لبنان: تهديد أمني وإقتصادي
علي مرتضى- بيروت
واقع مرير يعيشه الشباب اللبناني في ظل أزمة إقتصادية أمنية خانقة، وانعدام أملٍ في غدٍ جديد. حروب إقليمية فرضت على لبنان, نزوح الآلاف, بل عشرات الألاف, وصولا الى الملايين من السوريين الى الداخل اللبناني بعد تدمير قراهم، حتى باتت أعدادهم تفوق أعداد نصف الشعب اللبناني. وفي المقابل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني من مواد غذائية الى غيرها من الأدوات والمعدات، وصولاً الى ايجارات الشقق التي أصبح وجودها من نوادر العصر، وارتفاع معدل البطالة في فئة الشباب، وأزمة ازدياد أعداد طلاب السنوات الأولى في الجامعة اللبنانية. هنا أزمة كهرباء وهناك أزمة مياه ولم يبق سوى نسمة هواء على وشك الإنقراض “وعيش يا مواطن”!!. وليس هناك أي فرصة عمل للبناني، خصوصا بعد تزايد نسبة اعداد السوريين، حيث المنافسة في المهن الحرة وفي قطاع النقل والمواصلات. كما أن أنانية أرباب العمل جعلتهم يستخدمون السوري عوضاً عن اللبناني بسبب قبولهم اجورا منخفضة ناهيك باعفاء صاحب العمل من تسجيلهم في شركات التأمين والضمان الإجتماعي. ما يوفر عليهم بعض الأموال، في ظل غياب شبه تام للدولة اللبنانية، والشباب اللبناني يسأل أين الخلاص؟.. في هذا السياق يتحدث سامر ب. ل”برس نت” وصاحب إحدى ماكنيات الاسبريسو لبيع القهوة على زاوية احد الطرقات فيقول:”إن الرزق على رب العباد ولكن الآن أصبح في هذا الشارع 4 شباب من الجنسية السورية يضعون ماكيناتهم على عربات ويقفون كلٌ على بعد أمتار. يضيف قائلاً:”لولا ثقتي بالله لقتلتهم باتت أعدادهم هنا أكثر من اللبنانيين، ويشكلون تهديدا أمنياً بالدرجة الأولى. ويتساءل الشاب الى أى أين يذهب اللبناني اذا لم يستطع أن يحصّل رزقه في وطنه؟.
بينما يعتبر محمود ع. الشاب العاطل عن العمل بأن وجود العامل السوري هو الذي جعله عاطلاً عن العمل. محمود اختصاص “شيف معجنات” كان يتقاضى راتباً يبلغ 650 $ في احدى شركات المخابز والأفران المعروفة، يخبرنا عند دخول السوري الى لبنان منذ بداية الأزمة تغير الوضع كثيراً، الى أن جاء صاحب الشركة في أحد الأيام عارضاً عليه أن يعمل براتب 400 $ مع العلم بأنه يعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم ولكن محمود رفض. يقول:”شو عم يستكردني” اي يحط من قدري. ومرت سنتين وهذا الشاب ما زال عاطلاً عن العمل بسبب تدني الأجر الذي قبل به السوري ولن يستطيع اللبناني سوى أن يدفع ايجار منزله به فقط. هذا إن استطاع، ولكن من أين يأكل؟.
يختتم محمود بالقول: “حال الشباب اللبناني محزنٌ الى حد اليأس وانعدام الأمل”.
اما رامي نون فيقول “في البداية كنت أستطيع أن أعمل “دليفري” توصيلات ولكن الآن لم يعد لدي مكان في هذا البلد سوى الرحيل بوجود الشقيق الذي أصبح يملك حق الأفضلية في العمل لدى أصحاب الشركات والمؤسسات”.
صفاء تعمل نادلة في احد المطاعم تقول إنها الوحيدة اللبنانية الباقية في المطعم من أصل خمس نادﻻت قررن ترك العمل، وعند سؤالها عن سبب تركهن للعمل؟ أجابت: “تخفيض أجورهن” وعملت مكانهن أربع نادلات من التابعية السورية.
من جهتها تعلل رانيا سبب بقائها، الى أنها بحاجة الى العمل حتى لو تدنى أجرها الى حد ال 600000 ألف ليرة لبنانية بعد أن كان 750000 ألف ليرة لبنانية، لأن لديها أم مريضة ولا تستطيع أن تتوقف عن العمل وعليها أن تحضر لها الدواء بشكل مستمر.
هذه بعض ميادين المنافسة ناهيك بتعهدات ورش البناء والديكورات والأدوات الصحية وغيرها من الأعمال التي أصبح للسوري الأفضلية في قيادتها والعمل عليها، ليس لخبرته أو كفاءته، إنما فقط لأن السوري يقبل بأجر 15 $ في اليوم كله ولو كان عدد ساعات العمل كبيرا، بينما اللبناني لا يستطيع ان يشتري قوت عائلته بهذا المبلغ الزهيد في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعليه أن يمارس مهنتين لكي يعيش بحسب قول “أبو محمد”.
بات الوضع ميؤوساً منه بحسب ما قالته المتخصصة – ه.ق- في علم النفس العيادي :”لقد زادت حالات الكآبة والإحباط بسبب عدم القدرة على المنافسة والتكيف مع الظروف الجديدة المفروضة على جيل الشباب، فالبطالة تؤدي الى الهروب من الواقع والبحث عن سبل سريعة لتأمين المال، خصوصاً في ظل الركود الاقتصادي الذي نعيشه، وهذا ما يفسر ازدياد معدلات السلب والنشل والسرقة واللجوء الى تعاطي الأدوية المخدرة والإتجار بها لتأمين معيشتهم. لعلهم يعتقدون بذلك انهم يهربون الى عالم افتراضي. عالم قد يحقق اللذة المؤقتة التي تفصله ولو لساعات عن الواقع المرير الذي لم يستطع التكيف معه.
وذلك في غياب البديل وغياب التوعية الاجتماعية واهمال علني من الدولة اللبنانية بعدم اعطائهم الفرصة لتحقيق طموحاتهم وآمالهم.
اضافة الى عدم تطبيق القوانين التي تحمي العامل اللبناني في ظل وجود عشرات الآلاف من العمال السوريين الذين يأخذون مكان اللبناني في العمل في جميع المجالات.