مؤتمر باريس: حلف لمحاربة داعش … من دون تنسيق
«مؤتمر الأمن والسلام في العراق» انعقد في باريس كما أراد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. حضر ممثلو 26 دولة و3 منظمات دولية، ولكن لم يستطع هولاند «الحصول» على موافقة بعض الدول المؤثرة لدعوة إيران «الغائب الأكبر» الذي تمنى وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري حضورها، وكذلك فؤاد معصوم رئيس الجمهورية الذي صرح إن «أي تحرك ضد تنظيم داعش يجب أن يضم إيران»، مشيراً الى أهميتها «من الناحية الجيوبوليتيكيةبالنسبة للعراق»، ولكنه استدرك مخففاً بالقول: «ليس المهم أن يشارك الجميع في الحرب، بل المهم أن يشاركوا في القرار».
وقد أكدت مصادر فرنسية رفيعة أن «هولاند تمنى حضور إيران» ولكن كان من الصعب الحصول على موافقة أميركية أو سعودية «بسبب الدعم الذي تقدمه إيران للنظام السوري». ولكن فرنسا تجاوزت كل التحفظات ودعت روسيا حيث كان سيرغي لافروف وزير خارجيتها «مبتسما في الصورة العائلية» كما لاحظ ديبلوماسي عربي.
إذا بين غائب وحاضر يمكن القول إن هذا المؤتمر «وجود تحالف دولي» لمحاربة الدولة الإسلامية، ولكنه كشف أيضاً «حدود هذا الحلف»، إذ أن المجتمعين ظهروا كمجموعة تريد مقاتلة داعش ولكن من دون تنسيق، والاتفاق هو اتفاق على مبادئ عامة دعماً للعراق وللتنويه بخطر الدولة الإسلامية على العالم بأكمله، ولم يتردد أحد الديبلوماسيين الفرنسيين من وصف هذا الخطر بأنه قد يصل إلى «بواتييه» في إشارة إلى «الغزوات العربية لجنوب أوروبا في عصر الأندلس». وقد أكدت هذه المصادر بأن «العمل العسكري سيكون عملاً ثنائياً وليس ضمن الحلف».
أبرز هذا المؤتمر عبر بيانه وما دار في الكواليس ثلاث نقاط آساسية: ١) اتفاق على أن مستقبل العراق هو فيدرالي و ٢) تباين حول ضرورة ضرب داعش في سوريا و٣) تباين واضح بين الأجندة الأميركية والأجندة الفرنسية
وفي التفاصيل
١) مستقبل العراق خرج المؤتمر بقرار يشير إلى «التمسك بوحدة العراق وسلامة أراضيه وسيادته»، وبعد أن أشاد بالحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي، وتعهد دعمها أشار إلى أن الدعم مبني على «توطيد سيادة القانون، وتطبيق سياسة لتعزيز وحدة الصف الوطني، وتحقيق التمثيل العادل لجميع المكونات في المؤسسات الاتحادية والمساواة بين جميع المواطنين». مصدر فرنسي رفيع أشار إلى أن «مستقبل السنة في العراق قد يكون مطابقاً لما هو الوضع عليه في كردستان». وجاء في البيان ضرورة «دعم تطلعات الشعب العراقي، واحترام حقوق الإنسان في إطار اتحادي يمتثل للدستور وحقوق الأقاليم ووحدة البلاد». وإن دل ذلك على شيء فهو أن كافة اللاعبين الإقليميين المؤثرين واللاعبين الدولين الكبار قد اتفقوا على أن «مستقبل العراق يتمثل في فيدرالية واسعة».
٢) غياب سوريا وضرب داعش في سوريا عن البيان النهائي يظهر التباين إن لم نقل «آلخلاف» حول ضرب الأراضي السورية لملاحقة قوات داعش وإضعافها. وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل طالب بأن «تشمل الغارات مواقع داعش في سوريا» وعند حديثه عن الحرب قال «إن الحرب ستستغرق عشر سنوات للتخلص من التنظيم …ومن النظام في دمشق» أي أنه جعل من محاربة النظام السوري عسكرياً أحد أهداف المجتمعين. في حين أن المصادر الفرنسية قالت وبشكل صريح «إننا لم نصل إلي هذه النقطة» وأوضحت بأن القرار ٢١٧٠ الموضوع تحت الفصل السابع «لا يتيح التدخل العسكري إلا بطلب من الدولة المستهدفة».وهذا التباين واضح ليس فقط بين واشنطن والرياض من جهة وباريس من جهة أخرى ولكن أيضاً في صفوف دول صغيرة مثل لبنان يقول على لسان وزير خارجيته «ان مطلبنا الاساسي الا يتوقف ضرب داعش على العراق وحده» ويضيف في لقاء مع صحافيين لبنانيين في السفارة اللبنانية «ينبغي ضربها في كل مكان» ويشرح بأن «ضربها في العراق وحده سيجعلها تتدفق نحو سوريا ولبنان » وبرأي الوزير باسيل إن هذا «يفاقم خطرها» على بلاد الأرز.
ويقود هذا الخلاف الأساسي في أهداف الشق العسكري من التحالف إلى النقطة الثالثة:
٣) التباين الواضح بين الأجندة الأميركية والأجندة الفرنسية، ولا يتوقف عند نقطة ضرب داعش في سوريا وهو ما ترفضه باريس وتريد واشنطن القيام به. هنا يجب العودة إلى انطلاق الفكرة الفرنسية لمؤتمر دولي حول العراق. ويقول البعض أنها فكرة «هولاندية» نسبة إلى الرئيس الفرنسي الذي يتهمه البعض بأنه يحاول رفع شعبيته في الداخل عبر حروب في الخارج ، ولم تتردد الصحافة الفرنسية من وصفه «بالرئيس المحارب» مذكرة بحروبه في مالي وأفريقيا الوسطى. وقد قام هولاند بـ«حركة تواصلية» بإعلان قيام الطائرات الفرنسية بـ«جولة تصويرية» فوق الأراضي العراقية.
إن إطلاق فكرة المؤتمر جاءت رداً مباشرة على دعوات أميركية للتدخل في العراق لصد قوات داعش وتريد باريس أن تبرز أن أجندتها تختلف عن الأجندة الأميركية. فباريس تريد أن تشدد عى «الحلف السياسي» بينما ترى واشنطن التي تجاوزتها في لقاء جدة «أن الحلف هو عسكري أولا ًوأخيراً». لا يتوقف التباين بين المواقف الفرنسية والأميركية عند هذه النقطة فقد انتقل إلى صحافة الشؤون الداخلية للدولتين، فواشنطن تتهم فرنسا بتمويل الإرهاب عبر قبولها دفع فديات لتحرير رهائنها وهو ما أنكرته باريس على لسان لوران فابيوس وما أعدت تأكيده النطاقة باسم البيت الأبيض بينما تشير الصحافة الأميركية إلى أن «الرهائن الفرنسيين يفرج عنهم معافين بعكس الرهائن الأنكلو ساكسون».