فعالة على نحو فريد لإجازة السياسات والآراء السياسية الحديثة.
وكتاب هيبارد وهو أستاذ بجامعة دي بوي بولاية الينوي الامريكية وبالجامعة الامريكية في القاهرة صادر ضمن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت ومن ترجمة الأمير سامح كريم ويقع في 415 صفحة من القطع المتوسط.
ويقول الكاتب إن ارتباط الدين بماض رجعي داخل مصر والهند على وجه التحديد حمل في طياته خطرا مستمرا من الانقسام الطائفي.
ويستشهد على هذا الرأي بمثالين الأول من الهند حيث يقول إنها خشيت “إبان فترة الزعيم (جواهر لال) نهرو من الطائفية الدينية التي هددت حياة نحو نصف مليون شخص أثناء التقسيم في العام 1947 والتي استمرت في تهديد الديمقراطية الهشة في الدولة.”
والمثال الثاني من مصر التي نظر إلى الدين المحافظ بها على أنه “عقبه لنوعية الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي تمنى (جمال) عبد الناصر تنفيذها.”
ويقول الكاتب إن زعماء مصر فضلوا “الاستخدام العتيق للإسلام الرسمي لشرعنة السلطة السياسية” مشيرا إلى أن الدولة الحديثة حتى أثناء فترة رئاسة جمال عبد الناصر لم تسع مطلقا إلى القضاء على العقيدة الدينية ولكنها على العكس عملت على استقطابها.
وفي الهند التي تعد أكبر ديمقراطية في العالم يقول الكاتب إن المهاتما غاندي نظر إلى “التسامح وعدم استخدام العنف على أنه صفة محورية للهندوسية وكان ذلك هو الأساس الذي بنيت عليه رؤيته الشمولية للمجتمع الهندي.”
ويورد هيبارد وصف جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند للعلمانية الذي قال فيه “نحن نطلق على دولتنا دولة علمانية… ماذا تعني هذه الكلمة تحديدا؟ من الواضح أنها لا تعني مجتمعا تجري فيه إعاقة وإحباط الدين. إنها تعني حرية الدين والضمير بما في ذلك الحرية لأولئك ممن لا دين لهم”.
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية يقول هيبارد إن الرؤية العلمانية للقومية الأمريكية بنيت على فهم عصري للدين وهوية قومية شمولية ويعكس هذا أفكار التنوير السائدة عند تأسيس الأمة والعناصر المحدودة للتقليد المتزمت.
ويوضح هيبارد أن الدستور الأمريكي يجسد “حلا وسطا فيما يخص مسألة الدين وهو: من أجل حماية الدين (والضمير) من التدخل الحكومي المفرط لا تمنح أفضلية لفئة معينة داخل مؤسسات الأمة والدولة.”
ويشير الكاتب إلى إن الزعماء في الولايات المتحدة مثل فرانكلين روزفلت وهاري ترومان ودوايت أيزنهار وجون كنيدي قد نظروا جميعا إلى الغاية الأمريكية من منظور ديني لكنهم اتجهوا في الوقت نفسه إلى تبني رؤية مسكونية للدين (يقصد بالمسكونية دعم وتشجيع الوحدة بين جميع معتنقي المسيحية على اختلاف مذاهبهم) والمجتمع.
لكن دوام الحال من المحال..
ويقول الكاتب إنه بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 تخلى الرئيس أنور السادات عن “الخيار العلماني لمصلحة إسلام سلفي متأثر بالمملكة العربية السعودية … وسعى لاستقطاب وليس مواجهة الرؤية الإسلامية واستخدامها لبناء قاعدة جديدة لسلطة الدولة.”
واستمرت العملية بعد مقتل السادات إذ يرى الكاتب أن سلفه حسني مبارك الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في 25 يناير كانون الثاني 2011 سعى إلى “تصوير نفسه على أنه المدافع الأصلي عن المعتقد الديني داخل المجتمع المصري”.
وفي الهند يعتقد هيبارد أن استئصال الإجماع العلماني كان جاريا بكفاءة بحلول مطلع الثمانينيات من القرن الماضي باستقطاب القومية الهندوسية من أجل اعتبارات انتخابية.
ويرى الكاتب أن عملية إضفاء الصبغة الطائفية على نظام الحكم الهندي تحت زعامة حزب المؤتمر في الثمانينات من القرن الماضي تفسر الصعود الهائل والسريع لحزب بهاراتيا جاناتا.
وحصد بهاراتيا جاناتا مكاسب كبيرة من وراء المتحمسين الهندوس الذين أيدوا التعبئة الطائفية التي تبناها كل من أنديرا وراجيف غاندي زعيما حزب المؤتمر أثناء الثمانينيات ولكن دعمهم تحول إلى حزب بهاراتيا جاناتا في الفترة من مطلع التسعينات.
وعلى الجانب الآخر من العالم يشير الكاتب الى أن العقيدة المسيحية للرئيس الأمريكي السابق جورج دابليو بوش الابن كانت “جزءا محوريا من إستراتيجية الحملة الانتخابية.” مشيرا إلى اعتقاد بوش بأن ” الله أرادني أن أترشح إلى منصب الرئيس” ووصفه المسيح بأنه “فيلسوفه المفضل” جعلت الكثيرين من المسيحيين المحافظين يستنتجون أن بوش هو الأجدر بتمثيلهم